استطلاعات “التيار”: حرب باسيل مع نوابه

2021-11-10

استطلاعات “التيار”: حرب باسيل مع نوابه

مدة القراءة 8 د.

غاب النواب إبراهيم كنعان وآلان عون وزياد أسود وحكمت ديب وسليم عون عن الاجتماع الذي دعا إليه النائب جبران باسيل يوم الإثنين في مقرّ مركزيّة التيار الوطني الحرّ لإعلان نتائج الاستطلاع الداخلي التمهيدي لاختيار مرشّحي “التيار” في انتخابات نيابية لا تزال في علم الغيب، ويتوجّه نوّاب التيار إلى الطعن بقانونها.

غياب بعض هؤلاء كان فاقعاً ويعكس حالة الاحتقان والتوتّر داخل الحزب البرتقالي. وما عاد سرّاً أنّ بعض النواب العونيين لا يربطهم بباسيل اليوم سوى وجود ميشال عون في القصر الجمهوري، والمصلحة الانتخابية الضيّقة.

حتّى حزب الله، الحليف السياسي الثابت للتيار، قد تتكرّر تجربة التحالف معه في بعض المناطق كدائرة بيروت الثانية وبعبدا والمتن، فيما يُترَك للتنافس مداه في أماكن أخرى

ما عدا ذلك، تكبر مسافات التباعد بين الطرفين، وقد كرّستها أكثر طريقةُ نائب البترون في الدعوة إلى الاستطلاع الداخلي، ونتائجه، ونسبة المشاركة فيه التي كانت ضئيلة جدّاً، والتشكُّك في آليّة الفرز، مع العلم أنّ التصويت أُجرِي إلكترونيّاً، وجزء منه من خلال الاتصال الهاتفي.

باسيل لم يَسمح بنشر نتائج الاستطلاع “تفادياً لتوتير الأجواء”، ولم يبلّغ المحازبين بموعد الجولة الثانية من الاستطلاع التي ستخرج من الإطار الحزبي الملتزم لتشمل رأي القاعدة في التيار، بين مؤيّدين ومناصرين.

فكما باغت الحزبيّين بالدعوة إلى إجراء الاستطلاع لاختيار المرشّحين الحزبيين بفارق ساعات قليلة عن صدور التعميم بذلك، سيفعل ذلك مجدّداً تجنّباً لتوسيع رقعة الشرخ الداخلي بين المحازبين.

ويرى كثيرون في هذا المشهد “تهريجاً” يسبق انتخابات ستكون كلمة الفصل فيها للتحالفات، في أقسى معركة نيابية يخوضها العونيون منذ عودة “الجنرال” من المنفى، والتي لا تحتمل “مزاح” الاستطلاعات الداخلية.

سبق لباسيل أن أعلن، ومن ضمن جردة حساب مع الحلفاء الذين غادروا طاولة تكتّل لبنان القوي، أنّ التيار لن يتوانى عن خوض الانتخابات بمرشّحين حزبيّين في كلّ المناطق.

يبدو الأمر بديهيّاً في ظلّ خسارة رئيس التكتّل معظم الحلفاء الذين خاض معهم انتخابات 2018. حتّى حزب الله، الحليف السياسي الثابت للتيار، قد تتكرّر تجربة التحالف معه في بعض المناطق كدائرة بيروت الثانية وبعبدا والمتن، فيما يُترَك للتنافس مداه في أماكن أخرى. الأهمّ أنّ باسيل قرّر حصر الترشيحات للنيابة بمرشّح حزبي واحد في كلّ دائرة أو قضاء منعاً لتشتّت الأصوات التفضيليّة، مع استثناء متوقّع في بعبدا وجزين وكسروان.

باسيل لم يَسمح بنشر نتائج الاستطلاع “تفادياً لتوتير الأجواء”، ولم يبلّغ المحازبين بموعد الجولة الثانية من الاستطلاع التي ستخرج من الإطار الحزبي الملتزم لتشمل رأي القاعدة في التيار، بين مؤيّدين ومناصرين

وسجّلت ترشيحات المرحلة الأولى التمهيدية الوقائع الآتية:

