إسرائيل تقسّم “الأقصى” بين المسلمين واليهود

في يوم القدس العالمي، وفي أوّل ظهور إعلامي له منذ معركة سيف القدس، حذّر رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار من أنّ صور جنود الاحتلال وهم يقتحمون المصلّى القبلي وانتهاكات المستوطنين ستفجّر حرباً دينيّة إقليمية، موضحاً أنّ القوات الإسرائيلية التي تقوم بإخلاء الأقصى من المصلّين، قبل دخول المستوطنين المقتحمين، تعمل على تنفيذ التقسيم الزماني والمكاني.

يبدو أنّ ازدياد وتيرة اقتحام المستوطنين المتطرّفين للمسجد الأقصى في حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر رمضان، وإخلاء المسجد بشكل كامل من المصلّين الفلسطينيين قبيل وصول المستوطنين، يأتيان في سياق مخطّط إسرائيلي متكامل لفرض التقسيم الزماني والمكاني.

في هذا السياق، وصفت الرئاسة الفلسطينية تصريحات نفتالي بينيت حول أحقّيّة أيّ شخص في دخول المسجد الأقصى والصلاة فيه، بأنّها “مؤامرة لتهويد الأقصى”، ومحاولة لتشريع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك.

تريد إسرائيل تكريس واقع جديد مفاده أنّ “حصّة” المسلمين الحصريّة في المسجد الاقصى هي المسجد القبلي، وأمّا كلّ الساحات والباحات فهي منطقة “دينية” مشتركة

فما هو التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى؟

هي فكرة طرحها حزب الليكود تمهيداً لتهويد المسجد، من خلال تكريس سياسة اقتحامه والاعتداء على المرابطين داخله. وهو مستمدّ من مخطّط يهودي أصيل يسعى إلى السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى، وتغيير هويّته ببناء ما يسمّيه الاحتلال الإسرائيلي “الهيكل الثالث” مكان قبّة الصخرة.

يشمل التقسيم الزماني فرض تقسيم ساحات الأقصى زمانيّاً بين الفلسطينيين والمحتلّين الإسرائيليين، وهو يعني تخصيص أوقات معيّنة لدخول المسلمين المسجد الأقصى وأخرى لدخول اليهود، ويستهدف اقتسام ساعات اليوم وأيّام الأسبوع والسنة بين اليهود والمسلمين. ويتمّ تخصيص المسجد الأقصى لليهود خلال أعيادهم، التي يقارب مجموع عدد أيّامها نحو 100 يوم في السنة، إضافة إلى أيام السبت التي تخصّص لليهود، أي نحو 50 يوماً، فيكون مجموع الأيّام المخصّصة لليهود هو 150 يوماً في السنة. هذا ويحظر رفع الأذان خلال الأعياد اليهودية.

أمّا التقسيم المكاني فيعني تخصيص أماكن بعينها في المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 دونماً، لكلٍّ من الطرفين. إذ يهدف إلى تخصيص أجزاء ومساحات من المسجد الأقصى يقتطعها الكيان الإسرائيلي ليحوّلها إلى كنائس يهوديّة لأداء الصلاة فيها. أمّا الأماكن المسقوفة مثل مصلّى قبّة الصخرة والمصلّى المرواني فهي مخصّصة للمسلمين، ويُسمح لليهود في كلّ الأعياد اليهودية بالتجوّل وإقامة الصلوات في كلّ الساحات والباحات باستثناء المسجد القبلي.

 

تقاسم المسجد الأقصى

باختصار تريد إسرائيل تكريس واقع جديد مفاده أنّ “حصّة” المسلمين الحصريّة في المسجد الاقصى هي المسجد القبلي، وأمّا كلّ الساحات والباحات فهي منطقة “دينية” مشتركة تكون إسرائيل والشرطة الإسرائيلية المسؤولتين عن تنظيم الدخول إليها والخروج منها، حسب برامج المستوطنين والجماعات اليهودية، وذلك “منعاً” للاحتكاك، تماماً كما تمّ تكريس النظام نفسه في الحرم الإبراهيمي في الخليل.

النتيجة أنّ إسرائيل استولت على دَوْر الأوقاف الفلسطينية والأردنية بالكامل، ولم يبقَ من هذا الدور سوى بعض الشكليّات الإجرائية، وذلك لأنّ السماح بدخول المسجد الأقصى كان محصوراً ومنوطاً بالأوقاف الإسلامية تحديداً، وقد فقدت هذا الدور، وأصبحت الشرطة الإسرائيلية هي التي تحدّد وتشرف وتضبط كلّ من يدخله أو يخرج منه.

وأصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) أخيراً قراراً جديداً يتعلّق بالقدس، يجدّد اعتبار الكيان الصهيوني “دولة” محتلّة للقدس، ويرفض السيادة “الإسرائيلية” عليها. وقبله أصدرت اليونسكو أكثر من قرار يتعلّق بالمقدّسات في فلسطين، منها قرار يقضي بأنَّ المسجد الأقصى من “المقدّسات الإسلامية الخالصة”، وأن لا علاقة لليهود به. وأدرجت اليونسكو 55 موقعاً تراثياً في العالم على قائمة المواقع المعرّضة للخطر، ومنها البلدة القديمة في القدس المحتلّة وأسوارها، الأمر الذي خلّف غضباً واستنكاراً في إسرائيل.

المعركة بالنسبة إلى إسرائيل هي معركة “التنظيم والترسيم” للحرم القدسيّ، يخشى الإقليم العربي من استغلال التحوّلات السياسية العاصفة للتلاعب بوضعيّة القدس والمسجد الأقصى

موقف الأردن

فجّرت الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، والمخطّط اليهودي للتقسيم المكاني والزماني للحرم، سلسلة من التوتّرات في العلاقات بين عمّان وتل أبيب، على اعتبار أنّ المملكة الأردنية لها حقّ الوصاية على المقدّسات الإسلامية والمسيحية بمدينة القدس المحتلّة.

