دائرة الرؤساء: لا مفاجآت… والصلاةُ في الصناديق

2022-05-16

دائرة الرؤساء: لا مفاجآت… والصلاةُ في الصناديق

مدة القراءة 6 د.

لم يكن متوقّعاً أن يمرّ اليوم الانتخابي في دائرة الشمال الثالثة من دون إشكالات بين القوات والتيار الوطني الحر. بالنظر إلى الشحن السياسي والتلاسن وحملات التخوين المتبادلة يمكن اعتبار أنّ قطوع الانتخابات مرّ على خير في دائرة كانت نسبة التصويت فيها من الأعلى على مستوى لبنان. إذ تجاوزت في شكّا وكفرعبيد 60%، وفي البترون 50%، وبلغت بشكل عام 38.45%، مقابل 43.2% في انتخابات 2018.

استنفرت ماكيناتٌ انتخابية ضخمة منذ ساعات الصباح الأولى. وتقدّم الواجب الانتخابي على واجب الصلاة، فكان قاصدو أماكن العبادة قلّة مقارنة مع أيام الآحاد العادية. كانت الانتخابات هي الصلاة في هذه الدائرة المسيحية ذات الـ10 مقاعد مسيحية: الموارنة 2 في بشرّي و2 في البترون و3 في زغرتا، و3 روم أرثوذكس في الكورة. لكنّها تضمّ كتلة ناخبة سنّيّة كبيرة نسبيّاً في الكورة، وكتلة شيعية أصغر.

يبدو أنّ الأرقام جاءت مطابقة للتوقّعات، مع مقعد لجبران باسيل ومقعد لميشال معوّض ومقعدين للمردة، و4 للقوات (2 بشري و1 الكورة و1 البترون)، ومقعد قد يؤول إلى لائحة “شمالنا” المعارضة في الكورة.

في هذه الدائرة قضاء بشرّي، معقل رأس القوات اللبنانية سمير جعجع وزوجته ستريدا جعجع الفائزة عن مقعد بشرّي منذ العام 2005

الدائرة الأصعب

يمكن اعتبار دائرة الشمال الثالثة من أصعب الدوائر، وقد شهدت أشرس المعارك. تتألّف من أربع دوائر صغرى في داخلها، لكلّ منها تأثيرها على الأخرى. يميّزها أنّ كلّ مرشّحيها البارزين ينتمون إلى أحزاب قوية ذات ماكينات انتخابية ضخمة. لذا شهدت العملية الانتخابية حذر مرشّحيها من التصريحات المستفزّة، فاستعانوا بالصمت الانتخابي على أن يُستثمر أيّ موقف داخل صناديق الاقتراع.

أهميّة الشمال الثالثة أنّها الدائرة المارونية والمسيحية الكبرى. بعبدا مختلطة مذهبياً وبالمقاعد، المتن الشمالي فيه تنوّع مسيحي، وفي جبيل-كسروان موارنة يخرق صفاء دائرتهم وجود شيعي غزير يصل إلى 20 ألف ناخب.

في هذه الدائرة 4 أقضية شمالية يتركّز في 3 منها الثقل الماروني المسيحي: البترون وبشرّي وزغرتا، أي أنّها أقضية مارونية بغالبيّتها، بينما تشهد الكورة خليطاً أرثوذكسياً مارونياً. لكنّ نقطة ضعف الكورة أنّ الأحزاب الكبرى كانت تضع فيها مرشّحيها الأضعف مقابل تأمين فوز الأقوياء في عرينهم. مثلاً تضحّي القوات بفادي كرم في الكورة مقابل تأمين مرشّحَيْها في بشرّي والبترون.

 

“الرؤساء” المعلّقون

في هذه الدائرة قضاء بشرّي، معقل رأس القوات اللبنانية سمير جعجع وزوجته ستريدا جعجع الفائزة عن مقعد بشرّي منذ العام 2005. وهو المرشّح الدائم للرئاسة منذ خروجه من المعتقل السياسي.

وفيها قضاء زغرتا حيث عرين “المارد”، رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، الذي غاب عن التمثيل لمرّة واحدة في 2005، ثمّ عاد ليتمثّل بنائبين، وهو مرشّح دائم للرئاسة أيضاً.

فيها ميشال معوّض، الأقرب إلى الأميركيين، وقد تبيّن بعد خروجه من تكتّل لبنان القوي أنّه رأس المواجهة في ما يخصّ المستقلّين، وهو المشرف على عدد من المرشّحين في أنحاء لبنان بدءاً من مجد حرب في البترون إلى ميشال حلو في بعبدا. وهو طامح رئاسي أيضاً. وتضمّ ابن بطرس حرب، الذي طُرِح اسم والده للرئاسة مراراً.

يمكن اعتبار دائرة الشمال الثالثة من أصعب الدوائر، وقد شهدت أشرس المعارك. تتألّف من أربع دوائر صغرى في داخلها، لكلّ منها تأثيرها على الأخرى

وفيها البترون حيث الرجل الذي يتكتّل الجميع ضدّه، وهو جبران باسيل، رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية حتى الأمس، وهو أيضاً مرشّح رئاسي “طبيعي”، بحسب والد زوجته، رئيس الجمهورية ميشال عون.

