سوريا: موسكو تخوّف أميركا وإسرائيل.. بميليشيات إيران

تحت جنح الظلام، تسلّلت ثلاث مجموعات عسكرية ترتدي ملابس الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري وترفع شعارات عسكر الأسد، إلى مستودعات مهين في ريف حمص الشرقي بوسط سوريا.

تُعدّ هذه المستودعات ثاني أكبر مستودعات السلاح في البلاد، وكانت حتى الخامس من نيسان الماضي أكبر قاعدة عسكرية روسيّة بوسط سوريا.

في تلك الليلة، وبعد نحو أربع ساعات من انسحاب القوات الروسية باتجاه القاعدة العسكرية الكبرى في البلاد “قاعدة حميميم الجويّة”، كانت المجموعات المتسلّلة قد تمركزت بشكل كامل ونقلت جميع العناصر والعتاد والتجهيزات إلى القاعدة العسكرية وهيمنت على المستودعات العسكرية بشكل كامل.

يؤكّد الصحافي والخبير في الشأن الإيراني أيمن محمد، في حديث لـ”أساس”، أنّ روسيا تلوّح دائماً بعصا الميليشيات الإيرانية من أجل تحقيق مكاسب جديدة

إلا أنّه في صبيحة اليوم التالي، في السادس من نيسان، تكشّفت هويّة المسلّحين الذين دخلوا تلك المستودعات، إذ كانوا ينتمون إلى مجموعات تابعة لــ”الحرس الثوري” الإيراني، بالإضافة إلى عناصر من حزب الله اللبناني الذين كانت تقلّهم شاحنات أخرى، والميليشيات الإيرانية التي دخلت في عدد من العربات المصفّحة والآليات العسكرية.

يكشف محمد أميني، وهو ضابط سوري منشقّ يعمل على رصد التحرّكات العسكرية الإيرانية في سوريا، في حديث لـ”أساس”، أنّ إيران دفعت بهذه المجموعات بهدف التوسّع والانتشار أكثر داخل الأراضي السورية، لِما يخدم مصالحها ويعطيها مرونة أفضل للحركة بين العراق ولبنان عبر سوريا، وبالتنسيق مع روسيا.

ويضيف: “رصدنا من خلال عمليات التنصّت على أجهزة الاتصال هويّة المجموعات الإيرانية، على الرغم من أنّهم دخلوا بلباس قوات النظام السوري. إذ يبدو أنّهم يريدون الاحتماء من الاستهداف المباشر بالضربات الجويّة”.

هذه النقطة هي واحدة من عشرات النقاط التي وضعت روسيا اليد عليها منذ 30 من أيلول 2015، حين بدأت تدخّلها العسكري في سوريا رسمياً، وسمحت للنظام الأسدي بالسيطرة على مركز مدينة حلب والمناطق الشرقية منها، والغوطة الشرقية وحمص ودرعا وعدّة مناطق أخرى.

 

معارك أوكرانيا

منذ نيسان الماضي، تصاعد الحديث عن خفض روسيا عديد قواتها العسكرية في سوريا، لتعزيز جبهتها القتالية في أوكرانيا، بالتزامن مع بطء التقدّم على الجبهة التي فتحتها موسكو ضدّ أوكرانيا منذ 24 من شباط الماضي.

مع هذا التحرّك الروسي، بدأت الميليشيات الإيرانية التنسيق مع النظام السوري لإعادة تموضع قواتها تحسّباً لأيّ فراغ يمكن أن يحدث نتيجة اضطرار روسيا إلى سحب جزء من قواتها في سوريا لدعم جبهة القتال في أوكرانيا.

يؤكّد الصحافي والخبير في الشأن الإيراني أيمن محمد، في حديث لـ”أساس”، أنّ روسيا تلوّح دائماً بعصا الميليشيات الإيرانية من أجل تحقيق مكاسب جديدة. فيما إيران، عبر ميليشيا الحرس الثوري وحزب الله اللبناني وباقي الميليشيات الإيرانية، تنشط في حالة الفوضى، وتسعى إلى مدّ نفوذها أكثر. وأنّ هذا سلوك مألوف لأتباع إيران في سوريا.

حديث الصورة: تتّخذ القوات الروسية من مطار حميميم في الساحل السوري قاعدة عسكرية رئيسة لها في سوريا، وفق اتّفاق عُقِد مع النظام السوري في آب 2015 لأجل غير مسمّى.

