إسرائيل وعمر الـ74: هل تلحقها “لعنة الـ80″؟

2022-05-28

إسرائيل وعمر الـ74: هل تلحقها “لعنة الـ80″؟

مدة القراءة 6 د.

“في العقد الثامن من حياتها لم تعد طفلة ويلزم حساب نفس ولو بفعل موقع “العقد الثامن” في حياتنا وفي حياة الأمم عموماً”.

هذا ما جاء في مقدّمة مقال كتبه رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، لمناسبة ما تسمّيه إسرائيل “اليوبيل الفضّي” الـ75 لاستقلالها، أي 75 سنة على نكبة الشعب الفلسطيني. أوضح باراك أنّه “على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفكّكها في العقد الثامن”. وأضاف قائلاً إنّ تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة، وهي الآن في عقدها الثامن، وإنّه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها، منبّهاً إلى أنّ “إسرائيل أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي”.

في سنة 1905 نشر نجيب عازوري كتابه “نهضة الأمة العربية” محدِّداً أنّ الصراع في المنطقة هو صراع معادلة صفرية (zero-sum game) بين الحركة القومية العربية والمشروع الصهيوني، وبعده بحوالي ثلاثين عاماً نشر جورج أنطونيوس كتابه الشهير “يقظة العرب” حدّد فيه أنّ العرب كانوا ضحيّة الخدعة الكبرى التي قامت بها بريطانيا، وأنّ بريطانيا وفرنسا كانتا وراء التقسيم الذي تجسّد في اتفاقية سايكس-بيكو 1916.

بدأ الصراع مع الحركة الصهيونية في فلسطين عندما أدرك الفلسطينيون عام 1886 أنّ اليهود الذين قدموا إلى فلسطين ضمن ما سُمّي الهجرة اليهودية الأولى عام 1882 قد جاؤوا لأهداف سياسية

جورج أنطونيوس المفكّر والمؤرّخ والموظّف العام اللبناني من دير القمر، الذي خدم في دائرة المعارف في فلسطين في ظلّ البريطانيين، والمتوفّى عام 1942، قبل تأسيس إسرائيل، وصاحب الشعار الخالد المكتوب على قبره: “تنبَّهوا واستفيقوا أيّها العربُ”. قال في كتابه إنّ “طرد اليهود من ألمانيا لا يُعالَج بطرد العرب من موطنهم، كما أنّ تخفيف مُصاب اليهود لا يتمّ بفرض مصاب مماثل على شعبٍ بريءٍ ومسالمٍ، فلسطين لا تتّسع لشعبٍ ثانٍ إلا بترحيل الشعب المالك، أو إفنائه”.

وسواء كانت “فكرة” المشروع الصهيوني قد بدأت بالتبلور الفعليّ نتيجة تنامي الحركات القومية في أوروبا، والرغبة في التخلّص من “العبء اليهودي” على مجتمعات أوروبا، الذي اصطُلح على تسميته “حلّ المسألة اليهودية” أو فبرك الغرب نفسه مثل هذا “الحلّ” واحتضن الزعماء اليهود آنذاك وشجّع طموحاتهم عبر دعم قيام كيان سياسي لهؤلاء اليهود، بحيث يكون هذا الكيان قاعدة للغرب يستند إليها لتحقيق مصالحه الاستعمارية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، فقد تمّ إخراج هذا المشروع إلى حيّز الوجود، وقد شكّل الماضي التاريخي لليهود في فلسطين نقطة قوّة لهذا المشروع، وغطاءً فكرياً وثقافياً ودينياً.

غير أنّ الكاتب الإسرائيلي آري شبيت أكّد أنّ “الإسرائيليين” منذ أن جاؤوا إلى فلسطين يدركون أنّهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كلّ المكر في الشخصية اليهودية عبر التاريخ. ومن خلال استغلال ما سُمّي المحرقة على يد هتلر أو “الهولوكوست” وتضخيمها، استطاعت الحركة أن تُقنع العالم بأنّ فلسطين هي “أرض الميعاد”، وأنّ الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحوّل الذئب إلى حمَل يرضع من أموال دافعي الضرائب الأميركيين والأوروبيين، حتى بات وحشاً نوويّاً.

في إسرائيل أصواتاً تطالب بالاعتراف بـ”ذاكرة الأقليّة”، في يوم الاستقلال، لأنّ أكثر من 20 في المئة من مواطني إسرائيل العرب يعتبر هذا اليوم يوم نكبة ويوم حداد

واستنجد الكاتب بعلماء الآثار الغربيين واليهود، ومن أشهرهم إسرائيل فلنتشتاين من جامعة تل أبيب، الذي أكّد أنّ “الهيكل أيضاً كذبة وقصة خرافية ليس لها وجود”. وخلص آري شبيت إلى أنّ لعنة الكذب هي التي تلاحق “الإسرائيليين”، ويوماً بعد يوم تصفعهم على وجوههم بشكل سكّين بيد مقدسيّ وخليليّ ونابلسيّ، أو بحجر أو سائق حافلة من يافا وحيفا وعكّا.

