استثمار العهد في العزلة العربية

لا يحتاج عهد الرئيس ميشال عون في سنته الأخيرة إلى مراجعة. فما وصلت إليه أوضاع لبنان من انهيار اقتصادي ونكبة اجتماعية وعقم سياسي، وأخيراً عزلة عربية، أوضح دليل على مسار العهد ونتائج سياساته. إلّا أنّ العهد، كما حليفه حزب الله، يمتهنان المكابرة على الواقع. فقد أعلن الرئيس عون أنّ السنة الأخيرة من ولايته ستكون سنة الإصلاحات، فيما الواقع يشير إلى أنّها سنة النكبات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية. وأمّا الحزب فهو لا يتطلّع إلى الواقع اللبناني إلّا من زاوية مصلحته الاستراتيجيّة، ولذلك تنمّ مكابرته على الواقع الانهياريّ عن اعتراف ضمنيّ بأنّ هذا الواقع يصبّ في أهدافه الاستراتيجيّة المتمثّلة في ضمّ لبنان كليّاً إلى المحور الإيراني.

ما قول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إنّ هذه الأزمة سببها هيمنة وكلاء إيران على لبنان، إلا انعكاس للنظرة السعوديّة الراهنة إلى لبنان بوصفه بلداً حوّله الحزب، بتغطية مباشرة من العهد وتواطؤ أو استسلام من جانب غالبيّة القوى السياسية

وعندما يقول الحزب والعهد وتيّار المردة إنّ الأزمة الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية تتجاوز مواقف النجم التلفزيوني جورج قرداحي، فإنّهم عمليّاً يتنصّلون من أيّ مسؤوليّة اتّجاه الأزمة أيّاً تكن تداعياتها الكارثيّة على اللبنانيين. وكأنّ المسؤولة عن تلك الأزمة هي السعوديّة، فيما يتلقّى الحوثيّون، الذين يهدّدون أمنها بالطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية، دعماً إعلامياً وسياسياً وعسكرياً مباشراً من قبل الحزب في لبنان واليمن على السواء.

وما قول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إنّ هذه الأزمة سببها هيمنة وكلاء إيران على لبنان، إلا انعكاس للنظرة السعوديّة الراهنة إلى لبنان بوصفه بلداً حوّله الحزب، بتغطية مباشرة من العهد وتواطؤ أو استسلام من جانب غالبيّة القوى السياسية، إلى قاعدة إيرانية على البحر الأبيض المتوسط يتمّ من خلالها تهديد أمن المملكة واستقرارها عبر الدعم المقدَّم من قِبل الحزب للحركة الانقلابيّة في اليمن.

وإذا كان صحيحاً القول إنّ الأزمة بين لبنان ودول الخليج العربي ذات طابع إقليمي، فإنّ الصحيح أكثر أنّ هذه الأزمة إقليمية لأنّ لبنان تحوّل لاعباً إقليميّاً ضدّ استقرار دول الخليج، وفي مقدَّمها السعودية. وليس كما يقول الحزب وحلفاؤه من أنّ الرياض تصعّد موقفها من لبنان “الضحيّة” في إطار المواجهة الإقليمية الكبرى. وكأنّ لبنان ينأى بنفسه عن هذه المواجهة ولم يحوِّله الحزب والعهد إلى طرف أساسيّ فيها، وبالتحديد ضدّ السعودية.

الحزب ودوره اليمني

ليس هناك أدنى شكّ في أنّ تصعيد الدول الخليجية الثلاث لموقفها من لبنان يأتي في لحظة إقليمية – دولية محدّدة، سمتها الرئيسية تزايد العقبات والتعقيدات أمام إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، وانعكاس ذلك تصعيداً عسكريّاً وسياسيّاً على امتداد خرائط النزاع في المنطقة من مأرب إلى شمال شرق سوريا، مروراً ببغداد وبيروت، مع فارق جديد يتمثّل في توسّع هوامش الحركة لدى القوى الإقليمية الحليفة لأميركا. لكنّ ذلك كلّه لا يلغي أصل الأزمة اللبنانية مع السعودية والإمارات والكويت، المتمثّل في هيمنة إيران على لبنان وتوظيفها له في صراعاتها السياسية والعسكرية في المنطقة، وبالأخصّ في سوريا واليمن.

في النتيجة كان من الطبيعيّ أنّ الحزب والعهد لن يكترثا للعزلة العربية التي استجرّوها على لبنان. هما اللذان لم يرفّ لهما جفنٌ من جرّاء الفراغ الحكومي، الذي بلغ 696 يوماً خلال خمس سنوات من عمر العهد، أي نحو سنتين من أصل خمس

من هنا كانت دعوة التيار الوطني الحرّ ووزيره عبدالله بو حبيب إلى الحوار مع المملكة لحلّ الأزمة تنمّ عن خبث سياسي موصوف، هدفه التنصّل من المسؤولية عنها. فهل العهد الذي يتحدّث باسمه الطرفان هو الجهة المخوّلة إجراء حوار مع السعودية التي تشكو من هيمنة حزب الله على لبنان في وقت أنّ شراكة العهد في سياسات الحزب وتغطيته لها منذ العام 2006 كانتا سبباً رئيسياً في تمكينه من فرض هيمنته على لبنان؟ وما لم يستطِع العهد إعطاءه للحزب أعطته إيّاه القوى السياسية المشاركة في السلطة تواطؤاً أو استسلاماً.

