أوكرانيا: مسيّرات إيران… في خدمة الروس

إيريك شميت Eric Schmitt، وتوماس جيبونزنف Thomas Gibbons-Neff، وجون إسماي The New York Times – John Ismay

 

كشف البيت الأبيض الأسبوع الماضي أنّ روسيا تسعى إلى الحصول على مئات من مسيّرات المراقبة الإيرانية، المسلّحة وغير المسلّحة، من أجل استعمالها في حرب أوكرانيا. وهذا يعكس حاجة موسكو إلى سدّ فجوة حرجة في ساحة المعركة، والعثور على مورّد طويل الأجل لتكنولوجيا قتالية حاسمة، كما يقول محلّلون أميركيون، استخباراتيون، وعسكريون، ومستقلّون.

أمّا جيك سوليفان Jake Sullivan، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس بايدن، فقدّم تفاصيل قليلة حول التقييم الاستخباراتي الذي كشفه للصحافيين يوم الإثنين الماضي، بما في ذلك ما إذا كانت إيران بدأت بشحن المسيّرات إلى موسكو. لكنّ مسؤولين أميركيين آخرين قالوا إنّ إيران تستعدّ لتوفير ما يصل إلى 300 طائرة مسيّرة، وستبدأ بتدريب القوات الروسية على كيفية استعمالها في وقت مبكر من هذا الشهر.

استنفدت روسيا معظم أسلحتها الموجّهة بدقّة، بالإضافة إلى العديد من الطائرات بدون طيّار التي استعملتها لمساعدة المدفعية البعيدة المدى في قصف أهداف أوكرانية استمرّ لأشهر. في غضون ذلك، دمّرت الدفعة الأولى من قاذفات الصواريخ الأميركية المتعدّدة المحمولة على شاحنات أكثر من عشرين مستودع ذخيرة روسية ومواقع دفاع جوّي ومراكز قيادة، وفقاً لاثنين من المسؤولين الأميركيين، وهو ما يجعل حاجة موسكو إلى مواجهة الأسلحة الغربية الجديدة والمتقدّمة أكثر إلحاحاً.

خسرت روسيا عشرات طائرات الاستطلاع بدون طيار من خلال الدفاعات الجوية الأوكرانية، وبسبب الهجمات الخاطئة، والتشويش في المرحلة الأولى من الصراع

من جهة أخرى، زوّدت إيران، التي هي رائدة في تطوير الطائرات بدون طيّار منذ عقود، حزب الله في لبنان بهذه التكنولوجيا، والمتمرّدين الحوثيين في اليمن الذين يهاجمون السعودية والإمارات، والميليشيات الشيعية في العراق، التي نفّذت ضربات ضدّ القوات العراقية والأميركية.

 

تفوّق أوكرانيا؟

قال صامويل بينديت Samuel Bendett، المتخصّص في الطائرات الروسية بدون طيار وغيرها من الأسلحة في CAN، وهي مؤسّسة بحث وتحليل في أرلينغتون Arlington بولاية فيرجينيا: “تتحوّل روسيا إلى حليف أطلق طائرات بدون طيار بأعداد كبيرة وفي بيئات معقّدة. ومع أنّ لدى روسيا طائرات بدون طيّار، لكن ليس لديهم كلّ الأنواع التي يحتاجون إليها”.

يؤكّد اتفاق روسيا مع إيران على الأهميّة المتزايدة للطائرات بدون طيار في الحرب الحديثة، ليس فقط خلال التمرّدات العسكرية أو عمليات مكافحة الإرهاب، بل أيضاً في النزاعات التقليدية الطراز. تقوم الطائرات بدون طيار بدور محوريّ في ساحة معركة غير حاسمة مثل أوكرانيا حيث يكون قصف المدفعية المتبادل هو العامل الفاصل في فشل الهجوم أو نجاحه.

قال سوليفان في بيان أصدره البيت الأبيض، وأوردته شبكة “CNN” في وقت سابق، إنّ وفداً روسيّاً زار مطاراً في وسط إيران مرّتين على الأقلّ في الأسابيع الخمسة الماضية، في 8 حزيران و5 تموز، لفحص الطائرات بدون طيار التي يمكن تسليحها. استعرض الروس طائرات شاهد -191، وشاهد -129، وفقاً لصور الأقمار الصناعية التي زوّدها البيت الأبيض لصحيفة “نيويورك تايمز” مُرفقة بالبيان.

