الدولار إلى أين بعد الانتخابات؟

لا يبدو أنّ سعر صرف الدولار آيلٌ إلى الارتفاع بعد الانتخابات النيابية، على غرار ما يحاول بعض الصرّافين والمصارف الإيحاء به. فعلى الرغم من الشائعات الكثيرة التي تحاول أوساط المصارف وبعض الصرّافين بثّها بين اللبنانيين، إلاّ أنّ سعر صرف الدولار مستقرّ بين 26 و27 ألف ليرة للدولار الواحد، ويبدو أنّه مستمرّ على هذا النحو وعند هذه السقوف المضبوطة.

يقول مصدر صيرفي لـ”أساس” إنّ أوساط الصرّافين في العاصمة بيروت وخارجها تعمِّم فيما بينها ضرورة عدم التفريط بالدولارات الموجودة في أدراجهم، لأنّ المرحلة المقبلة التي ستلي الانتخابات مباشرة ربّما تشهد ارتفاعاً جديداً للدولار، وقد تكون عتبته 30 ألف ليرة. أمّا عن الأسباب المباشرة خلف تلك الافتراضات، فلا أحد من بين هؤلاء الصرّافين يعلّلها بشكل واضح، بل تبقى في إطار التصوّرات وإجراءات التحوّط، تمهيداً لاستشراف “حقبة” يعتبرونها جديدة، وتتعلّق باستقالة الحكومة وتسمية رئيس مكلّف جديد لها وتشكيلها، ثمّ الاستعداد لانتخاب رئيس جديد للبلاد.

يقول مصدر صيرفي لـ”أساس” إنّ أوساط الصرّافين في العاصمة بيروت وخارجها تعمِّم فيما بينها ضرورة عدم التفريط بالدولارات الموجودة في أدراجهم، لأنّ المرحلة المقبلة التي ستلي الانتخابات مباشرة ربّما تشهد ارتفاعاً جديداً للدولار

أوساط جمعية المصارف تسعى إلى بثّ الخوف في النفوس من خلال الإيحاء بأنّ سعر الدولار سيعود إلى التحليق بعد الانتخابات. بيد أنّ خلفيّات هذا الجوّ باتت معروفة وتعود إلى عدم رضى المصارف والجمعيّة عن “خطة التعافي”، التي وضعتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وتأجَّل بتّ تفاصيلها إلى ما بعد الانتخابات، وإلى الدعوى التي تتمسّك الجمعية بإقامتها ضدّ الدولة رفضاً للخطة، واستمهلت مرور الاستحقاق الانتخابي بهدوء كي لا تُتّهم بتعطيله أو تعكير صفوه.

إذاً، كل هذا يدخل في إطار التهويل، ولا مبرّرات نقدية أو اقتصادية تؤكّد عودتنا إلى تحليق الدولار بشكل كبير ومرعب من جديد، كما من قبل، وذلك للأسباب المعلَّلة أدناه:

1- عدم جدوى الحديث عن توقّف العمل بالتعميم 161، لأنّه أصلاً بحكم المتوقّف لكن بشكل غير معلن، وهذا ما تكشفه عمليات بيع الدولار على “الكونتوار” في جميع المصارف المحليّة. والأخيرة تؤكّد لعملائها كلّ يوم أنّ مصرف لبنان ما عاد يبيعها الدولارات كما من قبل، وأنّ منصة “صيرفة” لا تفتح عمليات التداول إلّا لساعات قليلة ومعدودة في اليوم الواحد.

2- ضعف الطلب على الدولار لدى الصرّافين بشكل لافت، وهذا ما تعترف به أغلب مكاتب الصيرفة في بيروت التي تواصل معها “أساس” وأكّدت أنّ السوق يشهد ما يشبه الجمود التامّ، وأنّ عمليّات بيع وشراء الدولار تقتصر على أرقام متواضعة جدّاً.

3- بلوغ السوق اللبناني مرحلة الإشباع، أو ما يمكن تسميته بـ”التوازن المضبوط”، إذ إنّ حجم فاتورة الاستهلاك أصبح معروفاً، فبات حجم الطلب على الدولار لسدّ هذه الفاتورة بدوره مكشوفاً أيضاً وغير قابل للتلاعب.