وكما هو معروف، كانت الأرض هي المدخل والمخرج لكلّ الصيغ التي بُني عليها جوهر المشروع الصهيوني. لقد شكَّلت مقولة “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض” مصدر إلهام للقادة الصهاينة وتكرّست في مقدّمة “إعلان قيام دولة إسرائيل” في 14 أيار 1948. وشبّه ديفيد بن غوريون المعارك والمذابح الجماعية التي نفّذتها عصابات الهاغانا والبالماح ضدّ الفلسطينيين بتلك المعارك والمذابح التي “شنّها المستوطنون الأوروبيون البيض ضدّ الهنود الأكثر وحشيّة”.

في الأصل بدأ الصراع مع الحركة الصهيونية في فلسطين عندما أدرك الفلسطينيون عام 1886 أنّ اليهود الذين قدموا إلى فلسطين ضمن ما سُمّي الهجرة اليهودية الأولى عام 1882 قد جاؤوا لأهداف سياسية، وأمّا قبل ذلك فكانت فلسطين تستقبل اليهود القادمين إليها بدواعٍ دينية أو إنسانية بكلّ ترحاب. وعندما تحوّلت الهجرة إلى سياسة استيطانية هدفها إقامة دولة يهودية، تصدّى لها الفلسطينيون بالمقاومة وبأشكال مختلفة، وما زالوا يتصدّون للاستيطان باعتباره استعماراً كولونياليّاً قائماً على الأبارتهايد، ومدعوماً بأعلى سلطات قضائية في إسرائيل.

في هذا الإطار، كتبت “هآرتس” أنّه في يوم “الاستقلال” بالذات، تثبت محكمة “العدل العليا مرّة أخرى أن لا مثيل لها في أن تكون ختم ومغسلة مظالم الاحتلال، فقد سمحت محكمة العدل العليا بأن يُطرَد نحو ألف فلسطيني من مسافر يطا في جنوب جبل الخليل في الضفّة الغربية من بيوتهم، وذلك من أجل إجراء تدريبات الجيش الإسرائيلي. ومعنى القرار هو هدم ثماني قرى فلسطينية يعيش سكّانها في هذه المنطقة منذ أجيال عديدة”.

لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، فإسرائيل ترفض حلّ الدولتين، وترفض التفاوض مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبناءً عليه أصبح النزاع مفتوحاً وغير محدّد بمنطقة جغرافية معيّنة، بل بات يشمل كلّ بقعة من فلسطين التاريخيّة.

من هنا، يمكن فهم ردّة الفعل الإسرائيلية المذعورة على تظاهرات إحياء النكبة في جامعتَيْ تل أبيب وبئر السبع، وما تخلّلها من حضور كثيف للأعلام الفلسطينية، وهي رسالة فهمها المحتلّ بأنّها مطالبة بتصحيح الخطأ التاريخي المتمثّل بطرد شعب إلى المنافي، وإقامة دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين.

إقرأ أيضاً: مناورة عربات النار: من السكّين إلى النووي

لكنّ في إسرائيل أصواتاً تطالب بالاعتراف بـ”ذاكرة الأقليّة”، في يوم الاستقلال، لأنّ أكثر من 20 في المئة من مواطني إسرائيل العرب يعتبر هذا اليوم يوم نكبة ويوم حداد، وهو مرادف للمعاناة واللجوء والإحساس بالظلم العميق، وهو جزء لا يتجزّأ من هويّتهم القومية والثقافية. ويرى هؤلاء أنّ إسرائيل تنظر دوماً إلى مصطلح النكبة كصاروخ مدمِّر متوجّه إلى أرض شرعيّتها كدولة مستقلّة، إذ يتّهمها بأنّها مسؤولة عن المصيبة وعن معاناة العرب في حرب الاستقلال. اعتقدت إسرائيل، التي تخاف حتى اليوم على نقاء روايتها، أنّه لا يمكنها أن تسلّم بقصة تاريخية من شأنها برأيها أن تصِم ولادتها، لكن من حقّ مواطني إسرائيل العرب الذين يطلبون من الدولة أن تعترف بمصيبتهم أن يكون لهم مكان مناسب في التاريخ وفي الذاكرة المشتركة للشعبين، وهذا أمر حيويّ للفهم الكامل لتاريخ دولة إسرائيل المركّب. ومن هنا تطالب هذه الأصوات الإسرائيلية باحترام التاريخ المشترك وذاكرة الأقلّيّة والاعتراف بهما.

 

 * كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة

إقرأ أيضاً

الرّياض لواشنطن: Take it or leave it

يصلُ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن إلى العاصمة السّعوديّة الرّياض نهاية الأسبوع للمُشاركة في فعّاليّات “المنتدى الاقتصاديّ العالمي” الذي تستضيفه المملكة يومَيْ الأحد والإثنيْن. فما…

فيصل القاسم “لامس” 22 مليون عربي.. بحكاية فقره وجوعه؟

أحدثت إطلالة الإعلامي الشهير فيصل القاسم، عبر حلقة من برنامج بودكاست “ضيف شعيب”، ضجّة كبيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، وحصدت أرقاماً قياسية في عدد المشاهدات….

هل تمرّ رئاسة الجمهوريّة من “خُرم” البلديّات؟

لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران باسيل وكتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط وعدد من النواب قاموا…

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…