يقول مسؤولون عسكريون إنّه كان لدى أوكرانيا أسطول من الطائرات بدون طيار خاصّ بها قبل بدء الحرب. واستعملت أيضاً مئات المسيّرات التي قدّمتها الولايات المتحدة ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي، مثل تركيا، لتدمير مئات الدبّابات وناقلات الجند الروسية. لكنّ المحلّلين قالوا أيضاً إنّ الطائرات الروسية المضادّة للطائرات بدون طيار، وكذلك معدّات الحرب الإلكترونية، بما في ذلك أجهزة التشويش، أعاقت النجاح المبكر للطائرات الأميركية والتركية بدون طيار. وخلص تقرير حديث صادر عن المعهد الملكي للخدمات الموحّدة Royal United Services Institute، وهو منظمة بحثية في لندن، إلى أنّ أوكرانيا بحاجة إلى المزيد من معدّات الحرب الإلكترونية الخاصة بها لمكافحة الأنظمة الروسية المتقدّمة. وذكر التقرير أنّ طائرات الاستطلاع الأوكرانية بدون طيار، التي تساعد في استهداف القوات الروسية، بقيت ناشطة لمدّة أسبوع واحد فقط، قبل أن تحطّمها الدفاعات الروسية أو تسقطها.

 

الروس يحسّنون مهاراتهم

ناشدت أوكرانيا وأنصارها في الكونغرس الولايات المتحدة وحلفاءها تقديم المزيد من الطائرات بدون طيار التي يمكنها حمل المزيد من الأسلحة والبقاء عالياً لمدّة أطول، مثل طائرة النسر الرمادي Gray Eagle. لكنّ المسؤولين الأميركيين جمّدوا هذه المقترحات في الوقت الحالي، خوفاً من أن تصبح النسور الرمادية أهدافاً سهلة للدفاعات الجوية الروسية، فضلاً عن أنّ الرئيس فلاديمير بوتين يمكن أن يعتبر تزويد أوكرانيا بها عملاً تصعيدياً.

كانت لروسيا ترسانتها الهائلة من الطائرات بدون طيار التي دخلت الحرب، لكنّ احتمال تسليم مئات الطائرات الإيرانية من دون طيار المسلّحة وغير المسلّحة لموسكو، سيساعد الكرملين على تجديد أسطوله الذي تكبّد خسائر فادحة خلال الحملة التي استمرّت حتى الآن قرابة خمسة أشهر.

خسرت روسيا عشرات طائرات الاستطلاع بدون طيار من خلال الدفاعات الجوية الأوكرانية، وبسبب الهجمات الخاطئة، والتشويش في المرحلة الأولى من الصراع. 

يقول مسؤولون عسكريون إنّه كان لدى أوكرانيا أسطول من الطائرات بدون طيار خاصّ بها قبل بدء الحرب

طائرات المراقبة بدون طيار ضرورية للمعركة البرّية الطاحنة التي من المرتقب أن تحسم الحرب. وقال محلّلون إنّ صناعة الدفاع الروسية تكافح لبناء طائرات بدون طيار مسلّحة بكميّات كبيرة، وطائرات أخرى موجّهة عن بعد يمكنها التحليق عالياً فوق الأهداف لساعات في المرّة الواحدة.

منذ غزو أوكرانيا في شباط الماضي، حسّن الجيش الروسي من استخدامه الطائرات بدون طيار في ما أصبح في الأساس حرب مدفعية. كانت الطائرة الصغيرة بدون طيار نعمة لاستهدافها السريع للقوات الأوكرانية، وإرسال الإحداثيات مرّة أخرى إلى أسلحة روسيا بعيدة المدى، بما في ذلك مدافع الهاوتزر وقذائف الهاون.

وقال رائد في الجيش الأوكراني يدعى قستيانطين Kostyantyn، رفض ذكر اسمه الأخير لأسباب أمنيّة، عن استخدام الجيش الروسي للطائرات بدون طيار، الربيع الماضي: “إنّهم بالتأكيد يحسّنون مهاراتهم”.

قال جنود أوكرانيون في دونباس، وهي رقعة من الأراضي الواقعة في شرق البلاد أصبحت محور الحملة العسكرية الروسية الحالية، إنّ مدفعيّتهم تُستهدف على الفور تقريباً بالنيران المضادّة الروسية، وهو ما يعزونه جزئياً إلى استعمال الروس الطائرات بدون طيار.

