ما الذي يدور في رأس بوتين؟

2022-02-25

ما الذي يدور في رأس بوتين؟

مدة القراءة 4 د.

نواجه معضلة حقيقية في قراءة أو توقّع تطوّرات الأزمة الأوكرانية. مع أنّ الأطراف المعنية لديها ما يكفي ويزيد من أجهزة الاستخبارات والمراكز البحثية المهنية الباهظة التكاليف.

لهذه المعضلة سبب واحد ومركزي هو طريقة عمل قطب الأزمة الرئيسي فلاديمير بوتين، الذي يُجيد التكتّم على خطواته معتمداً مبدأ “اعمل ثمّ تكلّم”، وهو ما يضع المعنيّين بالمتابعة في حالة من التخمين أكثر من اليقين، وذلك على عكس الجالس أمامه إلى رقعة الشطرنج، الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يتكلّم كثيراً قبل أن يعمل قليلاً.

إذا كان لا بدّ من مقارنة بين طريقتيْ عمل قطبيْ الأزمة، فهنالك مسألة تبدو الأهمّ، وهي أنّ بوتين يعتمد على القوّة الذاتية المتوافرة لديه، وهي ضخمة وفي مكانها المؤاتي. أمّا بايدن فيعتمد على حلفائه البعيدين ذوي الأجندات المتباينة الذين بهم يخوض المعركة. وبالقياس إلى ضخامة القوّة الروسية، تبدو بيوت الحلفاء كأنّها من زجاج.

نظرية أنّه “يعمل ثمّ يتكلّم”، حين ينكر اتّهامه بالعمل على استعادة نفوذ الاتحاد السوفياتي، تجسّد قولاً وفعلاً طريقته في التصرّف

لا يعني ذلك أنّ بوتين يُلغي من حساباته التحالفات الضرورية في القضايا والمعارك الكبرى، بل على العكس من ذلك تماماً، وحسبه الحليف الصيني، بعبع أميركا الأوّل، الذي يجسّد الاحتياط الاستراتيجي لروسيا، لكن من دون مستوى الصخب الأميركي الذي يتجلّى في توظيف التحالف مع أوروبا بصورة أقرب إلى الغوغائية والتحريض والتوريط والدفع نحو المواجهة على أرضها وبما يعارض مصالحها.

 

ترامب المتربّص

إلى ذلك، هناك تطوُّر أجاد بوتين قراءته والتعامل معه، وهو أنّ روسيا زمن انهيار الاتحاد السوفياتي ليست هي روسيا الآن، وأنّ أميركا، التي فازت ولو مؤقّتاً في الحرب الباردة وتُوِّجت قطباً كونيّاً أوحد، هي ليست أميركا الآن. فالصراع الداخلي فيها بلغ درجة غير مسبوقة تجاوزت مفاعيله القدرات التقليدية الحاسمة للمؤسسات الأميركية على تقنينه وإيجاد الحلول المضمونة له.

فَمَن توقَّع أن يتعرّض الكونغرس لاقتحام مسلّح، وأن يعلن دونالد ترامب إعجابه بـ”عبقريّة بوتين” وخطواته الجبّارة في إدارة الأزمة الأوكرانية. هو المتربّص ببايدن، مستنداً إلى رصيد الجمهوريين، في الانتخابات العامّة.

هنالك عامل آخر يفرض نفسه على الأزمة ويُسجَّل لمصلحة روسيا، وهو العامل الجغرافي. فأوكرانيا المحاصَرة من داخلها ومن حولها جغرافيّاً وعسكريّاً لا تصلح منصّة أطلسية للصواريخ ولا ممرّاً آمناً لنفوذ أميركي غربي كان سهلاً زمن انهيار الاتحاد السوفياتي. وما يدلّل على ذلك أنّ تحميل أوكرانيا أكثر بكثير ممّا تحتمل من قبل أميركا بالذات، حوَّلها إلى ضحيّة ربّما يتحدّد مصير كيانها بقرارات من موسكو.

ما دامت اللعبة تتّصل بتطوّرات الحرب الباردة الجديدة ودعاماتها العسكرية والاقتصادية والتحالفيّة، فهي ما تزال في بداياتها. وما هو مخبوء في خزانة بوتين الجديدة، غير معروف منه إلا ما نفّذه. ولا أحد غيره يعرف ما الذي سيقدم عليه لاحقاً. وفي حرب باردة من هذا النوع تغطّي بعصفها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة الكون كلّه، فإنّ ما نحن فيه الآن يمكن وصفه بـ”مرحلة التساؤلات” غير المحسومة إجاباتها: فهل تواصل الأزمة الأوكرانية تدحرجها لتخلق واقعاً جديداً يكون مقدّمة لإنتاج نظام دولي جديد؟

ذلك أقرب إلى الواقع لأنّ التاريخ قال لنا إنّ أوروبا موطن الحروب الكونية، ومنها يولد أيّ نظام جديد.

وهل يتوقّف بوتين عند ما وصلت إليه القوات والميليشيات الروسية أم يواصل التقدّم إلى أن يتجاوز كييف؟ هل تقيم روسيا نظاماً سياسياً موالياً في أوكرانيا أم تحصل على تسوية لمصلحتها بحجم المخاوف التي تسبّب بها الجيش الروسي الضخم بحشوده واجتياحاته حتى الآن؟ هل تواصل أوروبا تردّدها ومحاولاتها اليائسة من أجل إيجاد مساحة استقلال نسبيّ أو بعض دور لها في معمعة الكبار؟

إقرأ أيضاً: سيرة بوتين.. طفل الصدفة ستالين بلا شاربين

لا إجابة يقينيّة عن هذه التساؤلات والكثير الكثير غيرها، إلا أنّ السؤال الأكبر الذي يحيّر العالم كلّه هو: “ما الذي يدور في رأس بوتين”؟ صاحب الصندوق الأسود ومنتج صاروخ الشيطان الرهيب وفاتح النفوذ الروسي في الشرق الأوسط ومعتنق حلم استعادة نفوذ الاتحاد السوفياتي.

ونظرية أنّه “يعمل ثمّ يتكلّم”، حين ينكر اتّهامه بالعمل على استعادة نفوذ الاتحاد السوفياتي، تجسّد قولاً وفعلاً طريقته في التصرّف.

إقرأ أيضاً

التسوية: لا ثقة للعرب برعاتها وأطرافها

ما صدر عن القمة العربية في البحرين هو الحدّ الأقصى من العمل الدبلوماسي المنضبط في ظلّ عالم مرتبك شديد السيولة، لا ثقة لدى الدول العربية…

هل توفير الحماية الدّوليّة للفلسطينيّين ممكن؟

سارعت الولايات المتحدة إلى إجهاض الإعلان الأهمّ الصادر عن القمّة العربية في البحرين، الداعي إلى نشر قوّات أممية في الأراضي المحتلّة لحماية الفلسطينيين إلى حين…

هل تتكرّر تجربة عون: انتخاب رئيس قبل عودة ترامب؟

هناك قدرة لبنانية على ربط انتخاب رئيس الجمهورية بكلّ مواعيد الاستحقاقات الخارجية، باستثناء المهل الدستورية اللبنانية لكلّ استحقاق. على رأس هذه الاستحقاقات الخارجية الانتخابات الرئاسية…

كيف تقضي الرأسماليّة الصهيونيّة على قوّة أميركا الناعمة؟

“مرّ الكلام زي الحسام يقطع مكان ما يمرّ أمّا المديح سهل ومريح يخدع لكن بيضرّ والكلمة دين من غير إيدين بس الوفا عالحرّ” (أحمد فؤاد…