 

خلطٌ للأوراق

لطالما وقفت إيران في الفترة الأخيرة إلى جانب موسكو سياسيّاً، وخاصة ضدّ عقوبات واسعة فرضتها دول مختلفة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا. وقد طالبت روسيا بضمانات، كشرط لتسهيل توقيع الاتفاق النووي، أبرزها عدم إجبار إيران على الانضمام إلى “جيش” المشاركين في العقوبات عليها.

تعتقد الخبيرة في الشأن السوري هلا الناصر، أنّ هدف روسيا هو الحصول على مكاسب سياسية من التوسّع الإيراني، خاصة أنّ هناك تنسيقاً وتفاهماً بين القوات الروسية والإيرانية في سوريا، وتحديداً عندما كانت روسيا الضامن الأساسي لإبعاد الميليشيات الإيرانية عن جنوب سوريا. وذلك لحماية إسرائيل من “رغبة” إيران في فتح “جبهة” الجولان والبدء بتنفيذ عمليات عسكرية ضدّ إسرائيل، كما كان الحال في جنوب لبنان. واستمرّ هذا الضمان إلى أن بدأت إسرائيل “تفترق” عن موسكو في الملفّ الأوكراني.

لكن هل هناك احتمال أن يكون خفض القوات وفتح المجال للجانب الإيراني رسالة من موسكو لواشنطن لتخفيف العقوبات على روسيا مقابل ضبط الميليشيات الإيرانية في سوريا؟

 

“لا” انسحاب روسياً

يجيب الخبير العسكري، جهاد هرموش، في حديث لـ”أساس”، أنّ وجود القوات الروسية في سوريا دائم، ولن يكون هناك انسحاب، وخاصة من قاعدة حميميم. إلا أنّ تقليص القوات هدفه خلط الأوراق، وتحقيق مكاسب سياسية لروسيا، وفي الوقت نفسه فإنّ الميليشيات الإيرانية جاهزة لمزيد من التوسّع في البلاد التي دمّرتها بمساعدة عسكر النظام السوري.

استفادت إيران خلال الأسابيع الماضية من الظرف العسكري الذي تعيشه موسكو، فأرسلت تعزيزات عسكرية لميليشيا الحرس الثوري الإيراني إلى مطار دير الزور قاعدة الروس العسكرية شرقي سوريا. وضمّت تلك التعزيزات أكثر من 40 شاحنة مغطاة اللوحات، وعناصر من الميليشيات التابعة للحرس الثوري، وفق ما نقلته شبكات محلّية.

ويقول شهود عيان لـ”أساس” إنّ الميليشيات الإيرانية دخلت بلباس قوات النظام السوري إلى مدينة أزرع جنوب سوريا بعدما انسحبت القوات الروسية من المنطقة.

ويعتبر هرموش أنّ استيلاء الميليشيات الإيرانية على مواقع يديرها الروس بات مكشوفاً.

 

تنافس أم مصالح؟

أعاد الحديث عن الانسحاب الروسي والهيمنة الإيرانية إلى الواجهة مجدّداً السؤال عن طبيعة الدوريْن الإيراني والروسي في سوريا، وهل من تضارب بين المشروعين أم أنّ العلاقة بينهما هي علاقة تبادل مصالح؟

باتت هذه المصالح واضحة، وخاصة في الملف السوري، حيث اشتركت الدولتان في منع سقوط النظام السوري، ودعمتاه عسكريّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً بحسب الخبير في الشأن الإيراني أيمن محمد الذي يضيف: “تنظر كلّ من طهران وموسكو إلى الغرب على أنّه عدوّ مشترك. وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا وفرض العقوبات على موسكو بشكل أدقّ، يبدو أنّ العداء المشترك للولايات المتحدة الأميركية هو أهمّ عوامل إعادة تحريك ملفّ الميليشيات الإيرانية في سوريا وإظهارها للعلن”.

إقرأ أيضاً: “المرتزقة” السوريون في أوكرانيا: شحن 300 مقاتل يومياً

يُضاف إلى كلّ ما سبق أنّ إيران تجد في ضعف نظام الأسد فرصة لتعزيز هيمنتها الفعليّة على الأراضي السورية، في حين أنّ روسيا ستعمل على التفاوض مع الغرب لتخفيف العقوبات المفروضة عليها من أميركا والدول الغربية مقابل لجم التوسّع الإيراني في سوريا… خصوصاً على حدود الجولان!

إقرأ أيضاً

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…

هل يُسلّم البيطار ملفّه لمدّعي عام التمييز؟

من موقعه القضائي كرئيس لمحكمة التمييز الجزائية كان القاضي جمال الحجّار يتابع مراحل التحقيقات في انفجار المرفأ. وكانت لديه مقاربته القانونية-الشخصية للتعقيدات التي كبّلت الملفّ…