وهذا يحيلنا إلى مسارين متداخلين اتّسم بهما العهد الآفل، وهما مسار الانهيار الاقتصادي ومسار تمكين حزب الله سيطرته على القرار السياسي للدولة اللبنانية.

لقد سرّعت سياسات العهد والحزب وتيرة الانهيار الاقتصادي، إذ لم يتصرّفا، منذ لحظة وقوعه، وهما الممسكان بقيود السلطة، على قاعدة الحدّ من تفاقمه وتجنيب اللبنانيين ارتداداته الجهنّميّة، بل على قاعدة تأمين مصلحتهما السياسية، بحيث يحمي العهد النائب جبران باسيل من الارتدادات السياسيّة للانهيار، ولا سيّما بعد فرض العقوبات الأميركية عليه، ويستحوذ الحزب كلّيّاً على القرار الاقتصادي والسياسي للدولة بغية حرف مسارها الاستراتيجيّ نحو المحور الإيراني في المنطقة.

تحويل العزلة العربية إلى مكاسب

في النتيجة كان من الطبيعيّ أنّ الحزب والعهد لن يكترثا للعزلة العربية التي استجرّوها على لبنان. هما اللذان لم يرفّ لهما جفنٌ من جرّاء الفراغ الحكومي، الذي بلغ 696 يوماً خلال خمس سنوات من عمر العهد، أي نحو سنتين من أصل خمس. بل على العكس سيحاولان استخدام هذه العزلة لمصلحتهما الاستراتيجيّة. فينحو الحزب إلى المزيد من الهيمنة على لبنان، والعهد إلى المزيد من الالتصاق بالحزب. ولا سيّما بعد تأكيد العقوبات الأميركية على جبران باسيل بمعاقبة داني خوري رجل الأعمال المقرّب منه.

في المحصّلة، وبعد خمس سنوات من عمر العهد، لم تصحّ مقولة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع أنّ الرئيس عون هو “8 آذار تايوانيّ”، فيما الرئيس فرنجية هو “8 آذار أصليّ”. إذ بيّنت تغطيتهما لقرداحي أنّهما على السويّة في الأصالة الممانعاتيّة التي تُلاحق ظلالها الآن وبقوّة الرئيس نجيب ميقاتي. ولذلك بات حلّ الأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج جزءاً لا يتجزّأ من حلّ الأزمة اللبنانية بكلّيّتها المتمثّلة في رَهْن الجمهورية اللبنانية بالأولويّات الإقليمية الإيرانية ضدّ مصالح الشعب اللبناني وضدّ مصالح دول الخليج العربي.

إقرأ أيضاً: الحزب بين أمل والتيار: الانتخابات في مهبّ الريح؟

فهل تكون الانتخابات النيابية المقرّرة في 27 آذار المقبل باباً للتغيير السياسي في لبنان؟

الجواب البديهيّ أنّ الحزب لن يقبل بهذا التغيير ولو استدعى ذلك منه تطيير الانتخابات. وهكذا لا يُتوقَّع حلّ سريع للأزمة الدبلوماسية مع دول الخليج لأنّه لا يُتوقَّع حلّ سريع للأزمة السياسيّة اللبنانية ما لم ينقشع الضباب الإقليمي الكثيف الذي لن ينقشع بدوره سريعاً!

إقرأ أيضاً

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…

اللاءات الأربع للحزب تفرمل الخماسية..

في مقابل الحراك الدولي والداخلي الناشط بكلّ الاتّجاهات، جنوباً ورئاسيّاً ونزوحاً سوريّاً، تؤكّد أوساط مطّلعة لـ “أساس” أنّ تحرّكات الدول المعنيّة بخفض التصعيد على الحدود…

إيران وإسرائيل: نتّجه لحرب استنزاف طويلة بالمنطقة

بين ردّ إيران الضخم على قصف القنصلية الإيرانية في سوريا، وردّ إسرائيلي محدود على الردّ الإيراني. تتّجه المنطقة كلّها، بحسب مصادر مطّلعة على أجواء قوى…

ليلة قصف إسرائيل: هل تقرّر أميركا إسقاط نظام إيران؟

بين عامَي 2023 و2024 وقعت أحداث ستشكّل تحوّلات كبيرة في تحالفات المنطقة وخريطتها الجيوسياسية. منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023) وتنفيذ حماس عملية “طوفان الأقصى”….