العدوّ الحقيقيّ بالمفهوم الإيرانيّ: عربيّ أم إسرائيليّ؟

كلمة سماحة السيد حسن نصرالله لمناسبة يوم القدس هي تأكيد على أنّ “سماحته” قد تجاوز دور الأمين العام لحزب الله اللبناني إلى دور الأمين العام للمشروع الإيراني الإقليمي في العالم العربي.

كلمة سماحة السيد تحمل في طيّاتها 3 رسائل إيرانية لثلاث جهات غير لبنانية واضحة وصريحة:

الجهة الأولى: إلى حكومات الدول العربية التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل.

الجهة الثانية: إلى إسرائيل ذاتها.

الجهة الثالثة: إلى فريق المفاوضين “5+1” في فيينا.

خطاب السيد هو رسالة قلق إيراني تحمل تهديداً للدول العربية المنسِّقة مع إسرائيل، وتلوِّح صراحةً بلجوء “محور المقاومة الإقليمي” بقيادة حزب الله إلى استخدام القوّة

تأتي هذه الرسائل في وقت دقيق وحسّاس ومصيري دوليّاً لأنّه التوقيت نفسه الذي يتمّ فيه تقييم المراكز الاستراتيجية ومناطق النفوذ في العالم، حسب نتائج العمليات العسكرية على مسرح أحداث الحرب الأوكرانية – الروسية.

لماذا هذا الخطاب الآن؟ ولماذا هذه الرسائل؟ وما هو معناها؟

يمكن القول إنّ السيد نصرالله أصبح الآن جاهزاً أكثر من أيّ وقت آخر للإفصاح بشكل صريح عن ذلك الدور الذي عُهد إليه به منذ مطلع العام 2016 من قبل رفيق عمره الجنرال قاسم سليماني بمباركة المرشد الأعلى الإيراني.

ذلك الدور هو أنّه أصبح مفوّضاً من المرشد الأعلى الإيراني بالإدارة التعبويّة للمشروع الإقليمي لطهران في العالم العربي.

وبناءً عليه يمكن فهم دور حزب الله اللبناني في الحرب الأهلية في سوريا، وفي دعم حركة حماس، وفي رعاية ميليشيات الحوثي في اليمن، وفي دعم الحشد الشعبي العراقي بالتنسيق الكامل مع الحرس الثوري الإيراني تمويلاً وتسليحاً وتدريباً.

 

توسّع عمليات الحزب

هذا التفويض الواضح أصبح واضحاً تماماً بوجود خبراء حزب الله على مسارح العمليات في اليمن والعراق وسوريا، وعلى مسارح العمليات الفعليّة إلى حدّ أنّ لبنان شهد تشييع جثامين المئات من ضحاياهم، رؤى العين، بالصوت والصورة.

وبهذا التفويض أشرف حزب الله اللبناني على نقل السلاح إلى مسارح العمليات لحماس في فلسطين والحوثي في اليمن والحشد الشعبي في العراق والميليشيات الإيرانية في سوريا.

بهذا التفويض أصبح الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب التابع لحزب الله اللبناني هو المنصّات المباشرة التي تعلن على الهواء مباشرة بيانات الحوثي والحشد الشعبي والمعارضة الشيعية في البحرين وقادة حماس.

حتّى قيمة موازنات دعم “محور المقاومة” أو نوعية احتياجات التسليح لهذه القوى أصبحت جزءاً من مسؤوليات قيادة حزب الله اللبناني أو جزءاً منها على الأقل.   

بهذا المفهوم أصبح حزب الله اللبناني “تنظيماً عابراً للمحلّيّ اللبناني”، بل لاعباً إقليمياً مركزياً يدير أربعة مسارح عمليات عسكرية تؤثّر في المنطقة، وتُقلق أصحاب المصالح الدولية في الإقليم.

خطاب سماحة السيد في يوم القدس بعد ظهر يوم الجمعة الفائت يحمل دلالة مختلفة عن الخطب السابقة في الاحتفال السنوي عينه الذي يتكرّر سنوياً بناء على دعوة من الإمام آية الله الخميني.

