سمير جعجع & حسن نصرالله

في مكان ما سمير جعجع هو الوجه الآخر لحسن نصرالله. لا أقول ذلك بالمعنى السطحيّ والساذج لبعض خطاب الثورة، المتمسّك بما يشبه “التزمّت الدينيّ العصبيّ” بـ”الآية النضاليّة” “كلّن يعني كلّن”. هؤلاء، وهم قلّة صاخبة على السوشيل ميديا، ما رأوا في جعجع إلا أنّه يتبادل الخدمات السياسيّة والانتخابيّة مع حسن نصرالله، في تقزيمٍ طفوليٍّ لتعقيدات المشهد السياسيّ في لبنان، وشبقٍ للطهرانيّة والتمايز.

ما أعنيه أنّ جعجع كان، في لحظة ما، كلَّ ما هو عليه حسن نصرالله الآن، وهو اليوم كلُّ ما لا يمكن لحسن نصرالله أن يكونه. القائد العسكري لميليشيا متمكّنة، والممسك، بقوّة السلاح والقضيّة، قرارَ بيئة طائفيّة وجغرافيّة كاملة، والمنخرط في لعبة المحاور الإقليميّة والدوليّة حتّى النخاع، والسياسيّ الذي عرف كيف يأخذ القوّات من نخبة حاجز البربارة إلى استقطاب نخبة ماكينزي، من دون ارتباك أو قطيعة صارمة، بل عبر صيرورة تطوّر وارتقاء تحاكي متغيّرات الظرف اللبناني.

الفوارق كبيرة بالطبع. قضيّة القوات اللبنانية هي قضيّة لبنانيّة، أيّاً كان الاختلاف معها في مضامين لبنانيّتها، وهي على أرضيّة هذه القضيّة تتحرّك ضمن لعبة المحاور. 

قضيّة حزب الله لا علاقة لها بلبنان، بل هي مشروع أيديولوجيّ إقليميّ مذهبيّ ينتحل صفةً وطنيّةً لبنانيّةً، تقوم مقام التبرير لفعلته.. وهناك اللغو عن فلسطين والاحتلال، والقتال في سوريا واليمن والعراق.. عدا عن الخروقات الأمنيّة في مصر والخليج وما بعد بعد.. 

سمير جعجع ليس جنديّاً عند أحد، في حين أنّ نصرالله مقاتل في جيش ولاية الفقيه.

بيد أنّ هذه الفوارق لا تغطّي كثيراً على أوجه الشبه. يعرف حسن نصرالله ذلك في العمق. وبسبب من معرفته هذه، تنازل في خطابه المخصّص للقوات اللبنانية، عن كلّ ادّعاءات التواضع والتهذيب، وتعمّد أن لا يذكر اسم سمير جعجع. تحدّث عن القوات ورئيسها، ولم يذكر سمير جعجع مرّة واحدة.

بدا كسحرة “هاري بوتر” المذعورين من ذكر اسم اللورد فولدمورت، الذي ما إن تأتي سيرته حتّى يُشار إليه بـ”مَن لا ينبغي تسميته”. في عدم التسمية ذعرٌ من المُسمّى، كما لا تُسمّي الجدّات السرطان إلا بـ”ذاك المرض”.. وفي عدم التسمية أيضاً، محاولةٌ فاشلةٌ للاستعلاء والاحتقار، لكنّها تكشف أنّ نصرالله يدرك الأهميّة المفهوميّة التي يتمتّع بها جعجع في أذهان مستمعيه.

سمير جعجع مخيف لأنّه الأكثر وضوحاً في تأطير الخطر الذي يمثّله مشروع حزب الله، والأكثر قدرةً اليوم على استقطاب شريحة لبنانيّة أوسع من الشريحة القواتيّة المباشرة أو المسيحيّة الأوسع. وهو صلة الرحم الأخيرة بين اللبنان الذي يريد نصرالله إنهاءه وبين الخارج العربيّ والدوليّ الذي يريد نصرالله إتمام القطيعة معه.

حين تحدّث جعجع، تحدّث باسم مَن يتطابقون معه، ومَن يتّفقون معه بتمايز، ومَن يقبلون رأيه بشروط. هذه قاعدة عريضة لا يمكن لحسن نصرالله أن يصنعها إلا بالزيف. وهو أكثر العارفين أنّ الالتفاف حول فكرة المقاومة في أكثر لحظات هذا الالتفاف تعدّداً كان يقارب الانتحال والتمثيل وينطوي على الكثير من الاسترضاء.

إقرأ أيضاً: نصرالله وجعجع يتّفقان على “تحجيم” باسيل!

في الخطابيْن كنّا أمام صورتين لزعيمين، واحد يتحدّث باسم مصالح شريحة كبيرة من اللبنانيّين، وآخر يرغي ويزبد باسم جماعته ومشروعه المأزوم، متفاخراً بالقوّة والسطوة والمقاتلين، كأنّه وعدٌ دائمٌ بالحرب الأهليّة، وبشكل شديد التناقض مع مصالح شريحة كبيرة من اللبنانيّين… ومن بينهم ضحايا اشتباك الطيّونة.

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…