وفيها الكورة حيث لا مرشّحين للرئاسة، لغلبة حضور الأرثوذكس.

 

زمام القرار المسيحيّ

لا تقتصر المنازلة على مقاعد نيابية وتمثيل في البرلمان وحسب، بقدر ما كانت منازلة على مَن يملك زمام القرار المسيحي، ومَن سيكون على طاولة الحوار وفي مجلس الوزراء، ولِمَن ستكون الغلبة باسم المسيحيين ومَن سيمثّلهم.

رباعيّة الأقضية تعتقد أحزابها أنّ الفائز من بينهم سيحدّد مصير اتجاهات سياسية كبرى إذا نجح أو خسر. لجبران باسيل رمزيّته لِما أصبح يمثّله إقليمياً ومحليّاً. وهو الذي يؤسّس لمستقبل العلاقة الجديدة مع سوريا. ولجعجع دور دولي يتمثّل في أنّه مرشّح السعودية وتنظر إليه أميركا على أنّه أبرز رجالاتها.

شهدت الدائرة مطاحنة بين خطّين يتحالفان في السياسة الاستراتيجية، ويتنافسان داخل حلف 8 آذار، وهما باسيل وفرنجية، لكنّهما يختلفان جذريّاً عن جعجع، ويواجهانه معاً في التباينات الكبرى.

لحزب الله حليفان في هذه الدائرة هما رئيس المردة ورئيس التيار الوطني الحر، وخصمان هما جعجع وميشال معوّض. وفيها تتقرّر أمور كثيرة ترتبط بمستقبل لبنان. فوز فرنجية وباسيل يعني تثبيت حضورهما معاً على طاولة الحوار وفي الخيارات الكبيرة، وسيقرّران اتّجاه المسيحيين نحو الشرق أو الغرب.

هكذا شهدت هذه الدائرة تنافساً انتخابياً قوياً، وثبت مجدّداً أنّ خطوطها السياسية تمتدّ من الضاحية إلى إيران، ومن طرابلس إلى السعودية، بما يؤكّد تأثيرها على الحياة السياسية .

إذا نجح مرشّحو التيار الوطني في كلّ لبنان وسقط باسيل فلن يعود الأمر كما كان في السابق. وبهذا المعنى كان التصويت تصويتاً سياسياً بامتياز لا تدخل فيه اعتبارات الصداقة والمسايرة، بدليل تصويت شيعة البترون التي صبّت صبّة واحدة هذه الدورة بين باسيل وفرنجية، بينما بقي موقف السُنّة غير محدّد.

في المرّة الماضية جُيّرت أصوات السُنّة لمصلحة باسيل بتعليمة من “صديقه” سعد الحريري. فهل منح السُنّة صوتهم هذه المرّة لباسيل نكاية بجعجع؟ أم تدخّلت عوامل خارجية حالت دون ذلك؟ قالت الأرقام إنّ نسبة الناخبين السُنّة جاءت متدنّية، بما يعني التزامهم مقاطعة الانتخابات.

إقرأ أيضاً: الشمال 1و2: “عروس الثورة”… لماذا اعتكفت؟

طوال ساعات الانتخاب كان القلق يساور كلّ المرشّحين في مواجهة باسيل في محاولة لمنع فوزه. لكنّه سيخرج ليقول: “واجهتهم كلّن يعني كلّن… وربحت”.

في الشمال الثالثة حضور قويّ لقوى المجتمع المدني التي فشلت هنا أيضاً في توحيد صفوفها، فخاضت المعركة على لوائح ثلاث هي “شمالنا” و”قادرين نغيّر” و”وعّي صوتك”. خلال ساعات اليوم الانتخابي تقدّمت حظوظ مرشّحي “شمالنا” في أن يفوزوا بحاصل انتخابي، والأرجح أن يكون المقعد الأرثوذكسي في الكورة.

إقرأ أيضاً

البيسري في سوريا: محاصرة النزوح!

 يزاحم ملفّ النزوح السوري كلّ الملفّات الطارئة، وعلى رأسها مصير الورقة الفرنسية المعدّلة وردّ الجانبين اللبناني والإسرائيلي عليها. زيارة اليوم لكلّ من الرئيس القبرصي نيكوس…

“الورقة المصريّة” بين تردّد نتنياهو ورهانات السّنوار

تقفُ المنطقة برمّتها على صفيح ساخن بانتظار جوابيْن: الأوّل: جواب رئيس حركة حماس في غزّة يحيى السّنوار على الورقة المصريّة التي صاغها رئيس الاستخبارات المصريّة…

ما هو موقف الحزب من تفاهم برّي-باسيل؟

لم يبدِ مسؤولو الحزب حتى الآن أيّ مواقف علنيّة في ما يتعلّق بالتقارب المستجدّ بين “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل”. الحزب “غارق” في حرب غزّة…

فرصة كبيرة: حراك دوليّ عربيّ إسلاميّ لإنهاء الحرب

كتب الصحافي الأميركي توماس فريدمان بعدما انتقل بين واشنطن والرياض، مقالاً تحت عنوان “إسرائيل لديها الخيار: بين رفح والرياض”. وفيه يقول فريدمان إنّ على إسرائيل…