عيب!

حكمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يوم الخميس، غيابيّاً، على عضوين في حزب الله الإرهابيّ، وهما حسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي، بالسجن المؤبّد مدى الحياة بعد إدانتهما باغتيال الشهيد رفيق الحريري.

قالت رئيسة المحكمة إيفانا هردليكوفا إنّ “غرفة الاستئناف قرّرت بالإجماع الحكم على مرعي وعنيسي بالسجن المؤبّد”، وأضافت أنّ الرجلين كانا “يدركان تماماً أنّ الاعتداء المخطَّط له وسط بيروت سيقتل رفيق الحريري وآخرين”.

وأكّدت أنّ الإرهابيَّين تصرّفا مع سبق الإصرار، وتمّت إدانتهما بجرائم “شديدة الخطورة” و”شنيعة تماماً أدّت إلى إغراق الشعب اللبناني في حالة من الرعب”. وهذا هو الحاصل حتى الآن في لبنان.

صحيح أنّ هذا ليس الحكم الأوّل على حزب الله في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري. ونعم يعرف الجميع أنّ الحزب هو مَن قتل الحريري

على إثر هذا الحكم لم نرَ تغطيات إعلامية مكثّفة، عربيّاً، تذكّر الرأي العامّ العربي بأنّ حزب الله إرهابيّ، وأنّه هو قاتل الشهيد رفيق الحريري، وهو، أي الحزب، الذي اختطف لبنان إلى المجهول، وضرب سلمه الأهليّ ضربةً لا تزال عواقبها الوخيمة ماثلة للعيان.

لم نسمع، ولم نرَ، سلسلة إدانات غربية، وحتى عربية، وكلّ ما رأيناه هو بيان صادر عن السعودية فقط، حتى كتابة هذا المقال. يُقال إنّ هناك بياناً أميركياً، وقد حاولت جاهداً البحث عنه، لكن لم أجده.

لم نسمع أصوات مدّعي حقوق الإنسان في منطقتنا، وأقول مدّعين لأنّهم إمّا ثلّة “إسلاميّين” يتلبّسون بلباس حقوق الإنسان، كحال الإخوان المسلمين، أو بقايا قوميّين عرب آخر همّهم الأمن العربي أو قيادات التغيير العربية الحقيقية مثل رفيق الحريري رحمه الله.

لم نسمع أيضاً أصوات مدّعي حقوق الإنسان في الغرب، ولا سُذّج اليسار هناك، ولم نرَ تظاهرات تطالب بإنقاذ لبنان من الحزب الإرهابي، ولا مطالبات بالاقتصاص من إرهابيّي الحزب الذين قتلوا رفيق الحريري.

لم نسمع كلاماً من الفرنسيّين الذين يرون حزب الله الإرهابي مكوِّناً لبنانيّاً، ولا من الأوروبيّين الذين يتحرّكون لأتفه الأمور، بينما يصمتون ويتقاعسون عن المطالبة بالاقتصاص من حزب الله الإرهابي الذي اغتال رجلاً كان يواجه السلاح الإيراني بالبناء والتعليم.

صحيح أنّ هذا ليس الحكم الأوّل على حزب الله في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري. ونعم يعرف الجميع أنّ الحزب هو مَن قتل الحريري، ولم يفعلها الحزب وحيداً، بل بدعم من رعاته في طهران ودمشق.

ونعم ليست جرائم حزب الله بالسرّ، لكنّ الصمت حيالها والتعامل معها كخبر عابر هما أمر معيب، ودليل على عدم صدقيّة مدّعي حقوق الإنسان بمنطقتنا والغرب، ودليل على عدم الاكتراث بدم رجل عمّر وأفنى عمره من أجل استقرار بلاده والمنطقة.

هذا الصمت المعيب هو بمنزلة الضوء الأخضر لطهران ودمشق وأعوانهما، وأبرزهم حزب الله في لبنان وآخرون في العراق، لمواصلة اغتيال رجال الدولة، وكلّ مَن يطالب باستقلال الدولة، والحفاظ على هيبتها، أيّاً كانت هذه الدولة.

إقرأ أيضاً: الحوار المعطّل

هذا الصمت المعيب دليل على انتقائيّة مفضوحة في التعامل مع ملفّات المنطقة من قبل مدّعي حقوق الإنسان، وجلّ الإعلام الغربي، ووكالات الأنباء الغربية التي تقوم ببثّ خبر محكمة رفيق الحريري وكأنّه خبر قطع إشارة، وليس جريمة فادحة.

لذلك نقول لكلّ هؤلاء: “عيب، إذا كنتم تعرفون العيب أصلاً”.

 

إقرأ أيضاً

نهائيّ البطولة بين الحزب ودمشق

لم يُخفِ آموس هوكستين نبرته المتهكّمة وهو يتبادل أطراف الحديث مع أحد الذين التقوه قبل فترة. فالرجل بات يعرف لبنان بخرائطه وأرضه أكثر منّا. والأهمّ…

الورقة الفرنسيّة لرفع العتب.. والحزب ينتظر جثّتين

“هي الفرصة الأخيرة بالشكل، لكن في المضمون يدرك الفرنسيون أنّها لن تنجح، لكنّهم يرفعون العتب عنهم، على قاعدة “اللهمّ قد بلغت”. بهذه الكلمات تصف شخصية…

غزّة والأرمن: السفاحون من قبيلة واحدة.. كذلك الضحايا

“رسالة عاجلة من أرض قمعستان: قمعستان… تلك التي تمتدّ من شواطىء القهر إلى شواطىء القتل إلى شواطىء السحل إلى شواطىء الأحزان ملوكها يقرفصون فوق رقبة…

الدولة الوطنية (1/2): كيانات بوجه التطرّف الديني وفلسطين

عند كلّ مفصل تاريخي، تتكشّف هشاشة “الدولة” في البلدان العربية. كلّ أفكار الدولة وتعريفاتها السياسية لم تنجح. الطارىء المستجدّ على فكرة الدولة، خصوصاً على مستوى…