بعيدا عن الدوائر التي التحق بها رئيس التيار الوطني الحر بالثنائي الشيعي “يلّي ما خلّاه يشتغل” خلال سنوات وجوده في السلطة، بدا التخبط والارتباك واضحا في لوائح التيار الوطني الحر في الدوائر الاكثر حساسية بالنسبة إليه، وفي الدوائر التي كان له حيثية كبيرة فيها، على حد سواء:

1- البترون: البداية من عقر دار باسيل، حيث لا حليف له في دائرة الشمال الثانية سوى مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي، المحسوب على “مكتب الروشة”، أي على القيادة القومية المنتخبة، وهو الدكتور وليد العازار، الذي لا يحظى بدعم غالبية القوميين في المنطقة ولا يستطيع مواجهة النائب سليم سعاده الذي انضم الى لائحة المرده. وهي اللائحة التي أصابت باسيل في الصميم بعد انضمام وليام طوق اليها. مصادر متابعة لمسار التحضيرات الانتخابية في الشمال تتحدث عن خطوط تواصل كانت مفتوحة بين باسيل وطوق على أن ينضمّا معاً في لائحة واحدة. إلا أنّ ناخبي طوق عبروا عن رفضهم واعتراضهم، لما لباسيل من وقع سلبي عليهم. فما بقي لباسيل إلا أن يؤلّف لائحة متواضعة انضمّ إليها المرشح وليد العازار.

الدوائر التي يبدو فيها التخبط واضحاً سبق أن شكّلت عصب التيار الوطني الحر في الدورات السابقة. فتحوّلت من دوائر تؤكّد حيثية التيار الشعبية إلى دوائر أزمات متكررة

2- المتن: سيكون على التيار الوطني الحرّ أن يهتمّ بمعركته الداخلية بين المرشحين الماروني ابراهيم كنعان والكاثوليكي ادغار معلوف، قبل الاهتمام بالمعركة المتنية الطاحنة. هذه المرة سيكون للكتائب اللبنانية حضور اكبر من كل المرات السابقة، على ما يقول معنيون بالشأن المتني. اما المعركة الاكبر فهي مع القوات اللبنانية التي قررت ان ترشح الكاثوليكي ملحم الرياشي، صانع وثيقة “اوعا خيك” وصاحب الحيثية المميزة في القوات. يقول العاملون في الساحة المتنية ان معركة التيار في لبنان تساوي معركته في المتن بين ملحم الرياشي وادغار مغلوف. “ادي” يمثل وجدان التيار الصرف وأن يسقطه الرياشي يعني توجيه صفعة مباشرة من سمير جعجع لجبران باسيل. غير أنّ المفارقة التي يقع فيها التيار حائرا هي ان الاستطلاعات تؤكد ان التيار الوطني الحر سيفوز بمقعدين: مقعد ثابت للمرشح الياس ابو صعب على اعتباره يملك قاعدة شعبية من خارج التيار، ومقعد آخر يتراوح بين كنعان ومعلوف. ويضيف العاملون في الساحة المتنية ان امام باسيل امتحان صعب، فإما أن يوعز لجمهور التيار التصويت لكنعان أو لمعلوف مع العلم أنّ للأوّل حضور نيابي مميّز وتمثيل شعبي جدي، والا فالامور ذاهبة الى معركة داخلية بينهما سيكون لها تداعيات سلبية على المشهد العام. ومن يعرف باسيل جيدا يعرف انه اقرب الى اختيار الكاثوليكي معلوف. من جهة هو الاقرب اليه ومن جهة اخرى يسدد من خلاله ضربة قاسية لجعجع عبر إسقاط الرياشي. كما أنّ العلاقة بين باسيل وكنعان متوترة ولا كيمياء بينهما. كنعان ماروني من المتن له عمله البرلماني وقريب من رئيس مجلس النواب نبيه بري. وهذا كفيل بجعل باسيل أقرب الى معلوف منه.

3- في الشوف: المعركة الداخلية في المتن لها مثيلاتها في أكثر من دائرة. الشوف مثلاً وجزين. في الشوف أُجبر باسيل على قبول وجود مرشح رئاسي على لائحته: ناجي البستاني. وقد حاول باسيل إلزامه بأن يتعهد بالانضمام إلى تكتله، لكنّه فشل. إذ لا يمكن احتواء ناجي البستاني الذي يبرز اسمه في الأزمات على أنّه احتمال رئاسي قائم. بالاضافة إلى اضطرار باسيل للقبول بناجي البستاني. والا فلم يكن لينجح في أن يشكل لائحة وحده. كما تلوح في المشهد معركة داخلية بين المرشح الكاثوليكي العوني غسان عطالله والمرشح الماروني فريد البستاني القريب من العونيين. معركة داخلية أخرى سيضطر العونيون الى خوضها بعدما الزم النائب ماريو عون بالعزوف عن الترشيح. لهذا فهي ثقيلة لائحة التيار في الشوف، إلا أنّ احتمالات الربح فيها، في أفضل أحوالها، تقتصر على مقعدين كحد اقصى.

4- جزين: هناك المعركة طاحنة بين “لسان التيار”، كما يحب مناصرو النائب زياد اسود ان يسموه، بوجه رجل الأعمال المقرب إلى عقل وقلب رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار جبران باسيل، أمل أبو زيد. حاسماً كان الكشف عن تدخل عون وتعهده بالعمل لمصلحة أبو زيد ضد أسود. عام 2018 حصل أكثر من اشكال بين مناصري ابو زيد واسود وجرى احتواء الاشكالات على الارض بجهد كبير. لم تعد هذه هي الحال اليوم بعدما انفجر الخلاف بشكل علني واكثر حدة. ليصبح التيار أمام خلاف داخلي من جهة، وعجز باسيل عن تشكيل لائحة برافعة سنية من جهة اخرى. جدير بالذكر أنّه في العالم 2018 ادرك القاصي والداني في صيدا ان ثمة من يريد لبعض القوى فيها أن تكون رافعة لقوى أخرى في جزين. والتحالف الذي أمّن حاصلين للتيار في الدورة الماضية بفعل أصوات الجماعة الاسلامية وعبد الرحمن البزري في صيدا لم يعد ممكناً. فما كان على باسيل إلا أن يُجبر بقبول المرشح السني علي الشيخ عمار من الجماعة الإسلامية على لائحته. ومن المعروف أنّ علي الشيخ عمار من أشد المعارضين لعون وباسيل ومن أكثر من انتقدهم ووجه لهم اتهامات وصفات لا تليق بخصم فكيف بحليف على اللائحة نفسها؟

إقرأ أيضاً: لا يزال جبران باسيل حاجةً للحزب

لكن هل سيمنع الصوت السني الحاصل عن مرشحي التيار في جزين؟ سؤال يطرحه كثيرون في ظل ضعف حيثية علي الشيخ عمار السنية واشتداد المعركة مع القوات الحاصلة ضمناً مع الرئيس فؤاد السنيورة في صيدا، ومع الرئيس نبيه بري الذي له في تلك المنطقة رصيد مقعد نيابي عبر ابراهيم عازار ويطمح لمقعد ثانٍ في حال خسارة العونيين حاصلاً من حاصلين.

هذه الدوائر التي يبدو فيها التخبط واضحاً سبق أن شكّلت عصب التيار الوطني الحر في الدورات السابقة. فتحوّلت من دوائر تؤكّد حيثية التيار الشعبية إلى دوائر أزمات متكررة. وهنا بيت القصيد.