عميل الإمارات الأوّل اسمه: محمّد بن زايد!

لماذا اختار الشيخ محمد بن زايد أن تكون فرنسا هي محطّته الأولى في أول زيارة رئاسية له؟

ليس الاختيار مصادفة، لكنّه مقصود خاصة بعد لقائه الشخصي مع الرئيس الأميركي جو بايدن في جُدّة. يبدو رئيس دولة الإمارات وكأنّه يريد أن يقول للجميع إنّ “علاقة الإمارات بواشنطن أساسية، لكنّها ليست علاقة حصرية ترهن أبوظبي بموجبها قرارها وأمنها القومي واقتصادها لدى الولايات المتحدة، بل هي علاقة مصالح تؤمن بضرورة إقامة علاقات مصالح مع قوى دولية أخرى بشكل متساوٍ يعبّر عن استقلال القرار الوطني لدولة الإمارات”.

تلعب فرنسا تاريخياً دوراً متميّزاً، ولها مكانة خاصّة لدى دولة الإمارات. ففرنسا هي صاحبة أهمّ وجود عسكري في الإمارات. وهي أهمّ بائع لسلاح الطيران وقطع البحرية ومنظّم دورات تدريب ومناورات مشتركة للجيش الإماراتي.

أعطت فرنسا “درّة تاجها الثقافي”، وهي متحف “اللوفر” العظيم، وقدّمت أهمّ قطع منه إلى فرع “اللوفر” في أبوظبي، باتفاق غير مسبوق تمّ تمديده عشر سنوات جديدة.

فرنسا من أهمّ الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، وتتعاون معها أكثر من 120 شركة عملاقة من البلدين.

كان رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من أكثر هؤلاء الحكّام ذمّاً  لهذا السلوك الأميركي

في “زيارة الدولة “الأخيرة لفرنسا تمّ توقيع حزمة اتفاقات، أهمّها اتفاق يؤدّي إلى توفير كلّ احتياجات فرنسا من الطاقة.

وفي هذا المجال صرّح الشيخ محمد بن زايد: “نحن تعهّدنا بتوفير الطاقة للعالم، لكنّنا اليوم نتعهّد، على وجه الخصوص، بتوفير طاقة فرنسا”.

اعتُبرت هذه رسالة طمأنة دعمت مكانة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بداية رئاسته الثانية.

العلاقة الشخصية بين ماكرون و”أبي خالد” قديمة منذ أن كان ماكرون وزيراً بارزاً في الحكومة الفرنسية مسؤولاً عن ملف المال والاقتصاد والاستثمارات الخارجية.

يفهم أحدهما الآخر جيّداً ويقيمان “شبكة مصالح وطنية تقوم على خدمة المصالح المشتركة بين البلدين”، هكذا وصفها دبلوماسي أوروبي تابع باهتمام ملفّ العلاقات الفرنسية-الإماراتية.

بذكاء شديد طرق أبو خالد الحديد وهو حامٍ إثر خيبة الأمل الفرنسية من الحليف الأميركي عندما تآمر بايدن مع البريطاني جونسون على اختطاف صفقة الغوّاصات الأسترالية من فرنسا.

من هنا كانت زيارة أبي خالد لباريس ذات توقيت بالغ الدقّة والذكاء، إذ أتمّ وضع مبادئ أكبر صفقة طائرات “رافال” مع الحكومة الفرنسية.

جاءت الصفقة بعد خيبة الأمل الفرنسية من واشنطن ولندن، وبعد تلكّؤ إدارة بايدن في إتمام صفقة “إف 35” مع الإمارات.

 

شكرا واشنطن.. انتهى الرصيد

لم تستأذن الإمارات أحداً وقامت بإتمام الصفقة مع فرنسا وأبلغت جيك سوليفان عند زيارة أبوظبي: “شكراً لم نعد بحاجة إلى طائراتكم”، أو بلغة أخرى: “لقد انتهى رصيدكم لدينا في مجال هذه الصفقة”، فالعالم سوق مفتوح لأيّ سلعة أو سلاح استراتيجي، والجميع على استعداد للبيع ما دام لديك السعر المناسب.

تدرك الإمارات، كما يفكّر رئيس دولة الإمارات، حجمها الحقيقي في المنطقة والعالم.

تدرك أنّها قويّة بحجم إنتاجها النفطي وصندوقها السيادي (أحد أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم)، ومكانتها في الأبحاث والسياحة وحركة المصارف والتجارة.

لكن على الرغم من إدراكها لهذه القوّة، فهي لا تتجاوز حدود هذه القوّة، ولا تقوم بأدوار أكبر من قدرتها أو مكانتها، ولا تسعى إلى اتّخاذ مواقف عنتريّة أو سياسات استفزازية تفتح عليها صراعات لا معنى لها.