خطاب سماحة السيد هذه المرّة يأتي وهناك أربعة متغيّرات رئيسية:

1- تسخين الوضع الحالي داخل وحول مدينة القدس خلال شهر رمضان المبارك، ما ينذر بمواجهات بين ائتلاف اليمين المتشدّد الإسرائيلي الحاكم وحركة حماس الإسلامية.

2- الانشغال الاستراتيجي العالمي بمركز الصراع الجديد المتمثّل بالحرب الأوكرانية – الروسية.

3- الخلاف بين حكومة نفتالي بينيت الإسرائيلية وإدارة جو بايدن في البيت الأبيض حول ضرورة عدم إنجاز الاتفاق النووي مع إيران، ومخاطر إعادة تأهيلها، ورغبة إسرائيل في عدم تسريع إنجاز هذا الاتفاق تحت دعوى أهمية دخول النفط والغاز الإيرانيين إلى أسواق العالم للتعويض عن نفط وغاز روسيا المعاقَبة دولياً، التي تشترط الآن تعديل العملة المتداولة لتسعير الغاز والنفط، ودفع قيمتهما، من الدولار الأميركي إلى الروبل الروسي.

4- القلق الإيراني الشديد من اللقاءات الإقليمية الأخيرة بين مصر والأردن والإمارات والسعودية في العقبة وشرم الشيخ والقاهرة، ثمّ في النقب مع إسرائيل للتعاون الاستراتيجي بين هذه الدول.

 

الاعتدال العربي وإسرائيل

ترى طهران أنّ صعود معسكر الاعتدال العربي، وقيامه بمدّ الجسور مع “العدوّ” الإسرائيلي أخيراً، والتفاهم الاستراتيجي حول شكل المنطقة في حال إتمام اتفاق أميركي – إيراني، يمثّل خطراً عظيماً على المصالح الإيرانية، وعلى مصالح حلفائها في المنطقة.

خطاب سماحة السيد هو رسالة قلق إيراني تحمل تهديداً للدول العربية المنسِّقة مع إسرائيل، وتلوِّح صراحةً بلجوء “محور المقاومة الإقليمي” بقيادة حزب الله إلى استخدام القوّة بتمويل وتدريب وتسليح من إيران.

كأنّ سماحته يقول إنّ طهران تقول لكم: “إمّا إنجاز الاتفاق سريعاً مع إيران، ولتذهب المخاوف الخليجية والإسرائيلية إلى الجحيم، وإمّا نعدكم بإشعال المنطقة من صنعاء إلى بغداد ومن دمشق إلى غزة”.

أخطر ما في دروس الحرب الروسية – الأوكرانية أنّ ما قام به جيش روسيا الاتحادية يؤكّد أنّ أيّ لاعب إقليمي يستطيع في ظلّ هذا النظام الدولي المرتبك وتلك الإدارة الأميركية العاجزة وهذا الاقتصاد العالمي المترنّح من آثار فواتير الكورونا وارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، أن يقوم بممارسة تغيير قواعد اللعبة، وممارسة القوّة المسلّحة لتغيير المصالح الاستراتيجية على أرض الواقع ومسرح عمليات الصراعات.

ها هي “القدس” تعود إلى الواجهة كلافتة لتسخين الصراع في المنطقة وكذريعة تُستخدَم لأدوار بعيدة عن النوايا النبيلة لتحريرها من أسر الاحتلال الصهيوني الوحشي.

إقرأ أيضاً: “الجنرال وقت” يضغط على الجميع!

إنّ على “مشروع التحرير الشامل” من قبل ما يُعرف بـ”محور المقاومة” في المنطقة أن يركّز، بدلاً من إطلاق الصواريخ على المدن السعودية والإماراتية، على توجيه إحداثيّاتها الدقيقة إلى من يحتلّ القدس الشريف ويقوم بإذلال ممنهج لأهلنا الصامدين في فلسطين.

السؤال العظيم: هل كلّ هذا التسخين الإقليمي الأخير يرى أنّ تعريف العدو بمفهوم الحرس الثوري الإيراني هو في إسرائيل؟ أم أنّ العدو بات هو معسكر الاعتدال العربي؟

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…