لقد غيّرت الطائرات الروسية بدون طيار، وبشكل أساسي Orlan-10، وهي طائرة صغيرة ثابتة الجناحين، إلى جانب المروحيات الرباعية الصغيرة المتاحة تجارياً، كيفية تحرّك القوات الأوكرانية في جميع أنحاء ساحة المعركة، بشكل جذري. إنّهم يوقفون سياراتهم تحت الأشجار أو أيّ غطاء آخر. وبات عليهم إخفاء قطع المدفعية لتجنّب اكتشافها من خلال المراقبة الجويّة.

 

تراجع التفوّق الروسي

لكن حتى مع التمويه المناسب، تنشر القنوات الإعلامية الموالية لروسيا في كثير من الأحيان مقاطع فيديو للمعدّات الأوكرانية التي يجري استهدافها وتدميرها كالطائرات بدون طيار.

مع ذلك، كما قال بينديت ومحلّلون عسكريون في الأسابيع الأخيرة، تضاءل تفوّق روسيا في حرب الطائرات بدون طيار. وقال محلّلون إنّ حوالى 50 طائرة من طراز Orlan-10 تمّ إسقاطها بنيران أوكرانية أو بتشويش أوكراني، أو بإطلاق نار عَرَضي روسي.

نتيجة لذلك، ما يزال الطلب مرتفعاً على النماذج الاستهلاكية الجاهزة والطائرات بدون طيار المعدّلة المقاومة للتشويش. ويقول محلّلون إنّ الجانبين يستعملان حملات تمويل جماهيري لاستبدال المعدّات المفقودة.

في الأثناء، امتنعت روسيا وإيران عن الردّ منذ إفشاء سوليفان لهذه المعلومات. ورفض المتحدّث باسم الكرملين، دميتري س. بيسكوف Dmitri S. Peskov، التصريح يوم الأربعاء الماضي بما إذا كان لدى موسكو أيّ خطط لشراء طائرات إيرانية بدون طيار. وقال إنّ بوتين لم يكن يخطّط لمناقشة القضية خلال زيارته المقرّرة لطهران هذا الأسبوع.

إقرأ أيضاً: الخطّة البديلة لبوتين: رهان على مَلَل الغرب

يقول محلّلون غربيون، وحتى بعض المحلّلين الروس، إنّ الكرملين أدرك قيمة الطائرات بدون طيار في نزاعات مختلفة حول العالم على مدى سنوات، بما في ذلك في سوريا. ومع ذلك، لم تكن روسيا مستعدّة للاستعمال المكثّف لهذه الطائرات في أوكرانيا.

قال يوري بوريسوف Yuri Borisov، الذي شغل حتى الأسبوع الماضي منصب نائب رئيس الوزراء الروسي، في مقابلة مع قناة إخبارية روسية الشهر الماضي، إنّه كان على الجيش الروسي نشر طائرات بدون طيار في مناطق القتال بفعّالية أكبر، “وإنّنا تأخّرنا في التعامل جدّيّاً مع هذا النوع من الطائرات”.

 لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

إقرأ أيضاً

فريدمان: إيران أخطأت.. وعلى إسرائيل ألا تحذو حذوها!

حذّر المحلل والكاتب السياسي الأميركي توماس فريدمان من “الانبهار بالطريقة التي أسقطت بها الجيوش الإسرائيلية والأميركية وغيرها من جيوش الحلفاء كل الطائرات الإيرانية بدون طيار…

إيكونوميست: إسرائيل وحيدة وضعيفة.. ومعركة غزة بداية الصراع على مستقبلها

في عدد خصّصته للحرب الإسرائيلية على غزة بعنوان “إسرائيل وحيدة”، ووضعت فيه صورةً لعلم إسرائيلي يتعرّض لرياح شديدة على غلافها، وصفت مجلّة إيكونوميست البريطانية الوضع…

ريتشارد هاس: مستقبل إسرائيل في السلام… لا الحرب

“لم يكن لإسرائيل الحقّ في الردّ على هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) فحسب. بل كان من الضروري لها أيضاً إظهار أنّ حماس ستدفع ثمناً باهظاً…

مركز أبحاث أميركيّ: خطة إيران “الكبرى” المقبلة… إسقاط نظام الأردن

“إسقاط النظام في الأردن الآن، ومهاجمة إسرائيل من الشرق بينما تظلّ الأخيرة مشغولة بقوات المقاومة المدعومة من إيران في لبنان وسوريا وغزة، إفشال المشروع السعودي…