مناورة عربات النار: من السكّين إلى النووي

في الذكرى الـ74 للنكبة الفلسطينية، وبالتزامن مع إعلان الاحتلال الإسرائيلي انطلاق “مناورة شهر الحرب” التي سمّاها “عربات النار”، رفعت الفصائل الفلسطينية في غزّة حالة التأهّب والجهوزيّة لكلّ الأجنحة والتشكيلات العسكرية تحسّباً للغدر وإمكانية استغلال العدوّ المناورة من أجل شنّ هجمات عسكرية خاطفة ومكثّفة ضدّ القطاع، أو اغتيال صقور قادتها من مستوى يحيى السنوار، محمد الضيف، وأكرم العجوري، بعدما دأبت تل أبيب على التلويح بهذا الخيار بعد سلسلة العمليات الفدائية الأخيرة.

تؤكّد مصادر المقاومة أنّها تضع في حسبانها إمكانية استغلال مناورة “عربات النار” في شنّ حرب استئصالية كبرى، خصوصاً في ظلّ ترنّح حكومة نفتالي بينيت، والتآكل المستمرّ في صورة الجيش الإسرائيلي، بعد عملية سيف القدس، ونجاح المقاومة في فرض معادلة “القدس – غزّة”، وتنامي الأصوات الإسرائيلية المطالِبة بتنفيذ عملية “قطف الرؤوس”.

في الذكرى الـ74 للنكبة الفلسطينية، وبالتزامن مع إعلان الاحتلال الإسرائيلي انطلاق “مناورة شهر الحرب” التي سمّاها “عربات النار”

تُعدّ أكبر مناورة أركانية في تاريخ الكيان، وتحاكي حرباً شاملة في كلّ الجبهات والساحات في آن واحد، الجبهة الشمالية أي لبنان، والجبهة الجنوبية أي غزّة، والضفّة، وداخل الخطّ الأخضر. أي أنّها مناورة للردّ على نظرية “ترابط الساحات” التي أطلقها الأمين العام لحزب الله، مهدّداً بأنّ أيّ اعتداء على أيٍّ من قوى “المحور”، سيأتي الردّ عليها من “كل الساحات”.

لبنان وغزّة وإيران

تشارك في المناورة كلّ أذرع جيش الاحتلال، البرّية والجوّية والبحرية والاحتياط والاستخبارات. وفي الإحاطة التي قدّمها الجيش الإسرائيلي، جاء أنّها تحاكي هجوماً جوّياً واسعاً ضدّ إيران، وتدريبات على سيناريو سقوط صواريخ في مساحات خطيرة داخل إسرائيل، وتسلّل مقاومين من غزّة ولبنان إلى الداخل.

جيش الاحتلال أعلن انطلاق المناورة بعد انتهاء اجتماع لـ”الكابينت” استمرّ لمدّة 4 ساعات، وناقش سبل مواجهة الفصائل في غزّة، المتّهمة بالتحريض على العمليات الفدائية ضدّ إسرائيل، والقيام بعملية عسكرية محدّدة في جنين.

ومن المتوقّع أن يُجري الجيش الإسرائيلي تدريباً على هجوم واسع لسلاح الجوّ الإسرائيلي على إيران، أواخر الشهر الحالي. وتوجد للجيش الإسرائيلي اليوم بضع خطط للهجوم في إيران، لكنّ محافل رفيعة المستوى تقدّر أنّ الجيش يحتاج إلى سنة على الأقلّ حتى يُنهي الاستعدادات للخطة الأساسية، وإلى زمن أطول كي يكمل الاستعدادات للخطة الفضلى. ووفقاً للتقديرات في إسرائيل فإنّ إيران يمكنها أن تقتحم النادي النووي في غضون أسابيع قليلة، وأنّ لديها اليوم مادّة مخصّبة في مستوى منخفض تكفي لقنبلتين نوويّتين، ومادّة مخصّبة أخرى بمستوى 60 في المئة تكفي لقنبلة واحدة.

من السكّين حتّى النووي

وحسب أفيف كوخافي، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإنّ “إسرائيل تواجه سلسلة كبيرة من الجبهات والتهديدات من مدينة جنين بالضفّة الغربية حتّى أصفهان الإيرانية، ومن السكّين حتى النووي”، وذلك بعد استقباله الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية الوسطى “سنتكوم”، في تل أبيب. وأكّد أنّه استعرض معه “التحدّيات الأمنيّة التي تواجهها إسرائيل”.

القناة العبرية الـ13 كشفت أنّ سلاح الجوّ الأميركي سيشارك نهاية الشهر الحالي في “عربات النار”. وأوضحت القناة أنّه للمرّة الأولى سيقوم سلاح الجو الأميركي بتدريب نظيره الإسرائيلي على تزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود في الجوّ، وهي في طريقها للهجوم على إيران.

