القتل أمام الكاميرات: في وداع شيرين أبو عاقلة

بدم بارد، ومع سبق الإصرار والترصّد، اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي مراسِلة شبكة “الجزيرة”، الإعلامية شيرين أبو عاقلة، داخل مخيم جنين الفلسطيني، خلال تغطيتها لاقتحام قوات الاحتلال المخيّم. وهو في الحقيقة اغتيال للصورة وللحقيقة في جريمة مكتملة الأركان.

الخبر ليس عادياً. فشيرين أبو عاقلة هي واحدة من المراسلين الذين نقلوا “صورة” فلسطين، من الميادين، وعلى الأرض، خلال ربع قرن. منذ العام 1997 وهي بين الرصاص والموت، غطّت الانتفاضة في العام 2000، وتعرّف إليها العرب كلّهم على الشاشة الفضائية التي كانت الوحيدة في نقل الأحداث الكبيرة.

تقول الأخبار الواردة إنّ الرصاصة أصابتها في الرأس، وكان من حولها عدد من الزملاء. وبالتالي فإنّ المنطق يقول أنّه كان “اغتيالاً” متعمّداً، ولم تصب بإطلاق نار عرَضي.

تقول الأخبار الواردة إنّ الرصاصة أصابتها في الرأس، وكان من حولها عدد من الزملاء. وبالتالي فإنّ المنطق يقول أنّه كان “اغتيالاً” متعمّداً، ولم تصب بإطلاق نار عرَضي

كلام أكّده مدير مكتب الجزيرة في فلسطين وليد العمري: “هذه جريمة قتل متعمّدة.. الدلائل تشير إلى أنّ قنّاصاً من جنود الاحتلال هو مَن أطلق الرصاص صوب شيرين لأنّ الرصاصة استقرّت أسفل أذنها، وهي منطقة لا تغطيها الخوذة الصحافية”.

كما أكّد أنّ “شيرين ترجّلت من المركبة فور وصولها للمنطقة، والزملاء كانوا يقفون بجانبها وابتعدوا لمسافة مترين، ثمّ فوجئوا بسقوطها أرضاً وإصابتها بالرصاص الحيّ”.

الفيديو الذي انتشر يظهر بوضوح وجود زملاء، حاولوا إسعافها قبل أن يكتشفوا أنّ الرصاصة لم تترك مجالاً للإسعاف.

كان آخر من رافقها زميلها علي السمودي، الذي أصيب برصاصة في ظهره، لكنّ وضعه مستقرّ. أما زميلها، تامر المسحال، فقال “باكياً” إنّ آخر خبر أرسلته بالبريد الإلكتروني الساعة السادسة و13 دقيقة كان عنوانه: “قوات الاحتلال تقتحم جنين لاعتقال مطلوب، وتحاصر منزلاً في حي الجبريات. في الطريق إلى هناك، أوافيكم بخبر فور اتّضاح الصورة”.

وأضاف المسحال “باكياً”: “لم نكن نعلم ولم يكن يعلم المشاهد أنّ هذا الخبر الذي كتبته شيرين سوف يكون خبر استشهادها”.

الجزيرة تتّهم

مدير مكتب الجزيرة في فلسطين وليد العمري أكّد أنّ استشهاد الزميلة الصحافية شيرين أبو عاقلة هي جريمة قتل تعمّدها جيش الاحتلال. وأوضح العمري أنّ الدلائل تشير إلى أنّ قنّاصاً من جنود الاحتلال هو مَن أطلق الرصاص صوب شيرين لأنّ الرصاصة استقرّت أسفل أذنها، وهي منطقة لا تغطيها الخوذة الصحافية.

في السياق ذاته، طالب السفير الأميركي لدى إسرائيل توم نيدز، في تغريدة عبر موقع تويتر، بإجراء تحقيق شامل في ملابسات القتل، معلناً أنّها تحمل أيضاً الجنسيّة الأميركية.

وحمّل عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ حكومة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية. ونفى الشيخ، في تغريدة له على “تويتر”، ما أعلنه رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت من عرضهم على السلطة الفلسطينية إجراء تحقيق في الاغتيال، مؤكّداً أنّه سيتمّ تحويل هذا الملفّ إلى محكمة الجنايات الدولية.

الشهيدة تُشيّع اليوم من مقرّ المقاطعة في مدينة رام الله في الحادية عشرة صباحاً بحضور الرئيس محمود عباس، الذي أجرى اتصالاً هاتفياً مع العمري، معزّياً، وقال: “باستشهاد الصحافية أبو عاقلة، فقدت فلسطين أحد فرسان الحقيقة، الذين عملوا بكلّ صدق وأمانة على نقل الرواية الفلسطينية للعالم، وساهموا في توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقّ أبناء شعبنا وأرضه ومقدّساته”.

كانت شيرين أبو عاقلة مميّزة على الصعيد المهني، هادئة في أدائها، مُقنعة في روايتها. ولقد استمدّت شيرين صدقيّتها من واقع أنّها تقدّم الصورة تحت الخطر.