على إثر ذلك توجّه العاهل الأردني الملك عبد الله إلى اجتماعات عمل في الولايات المتحدة ستتناول الوضع في المسجد الأقصى المبارك، وسيحاول الأردنيون أن يشرحوا للأميركيين أنّه من أجل جلب الهدوء إلى المسجد، يجب الالتزام بتفاهمات عام 2014 التي قادها وزير الخارجية آنذاك جون كيري، وتمّ الاتفاق وفقها على أن يكون الأقصى لصلاة المسلمين فقط، بينما يمكن لأبناء الأديان الأخرى أن يزوروه لكن بلا صلاة.

أكّد رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، أنّ “الأردن لن يقف على ضفّتين في ما يتعلّق بالقدس المحتلّة والمقدّسات المسيحية والإسلامية، بل يقف على قلب رجل واحد”، وقال خلال كلمة له أمام جلسة لمجلس النواب: “لمسنا مدخلاً لمحاولة تقسيم مكانيّ وزمانيّ للمسجد الأقصى”، وأشار إلى أنّ “الأردن يرفض كلّ التبريرات الإسرائيلية التي تدّعي حقّ الشرطة الإسرائيلية بفرض زيارات لغير المسلمين للحرم القدسيّ الشريف”، وقال إنّه “حقّ حصريّ” لإدارة الأوقاف الإسلامية.

 

مخطط منذ 1967

رغم ذلك تزداد إجراءات التقسيم الزماني والمكاني يوماً بعد يوم، وبلغت ذروتها العام الحالي وفي الأعوام الثمانية الماضية. فمع نهاية تشرين الأوّل 2014 أخذ التقسيم منحى جديداً وخطيراً، إذ للمرّة الأولى منذ عام 1967 أغلقت سلطات الاحتلال بوّابات المسجد الأقصى أمام المسلمين، بمن فيهم العاملون فيه، وأتبعت ذلك بفرض قيود عام 2015 حالت دون دخول النساء إليه في الفترات المخصّصة لاقتحامات المستوطنين، إلى جانب إبعاد مصلّين بأوامر شرطيّة، ومنعهم من دخوله لفترات. وتزامنت تلك الإجراءات مع اتّهام المرابطين والمرابطات في الأقصى بالخروج على القانون، وتمّ تصنيفهم تنظيماً إرهابياً.

أمّا الإجراءات الفعليّة للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى على وجه التحديد فقد بدأت عام 1967 مع احتلال مدينة القدس وما تبقّى من أراضي فلسطين بعد النكبة. آنذاك اقتحم الجنرال الصهيوني “مردخاي جور” المسجد مع جنوده، ورفع علم الكيان الصهيوني على قبّة الصخرة، ومنع الصلاة فيه، وصادر مفاتيح أبواب المسجد وأغلقه أسبوعاً كاملاً، ومُنعت فيه الصلاة ولم يُرفع الأذان. بعدئذٍ قرّرت قاضية في المحكمة المركزية الإسرائيلية أنّ لليهود الحقّ في الصلاة داخل الحرم بدءاً من عام 1976.

تعكف حاليّاً الحركة الكهانية، بقيادة عضو الكنيست إيتمار بن غفير، إلى إثارة المشاكل والاستفزازات في القدس المحتلّة والأقصى، التي تهدف حسب الأسطورة اليهودية إلى التمهيد “لاندلاع حرب يأجوج ومأجوج التي في نهايتها يترجّل المخلّص المنتظر ويشيّد الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى”، ثمّ “يطرد الفلسطينيين ويدفع الخونة (اليهود) إلى مقصلة الإعدام”.

إقرأ أيضاً: هل نجحت حماس في “ربط” الأقصى بغزّة؟

في حين أنّ المعركة بالنسبة إلى إسرائيل هي معركة “التنظيم والترسيم” للحرم القدسيّ، يخشى الإقليم العربي من استغلال التحوّلات السياسية العاصفة للتلاعب بوضعيّة القدس والمسجد الأقصى، وهو ما يمكن أن يورّط كامل الإقليم في توتّرات كبيرة قد تؤدّي إلى حرب إقليمية. لهذا يضغط “الإقليم” على القيادات في الضفّة وغزّة على حدٍّ سواء، للبحث عن مساومات مؤقّتة قبل فوات الأوان، وقبل الانفجار الشامل.

 

* كاتبة فلسطينيّة مقيمة في غزّة

إقرأ أيضاً

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…

اللاءات الأربع للحزب تفرمل الخماسية..

في مقابل الحراك الدولي والداخلي الناشط بكلّ الاتّجاهات، جنوباً ورئاسيّاً ونزوحاً سوريّاً، تؤكّد أوساط مطّلعة لـ “أساس” أنّ تحرّكات الدول المعنيّة بخفض التصعيد على الحدود…

إيران وإسرائيل: نتّجه لحرب استنزاف طويلة بالمنطقة

بين ردّ إيران الضخم على قصف القنصلية الإيرانية في سوريا، وردّ إسرائيلي محدود على الردّ الإيراني. تتّجه المنطقة كلّها، بحسب مصادر مطّلعة على أجواء قوى…

ليلة قصف إسرائيل: هل تقرّر أميركا إسقاط نظام إيران؟

بين عامَي 2023 و2024 وقعت أحداث ستشكّل تحوّلات كبيرة في تحالفات المنطقة وخريطتها الجيوسياسية. منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) وتنفيذ حماس عملية “طوفان الأقصى”….