 

يركّز جيش الاحتلال الإسرائيلي حالياً خلال مناورات “عربات النار” على التدريبات التي تقوم بها قيادة الجبهة الداخلية في حال احتاجت إلى عزل الشوارع الرئيسية في المناطق العربية، داخل الخطّ الأخضر، من أجل استخدام الجيش للتنقّل بشكل حرّ، وذلك تحسّباً لاحتجاجات تؤدّي إلى إغلاق طرقات وتعرقل حركة الجيش، وهذا واحد من الدروس المستفادة في عملية “سيف القدس”.

وصرّح مسؤول كبير في جيش الاحتلال: “نقوم بتدريب 8 كتائب مكوّنة من لواءين من قيادة الجبهة الداخلية لتوفير سلاسة الحركة للجيش في دولة إسرائيل بالتعاون مع الشرطة”. وأشار إلى أنّ الجيش يستعدّ أيضاً لمحاولة تخليص عناصر من قوات الأمن من داخل بلدات عربيّة، في سيناريو مُتخيّل لعرقلة القوات ومحاصرتها داخل البلدات العربية على إثر الاحتجاجات.

عمليات فدائية.. وحروب

أيضاً كشف المحلّل عاموس هارئيل، أنّ هيئة الأركان العامّة تدير المناورة عبر شاشة مقسومة، من جهة تتابع سيناريو حرب متعدّدة الساحات، ومن جهة أخرى، موجة العمليات الفدائية.

وليس بعيداً عن هذا المضمار، رفع الجيش الإسرائيلي وجهة نظر استخباراتية إلى المستوى السياسي، مفادها أنّه لا توجد حقّاً علاقة مباشرة عملياتيّة بين “حماس” وموجة العمليات المقبلة في الضفة. وتستند المعلومات المأخوذة من التحقيقات التي أُجريت مع منفّذي  العمليات الأخيرة، إلى أنّ العمليات نُفّذت بشكل فردي، وأنّها نُفّذت لأسباب دينية، تأثّراً بما يجري في الأقصى، ولا علاقة بها لـ”حماس” أو لزعيم الحركة بغزّة يحيى السنوار، الذي طالب بحمل الفؤوس. لكنّ حماس تحاول ركوب الموجة كي تبرز صورتها كحركة مقاومة فيما هي في الواقع تغرق حتى الرقبة في ترميم أضرار القطاع في أعقاب حملة “سيف القدس” وغير معنيّة باشتعال شامل مع إسرائيل، بحسب وصفها.

وأكّدت التحقيقات مع منفّذي عملية “إلعاد”، أنّ سبب قيام الشابّين صبحي صبيحات وأسعد الرفاعي بقتل أربعة إسرائيليين، هو الانتقام والردّ على الأحداث في المسجد الأقصى، وأنّهما لا ينتميان إلى أيّ تنظيم، لا إلى حركة فتح ولا حماس ولا الجهاد.

ورجّح تقرير إسرائيلي استمرار موجة العمليات الفدائية ضدّ قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، وأنّ العمليات الحالية لا تزال بعيدة عن نهايتها. وذكرت صحيفة “معاريف” العبرية  أنّ سهولة تنفيذ العمليات “محبطة على نحو خاصّ، فلا مستوى مهنيّاً عالياً للمنفّذين، وهم لا يملكون تجربة عملياتية غنيّة، لكن مع ذلك ينجحون في تنفيذ عمليات قوية، وكلّ ما هو مطلوب هو اختيار هدف للعملية والوصول إليه، وتخطيط العملية ينتهي في ساحة الحدث”. وأضافت: “تخطيطات بسيطة لا تحتاج إلى شبكات مؤطّرة، ويكفي الاستلهام من عمليات سابقة وتحريض موجّه للقيام بالعمل”.

إقرأ أيضاً: ذكرى النكبة: شيرين تطرّز “حكاية” فلسطين

وأوصى الجيش الإسرائيلي المستوى السياسي بعدم وصف السنوار بأنّه مَن يقود “موجة الإرهاب”، لأنّ ذلك لن يؤدّي إلا إلى تقوية السنوار، وتلميع صورته أمام الجمهور الفلسطيني في الداخل والخارج، معتبراً أنّ الخطاب حول تصفية قائد حماس بغزّة يحيى السنوار يمنحه نقاط استحقاق وحافزاً لبناء عظمته في الشارع الفلسطيني.

ويبدو لقطاع من الإسرائيليين أنّه تحت سحابة الحرج لحكومة بينيت المترنّحة، تلوح “حماس” والسنوار كحلول بديلة. يمكن بسهولة تشخيصهم، وتحديدهم وضربهم، لكن في واقع الأمر موجة “العمليات” هذه ينقصها اللون والانتماء السياسي. ولهذا السبب يصعب على إسرائيل قمعها، فمنفّذوها ليسوا بوضوح رجال “حماس” أو الجهاد الإسلامي.

* كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…