كتب الأستاذ نبيل عمرو على صفحته في فيسبوك في شهادة حيّة عن شيرين أنّه “ما من معركة يكون الموت فيها أقرب، إلا وكانت شيرين في قلبها، ولقد شاءت أقدارها أن تكون فلسطينية وشاءت فلسطينيّتها أن تكون على خطّ النار الأوّل. كانت جزءاً من المعارك اليوميّة القاسية التي فُرِضت على شعبها، وكانت صوتاً أميناً ينطق بالحقيقة ويجسّد نبل الرسالة التي نذرت نفسها لها منذ أن عانق صوتها الأثير الفلسطيني وحين طبعت صورتها واستقرّت على شاشة “الجزيرة” كواحدة من أهمّ وأقدر العاملين فيها على خطوط النار”.

أمّا الإعلامي المصري عمرو أديب فكتب عبر حسابه الرسمي على “تويتر”: “رحم الله شيرين أبو عاقلة. كانت أفضل مراسِلة في العالم العربي. دفعت ثمن مهنتها وجنسيّتها وواقعها الفلسطيني والعربي المؤلم… للمرة المليون يشاهد العالم الحقيقة الإسرائيلية بدون تجميل ولا شعارات.. هم قتلة قتلة قتلة”.

ونوّهت الأستاذة علا كسّاب، مديرة إذاعة فلسطين في غزة، لموقع “أساس” بمناقبيّة الفقيدة شيرين التي عملت معها عن قرب في إذاعة فلسطين، وبإنسانيّتها وتواضعها، ومهنيّتها العالية التي تجلّت دوماً في الميدان.

من جهتها، رَثَت غادة شحادة مديرة التخطيط في إذاعة فلسطين شيرين، لافتة إلى أنّها “نأت بنفسها عن التجاذبات والخلافات لتحتفظ بحبّ واحترام كلّ العاملين في المجال الصحافي. وهي كانت إنسانة قبل كلّ شيء وذات ضمير مهنيّ وحسّ وطني، وتحترم كلّ الديانات”.

 

سيرتها الذاتية

وُلدت شيرين نصري أبو عاقلة في القدس عام 1971، وتنحدر من عائلة مسيحية مشهورة في بيت لحم. أنهت دراستها الثانوية في مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا. درست في المرحلة الجامعية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، ثمّ اتّجهت إلى دراسة الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك الأردنية، وتخصّصت في مجال الصحافة المكتوبة والعمل التلفزيوني في جامعة بيرزيت.

في عام 1994 انضمّت شيرين إلى أسرة إذاعة فلسطين في بيت حنينا. وفي عام 1997 بدأت مشوارها المهني في مكتب الجزيرة للإعلام بإعطاء دورات في الصحافة للصحافيين المبتدئين برفقة الصحافي وليد العمري. انتقلت بعد ذلك إلى العمل مراسلةً للجزيرة في عدد من المناطق والمدن الفلسطينية. وغطّت حرب لبنان عام 2006، وقامت بتغطية اقتحام المسجد الأقصى بمهنيّة عالية ونقلت الأحداث في القدس على الرغم من المضايقات التي تعرّضت لها، مطبّقةً مقولتها “العمل تحت الخطر هو لبّ العمل الصحافي”. شاركت في تغطية عدوانَيْ 2008 و2014 على قطاع غزة. تعرّضت حياة شيرين أكثر من مرّة للخطر، لكنّها كما قالت في أحد اللقاءات “تضع الخوف في زاوية وتُنجز ما ذهبت من أجله”.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تخشى “انتفاضة” داخل الخطّ الأخضر

يُشار إلى أنّ العالم يحتفي في هذا الشهر بحرّيّة الصحافة العالمية الذي يصادف الثالث من أيار من كلّ عام.

رحم الله شيرين أبو عاقلة وكلّ شهداء فلسطين.

إقرأ أيضاً

مروان عيسى.. لاعب كرة السلّة الذي اقتحم جدار غزّة

حتى اللحظة لم تنعَه حركة حماس، أعلنت إسرائيل رسمياً عن “اغتياله”. وحده البيت الأبيض الذي سارع إلى تأكيد خبر وفاته. فمن هو “رجل الظلّ” كما…

مجاهد منصور.. اسم على مسمّى

كان وحده. لم يصحبه أحد. ولا هو صحب معه أحداً. فردٌ واحدٌ “دوّخ” إسرائيل سبع ساعات متواصلة. تحدّث عنه الإعلام الإسرائيلي كما لو كان يتحدّث…

فيروز تغنّي غزّة: أغنية راهنة… عمرها 50 عاماً

فيروز تغنّي غزّة؟ خبر انتشر كالنار في الهشيم، فملأ وسائل التواصل الاجتماعي وشغل الناس. فما القصّة؟   هل هي أغنية جديدة؟ هل حقّاً فيروز تغنّي…

“حلّل يا دويري”: لواءٌ محا “وصمة” سعيد والصحّاف

من هو اللواء فايز الدويري، الذي بات “نجماً” تلفزيونياً بعد حرب غزّة. وانتشرت جملة “حلّل يا دويري” عن لسان مقاتل غزّاوي، وفي أغنية خلّدتها. وكيف…