قال لي أستاذنا العملاق الراحل نجيب محفوظ: “بعض حكّام هذا العصر عملاء لقوى أجنبية، لكن أفضل العمالة أن تكون عميلاً كاملاً لشعبك وخادماً لمصالحه”.

ما زال العقل السياسي الأميركي يتعامل مع كثير من النخب السياسية في العالم الثالث على أنّهم “تابعون أو عملاء بالأجر أو مرتهنون لحماية الاستخبارات الأميركية أو منزوعو السيادة الوطنية لأنّهم يراهنون على ما يعتقدون أنّه قوة التثبيت الأميركية للحكم والحاكم”.

إنّ الفهم الأميركي المغلوط المبنيّ على تراث من “علاقة تحريك خيوط الدمى السياسية في العالم”، أصبح الآن في مهبّ الريح بعدما ظهرت قيادات جديدة شابّة تعمل وفق قواعد نظام جديد متقلّب يعيش حالة تشكّل لم تنتهِ بعد إلى نشوء قواعد ومراكز قوى نهائية.

في عالمنا العربي من يحكمون في القاهرة وأبوظبي والرياض ليسوا على استعداد للتضحية بأيّ مكانة سياسية أو تقديم قرابين سياسية أو اقتصادية أو أمنيّة تمسّ السيادة الوطنية أو المصالح الأساسية لشعوبهم.

يعمل هؤلاء الحكّام لدى شعوبهم وليس لدى البيت الأبيض.

يؤمن هؤلاء بأهميّة العلاقات الخاصّة مع واشنطن، لكنّهم ليسوا على استعداد لدفع فاتورة باهظة الثمن من أجل خدمات مجّانية للرئيس الأميركي، سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً.

العلاقة مع واشنطن شديدة الأهميّة بالنسبة إلى هؤلاء الحكّام، لكنّها ليست الأهمّ بالنسبة إليهم.

 

واشنطن ليست صديقة

أهمّ دروس الربيع العربي أنّ واشنطن ليست قوّة صديقة، خاصة إذا كانت تتبع فلسفة وأيديولوجية الحزب الديمقراطي الذي على استعداد لبيع أيّ حليف تاريخي له تحت دعاوى كاذبة من مثل “الحفاظ على الديمقراطية ودعم مبادئ الحرّيات العامّة وحقوق الإنسان”.

من أهمّ دروس الربيع العربي أنّ الرأي العام الداخلي هو عنصر تثبيت أو إقصاء الحكم والحاكم، وليس أيّ قوى خارجية حتى لو كانت الولايات المتحدة الأميركية.

كان رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من أكثر هؤلاء الحكّام ذمّاً  لهذا السلوك الأميركي.

باختصار حكمة سياسة الإمارات: “إدراك عناصر القوّة واستخدامها استخداماً أمثل مع مراعاة عدم تجاوز حدود القوّة كيلا تدخل البلاد في مغامرات أو صراعات”.

إقرأ أيضاً: لماذا تكلّم محمّد بن زايد؟

يتمّ كلّ ذلك من منظور “عروبي إنساني معتدل” يقوم على تصفير المشاكل والتركيز بقوّة على شبكة مصالح صلبة في منطقة صراعات فقدت الأمن والأمان.

باختصار شديد، محمد بن زايد هو خادم حصريّ لمصالح وطنية وحيدة، وهي مصالح بلاده، ولا عاصمة لها أولويّة في العالم سوى عاصمة بلاده.

إقرأ أيضاً

هل يسير لبنان على خطى غزّة.. نحو التدمير الكامل؟

لا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو أيّ إدارة يمكن أن تخلفها، ولا أيّ حكومة إسرائيلية، بقي رئيسها بنيامين نتنياهو أو رحل، يمكن أن تقبل…

الانتخابات التركيّة: معركة إردوغان – إربكان أيضاً؟

إلى أين ستتّجه أنظار الناخب التركي مساء الأحد المقبل، وهو يتابع نتائج الانتخابات التركيّة المحلّية عبر الشاشات؟ نحو أرقام وحصّة حزب “الرفاه من جديد” الذي…

الجماعة الإسلاميّة: أوقفوا المخالفة الشرعيّة

مثَلُ الأمين العامّ للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقّوش كمثل عبد الله بن مرثد الثقفيّ. الذي عمد إلى قطع حبال الجسر بسيفه في موقعة الجسر بين…

هجوم موسكو: بوتين فاز بـ11 أيلول روسي

ربّما المجزرة، التي نُفّذت في مجمع “كروكوس سيتي هول” الموسكوفي، هي الجرح الأكبر الذي يصيب فلاديمير بوتين منذ جلوسه في الكرملين سيّداً مطلقاً لروسيا. لكنّ…