ملاكمة ميقاتي – باسيل: نجيب يتقدّم بالنقاط

يمكن القول إنّ يوم الأربعاء شهد حدثين سجّلا رقمين قياسيَّين في تاريخ تأليف الحكومات في لبنان. تجلّى الحدث الأوّل في سرعة تقديم رئيس الحكومة المكلّف أولى مسوّداته الحكومية إلى رئيس الجمهورية.

أمّا الحدث الثاني فتجلّى في سرعة تسريب المسوّدة، في خطوة غير “لائقة” على حدّ وصف أحد المسؤولين، بعدما ضجّت ساعات النهار بتسريبات من هنا وهناك عن تفاصيل المسوّدة، والأسماء التي طارت وتلك التي حطّت من باب ترقيع حكومة تصريف الأعمال، فأقفل اليوم الأوّل للتأليف على خبر تسريب صورة المسوّدة بنسختها الأصلية، مُعيدةً التذكير بما حصل مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حين حمل إليه درّاج من قوى الأمن الداخلي مغلّفاً يتضمّن “هيكلية” مسوّدة تشكيلة مطلوب منه ملء خاناتها الوزارية. يومذاك تحوّلت أيضاً صورة المسوّدة إلى مادّة إعلامية تناقلتها هواتف اللبنانيين على مدار الساعة.

هكذا تبادل الفريقان، أي العونيّ والميقاتيّ، الاتّهامات بتسريب المسوّدة، مع العلم أنّ المقرّبين من رئيس الحكومة المكلّف يجزمون أنّ الأخير كتبها بيده فيما كان في منزله ولم يُطلِع عليها أيّاً من المحيطين به، وقد حملها إلى قصر بعبدا من دون ترك نسخة منها عنده، وهو ما ينفي عن فريقه تهمة التسريب لأنّها نسخة وحيدة تُركت في مكاتب بعبدا. وهذا يعني أنّ الفريق الرئاسي قرّر التعامل مع التشكيلة على قاعدة “ردّها مع الشكر”، لكن عبر الإعلام أوّلاً.

يرجّح أن لا يستعجل ميقاتي في تحديد موعد الجولة الثانية، كما يقول المطّلعون على موقفه

في الواقع، تقود المسوّدة الأولى إلى تسجيل الملاحظات الآتية:

– لم يساير ميقاتي في تعديلاته المقترَحة إلّا فريقين، أوّلهما نواب الشمال أو ما يُسمّى بـ”تكتّل الاعتدال الوطني” الذي جاهر صراحة بمطلب التوزير فكان له سجيع عطية ضمن المسوّدة الأولى، حيث حاول ميقاتي ضرب عصفورين بحجر واحد، أوّلاً إرضاء هذا “التكتّل”، وثانياً ضمّ وزير مسيحي إلى حصّته مع العلم أنّ التكتّل رفض توزير عطيه وأبلغوا ميقاتي أنّهم يريدون وزيراً سنيًّا وأنّه وعدهم بالنظر في الأمر في حال توفّر أسماء مناسبة لحقائب السّنة. أمّا الفريق الثاني فهو اللقاء الديمقراطي من خلال تسمية وزير مقرّب من وليد جنبلاط، أو بالحدّ الأدنى لا يستفزّه، ويكون بذلك قد نزع أيضاً وزيراً من حصّة “تكتّل لبنان القوي”. المفارقة التي تُضاف هنا أنّه في حال رأت الحكومة النور، فهي ستضمّ فعليّاً صاحب مصرف (وليد عساف)، وصهره، أحد مديري المصرف نفسه (عباس الحلبي)، في خطوة غير معهودة.

– حصر ميقاتي أهدافه من التعديلات المقترَحة باثنين: المحاولة من جديد لانتزاع وزارة الطاقة من “التيار الوطني الحر”، وهو سبق له أن قام بمثل هذه المحاولات مع بدايات محاولات تأليف الحكومة الأخيرة، وإخراج أمين سلام من الجنّة الحكومية، وهو أيضاً من حصّة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.

– لم يأخذ ميقاتي في الاعتبار مطلب “التيار الوطني الحر” الأساسي، وهو تطعيم الحكومة بوجوه سياسية تمثّله على نحو مباشر، تحت عنوان أنّ التمثيل في الحكومة الأخيرة كان “بسمنة وبزيت”، ولذا طالب العونيون بمعاملتهم بالمثل، حتى لو أنّهم رفعوا شعار عدم المشاركة في الحكومة.

 

جولة الملاكمة الأولى

في الخلاصة خاض الفريقان العوني والميقاتي أولى جولات الملاكمة الحكومية، فيما يرجّح أن لا يستعجل ميقاتي في تحديد موعد الجولة الثانية، كما يقول المطّلعون على موقفه. ويتردّد أنّ رئيس الحكومة المكلّف جهّز ثلاث مسوّدات، لكنّه لن يسارع إلى تقديم نسخة جديدة، انطلاقاً من قناعته بأنّه متقدّم على جبران باسيل في النقاط. إذ لا يجد ميقاتي ضرراً في الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال لكي تكون “حكومة رؤساء الجمهورية” في حال تسلّل الشغور إلى قصر بعبدا، ولا يجد ضرورة في تقديم أيّ تنازل أمام باسيل، بل هو مقتنع أنّ الأخير صاحب المصلحة في تقديم التنازلات. ولهذا مهّد مسبقاً لإمكانية الدعوة إلى عقد جلسة لحكومة تصريف أعمال، موحياً أنّ في جيبه “بطاقة ذهبية” لن يتوانى عن استخدامها إذا دعت الحاجة، حتى لو خالف بذلك كلّ مَن سبقوه إلى رئاسة الحكومة.

مشكلة ميقاتي الوحيدة مع حكومة تصريف الأعمال هي في وزارة الطاقة بعدما قرّر الوزير الالتزام بأجندة باسيل، وقد حال تضارب الآراء، أو بالأحرى معمل سلعاتا، دون تحقيق أيّ خرق في هذا الملف. ومن المرجّح أن يعجز ميقاتي عن كسر هذا الستاتيكو إذا بقيت حكومة تصريف الأعمال واستمرّ وليد فياض على رأس وزارة الطاقة.

إقرأ أيضاً: حكومة ميقاتي: “تفعيل” لا تأليف!

في مطلق الأحوال، ستُترك “الحدفة” الأخيرة للأيام الأخيرة التي تفصل عن الاستحقاق الرئاسي. فإمّا يتقدّم الأخير ويختار النواب رئيساً جديداً، فيعود المسار الحكومي إلى المربّع الأوّل، وإمّا يجد ميقاتي وباسيل خطّاً وسطيّاً يسمح بولادة حكومة الشغور الرئاسي. وإلى ذلك الوقت، سيظلّان على حلبة الملاكمة يتبادلان التسديدات.

إقرأ أيضاً

لبنان أمام خيارين: الحرب.. أو جنوب الليطاني “معزول السلاح”

ستّة عشر شهيداً سقطوا في أقلّ من أربع وعشرين ساعة في جنوب لبنان. هي الحصيلة الأكثر دموية منذ بداية الحرب. ليس هذا الخبر سوى مؤشّر…

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…