 – ميل بعض المرشّحين إلى تقديم مصلحة “البيزنس” على الالتزام الحزبي، والأخذ بالاعتبار أزمة لبنان مع دول الخليج. هكذا اعتذر النائب الياس بو صعب عن المشاركة في الاستطلاع. وقال باسيل أمام المحازبين إنّه “يتفهّم ظروف الياس بو صعب الخاصّة جدّاً”. بديل النائب الأرثوذكسي في قضاء المتن قد يكون جاهزاً بعد حلول هشام كنج ثانياً في الاستطلاع بعد إبراهيم كنعان الذي حلّ أوّلاً. لكن في نظام “رئاسيّ” لا كلمة تعلو فيه على كلمة جبران، ومع إعلان بو صعب في بيانٍ خطّيّ عدم ترشّحه في الانتخابات النيابية المقبلة “إلا إذا ارتأت القيادة الحزبية خلاف ذلك”، يبقى اسم بو صعب حاضراً. الأخير، وللمفارقة، حَجَب نفسه طوال الفترة الماضية عن الظهور الإعلامي في مهمّة الدفاع عن العهد بخلاف قيادات عونية أخرى، وفضّل وزير الدفاع السابق تركيز حملاته بوجه أداء الجيش في ملفّ التهريب على الحدود.

– لم يجرؤ مرشّح حزبيّ على منافسة جبران باسيل على مقعده النيابي في البترون، لكنّ نسبة التصويت المتدنّية كانت مفاجِئة. وحتى كتابة هذه السطور يمكن القول إنّ جبران باسيل لا يضمن مقعده النيابي في دائرة تضمّ وفق القانون الحالي البترون وبشرّي وزغرتا والكورة. وكان في 2018 خاض الانتخابات في هذه الدائرة متحالفاً مع تيار المستقبل وميشال معوّض ضدّ تيار المردة والقومي والقوات.

– في قضاء كسروان “عرين” ميشال عون الانتخابي انفردت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني بتقديم ترشيحها، متسلّحة بفائض من “خدمات” توزيع المازوت المدعوم، بشهادة العونيين أنفسهم. حتّى النائب الحالي روجيه عازار لم يشارك في الاستطلاع على الرغم من أنّه “بولدزر خدمات”، والتيار استفاد كثيراً من سخاء “عطاءاته” الماليّة. وعازار لم يشارك عام 2018 أيضاً في استطلاع الرأي، لكنّ باسيل طرح ترشيحه، خلافاً للنظام الداخلي، استناداً إلى صلاحيّاته المطلقة داخل التيار، وقد برّر عدم مشاركته بـ “الأسباب الخاصة”. أمّا شبكة تحالف التيار في دائرة ميشال عون الانتخابية فلا تزال غامضة، بعدما انكسرت الجرّة مع شامل روكز ونعمة إفرام، في ظلّ خصومة سياسية مع القوات والمردة وفريد هيكل الخازن، وتراجع أرقام التيار في “عاصمة الموارنة”. وبينما أشار استطلاع للرأي أعدّته شركة “Acurate” للاستطلاع إلى حلول نعمة إفرام أوّلاً، يليه مرشّح التيار، فمرشّح القوات، ثمّ فريد هيكل الخازن، يسعى التيار إلى التحالف مع منصور البون. أمّا زياد بارود فلن يعيد التجربة الفاشلة مع العونيّين.

بينما تتمدّد الحساسيّات الحزبية بين العونيين في أغلبيّة المناطق، تشكّل منطقة جزين “وجع رأس” حقيقيّ لباسيل بسبب “الحالة الخاصّة” للنائب زياد أسود الذي حلّ ثانياً في القضاء بعد النائب السابق أمل أبو زيد

– احتمال استبعاد نواب حاليّين من السباق الانتخابي بعدما حلّوا في المراتب الأخيرة كالنائب ماريو عون في الشوف وحكمت ديب في بعبدا. والأخير تقدّم عليه الناشط الحزبي ربيع طراف والناشطة نادين نعمة. وذلك في مقابل حلول نواب كآلان عون وسيمون أبي رميا وسليم عون وأسعد درغام وإبراهيم كنعان وأمل أبو زيد وسيزار أبي خليل في المركز الأوّل في مناطقهم الانتخابية.

– بينما تتمدّد الحساسيّات الحزبية بين العونيين في أغلبيّة المناطق، تشكّل منطقة جزين “وجع رأس” حقيقيّ لباسيل بسبب “الحالة الخاصّة” للنائب زياد أسود الذي حلّ ثانياً في القضاء بعد النائب السابق أمل أبو زيد. أسود لم يكن لديه أيّ مشكلة أن يتحدّث عن “استبدال المنافقين والمرتكبين وأصحاب الفضائح والشركات الوهميّة والارتباطات الحزبيّة المناقضة لتوجّهات التيار بالمناضلين”، وتأكيد أنّه لم يشارك في هذه العملية “بسبب تحفّظاتي عليها”، كاشفاً عن وجود بطاقات حزبية وهميّة و”رغبة لدى البعض بالتسلية وفبركة إحصاءات وعدم تقدير حجم التغيير الكبير على المستوى الشعبي بعد 17 تشرين”. كلّ ذلك في وقت يرتفع منسوب الخلافات بينه وبين عونيّي جزين، وهو ما سيُحوِّل القضاء إلى ساحة “تكسير رؤوس”.