4- هناك كتلة دولارية كبيرة في البيوت، ويُضاف إليها تكيّف اللبنانيين، بشكل كبير، مع سقوف سعر صرف الدولار الحالية. فما عاد للهبوط والارتفاع الطفيفين تأثير نفسيّ خطير على الناس، الذين أمسوا مدركين لهذه الحِيَل. وهذا ما دفعهم إلى الإقلاع عن التهافت على بيع هذه الدولارات أو حتّى شرائها من الصرّافين بدافع المضاربة، وإنّما اقتصرت العمليات على صرف الدولار لأغراض الاستهلاك اليوميّ، أو شراء الدولار من قبل مَن لا يملكه لكن بالقدر المطلوب وعند الحاجة، بهدف تسديد استحقاقٍ محدّد، أو لحاجات السفر وخلافه.

أوساط جمعية المصارف تسعى إلى بثّ الخوف في النفوس من خلال الإيحاء بأنّ سعر الدولار سيعود إلى التحليق بعد الانتخابات

5- ضبط حجم الكتلة النقدية من الليرات اللبنانية من خلال حصرية توزيعها من خلال شركة OMT فقط، التي أصبحت المصدر الوحيد لتسليم الليرات للصرّافين، ولقاء دولارات تعود إلى مصرف لبنان بشكل مضبوط وموثّق. فمن دون توفّر هذه الليرات بين أيدي المواطنين والصرّافين (أداة المضاربة) لا يمكن التأثير على سعر صرف الدولار أبداً.

6- غياب التهويل بدخول البلاد فراغاً حكوميّاً، نتيجة استباق هذه الهواجس بالحديث الجدّيّ والمبكر عن إمكانية إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة مع تعديل طفيف بالتشكيلة الحالية، ربطاً بالأغلبية التي ستفرزها الانتخابات والتي باتت شبه معروفة سلفاً.

7- ترحيل مطلب استبدال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، نتيجة استقالة الحكومة دستورياً مع بدء ولاية المجلس النيابي الجديد (المادة 69) ودخول مجلس الوزراء في Era تصريف الأعمال، التي يُتحاشى خلالها اتّخاذ قرارات كبيرة من هذا النوع.

8- امتصاص “صدمة” التضخّم العالمية نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية، التي دخلت أخيراً في حلقة المراوحة والكرّ والفرّ، وقد تُرجمت بارتفاع سعر الصرف من نحو 23 ألفاً إلى نحو 27 ألف ليرة للدولار الواحد، فكانت هذه الآلاف الأربعة بمنزلة القيمة المضافة على زيادة أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية والمحروقات.

إقرأ أيضاً: هل تكون OMT بديلاً من القطاع المصرفيّ؟

تخبرنا كلّ هذه الأسباب بأنّ “الخضّات” الكبيرة في سعر صرف الدولار قد تكون بعيدة، وأنّ الاستقرار باقٍ، ما خلا أزمات أخرى ستعود لتطلّ برأسها من بعد الانتخابات، وأهمّها أزمة دعم القمح وأدوية الأمراض المزمنة، وطبعاً أزمة انقطاع التيار الكهربائي وشحّ الفيول، التي ستبقى على ما يبدو، عقدة العقد… وإلى ما شاء الله.

إقرأ أيضاً

الانتظار والمماطلة: نعمة الطبقة الحاكمة ونقمة المواطنّ!

محطّات عدّة مرّت على لبنان، ولطالما عاكست الظروف التي واكبت هذه المحطّات مصلحة المواطن، وساهمت في إبقاء الأداء المشين لـ”الطبقة الحاكمة” على ما هو عليه….

السلطة V/S المصارف: الأزمة بحاجة لـ”عقل محايد” يحسم خلافاً

يستعر الخلاف بين المصارف من جهة وبين مصرف لبنان والسلطة السياسية من جهة أخرى، حول الأزمة الاقتصادية، وذلك منذ ما يزيد على 4 سنوات، ولا…

مفاوضات صندوق النقد: لبنان في حالة موت سريريّ

كثرت في هذه الأيام الرسائل الموجّهة إلى صندوق النقد الدولي من قبل جهات عديدة من المجتمع اللبناني في محاولة لإرشاده إلى كيفية مقاربة حلّ “للمصيبة…

عمولة 8 مليار$: إلى متى سيبقى مصرف لبنان صامتاً؟

أثير ضجيج كثير حول تقرير التدقيق الجنائي في حسابات شركة “أوبتيموم” المتعاونة مع مصرف لبنان. لكنّ الأخير لا يزال صامتاً حتى اللحظة. على الرغم من…