– برزت للمرّة الأولى ترشيحات حزبية من الطائفة الشيعية عن دائرة النبطية مرجعيون حاصبيا (الجنوب الثالثة).  وفيما جاءت أرقام المرشحيّن نجيب الهادي (شيعي) وأوديل سلامة (أرثوذكسية ومنسّقة سابقة) في مرجعيون- حاصبيا ضعيفة، سجّل الناشط  الحزبي خالد مكي رقمًا عاليًا من أصوات العونيين في النبطية، مع إقبال ملفت على التصويت في بقعة انتخابية تعتبر “مُغلقة”. وهو يتولّى مهام “منسّق هيئة القضاء” منذ 2017. ولم تسجّل ترشيحات في المقابل في بنت جبيل والزهراني وصور. ويُذكر أنّ التيار تحالف عام 2018 في دائرة النبطية -مرجعيون – حاصبيا مع المستقبل ضد الثنائي الشيعي والحزب القومي، وفي دائرة جزين – صيدا مع  الجماعة الإسلامية ضدّ الثنائي الشيعي والمستقبل، وفي صور – الزهراني مع الشيوغي ضد أمل وحزب الله، وفي البقاع الغربي مع الثنائي الشيعي ضد المستقبل، وفي بعلبك – الهرمل مع البعث ضد المستقبل وأمل وحزب الله.

إقرأ أيضاً: استطلاعات “متعثّرة” لمرشّحي “التيّار”… وجبران يقرّر

هذه عيّنة من خلطة تحالفات هجينة أعطته كتلةً من 29 نائباً لم تلبث أن شهدت “تسرّباً” لنواب غادروا طاولة التكتّل. وقد كرّست التحالفات يومها انفصاماً كاملاً في أداء باسيل المبنيّ على المصلحة الانتخابية بعيداً عن البرنامج السياسي والانسجام مع “الخطّ الإصلاحي” الذي يرفع شعاره. هكذا وقف التيار مع “المستقبل” والطاشناق في بيروت الأولى، وضدّ “المستقبل” ومع الثنائي الشيعي والأحباش في بيروت الثانية، ومع “المستقبل” ضدّ أمل وحزب الله في زحلة، وضدّ “المستقبل” والاشتراكي ومع طلال إرسلان والقومي و”الثنائي” في الشوف وعاليه، ومع الثنائي ضدّ القوات والاشتراكي في بعبدا، وضدّ الثنائي في كسروان وجبيل، ومع “المستقبل” في البترون وزغرتا وبشرّي والكورة، وضدّ “المستقبل” في عكّار وطرالبس والمنية  والضنّية، ومع القومي والطاشناق في المتن.

إقرأ أيضاً

الورقة الفرنسية: سياسة العصا والجزرة

 لحظة تسلّم رئيس مجلس النواب نبيه بري الورقة الفرنسية فضّل الاطّلاع عليها منفرداً في منزله. في اليوم الثاني أسرّ لمحيطيه بمضمونها السلبي. مجرد تسريب خبر…

هل يدفع الحزب رئاسيّاً… ليحمي ظهره بعد “التسوية”؟

ليست المواجهة في المشهد اللبناني بين الحزب وإسرائيل فقط. لأنّ الأميركيين منذ ما قبل الانهيار في البلد، قرّروا الاستغناء عن “الدور بالوكالة” ودخلوا بالأصالة لتخليص…

من يسعى لشيطنة السُنّة في لبنان؟

من يسعى لشيطنة السُنّة في لبنان، من صيدا إلى طرابلس وعكّار، مروراً بالعاصمة بيروت؟ المشهد ينسخ نفسه ظهور مسلّح نافر ومستفزّ تشهده مراسم التشييع التي…

البيسري في سوريا: محاصرة النزوح!

 يزاحم ملفّ النزوح السوري كلّ الملفّات الطارئة، وعلى رأسها مصير الورقة الفرنسية المعدّلة وردّ الجانبين اللبناني والإسرائيلي عليها. زيارة اليوم لكلّ من الرئيس القبرصي نيكوس…