غزّة: صفقة أسرى.. أم صفقة كبرى؟

ينشغل الإسرائيليون بإحياء الذكرى السنويّة العاشرة لإبرام صفقة من العيار الثقيل مع حماس من أجل إطلاق سراح الجندي غلعاد شاليط مقابل تحرير 1027 أسيراً فلسطينيّاً، في ظلّ ما تسرّب في الآونة الأخيرة عن مباحثات غير مباشرة جرت بوساطة مصرية في القاهرة بين وفد حركة حماس، الذي ضمّ أعضاء المكتب السياسي في الداخل والخارج، برئاسة إسماعيل هنيّة، وبين إسرائيل، للإفراج عن الجنود الإسرائيليّين المحتجزين لدى حركة حماس، وللتوصّل إلى تهدئة طويلة الأمد.

نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبريّة عن مسؤول إسرائيلي قوله إنّه “لن يكون هناك صفقة جديدة مشابهة لصفقة شاليط، فالظروف مختلفة تماماً”، مُشيراً إلى أنّ “حماس والسنوار لا يدركان التغيّر في المجتمع الإسرائيلي بعد صفقة شاليط التي كانت بمنزلة صدمة لنا”.

تواصل حركة حماس نقل رسالة إلى الجمهور الفلسطيني في الضفة والقطاع، وإلى الوعي الجمعيّ، مفادها أنّها هي الوحيدة التي تهتمّ بقضية حريّة الأسرى الفلسطينيّين، وأنّها قادرة على تحقيق إنجازات فيها

وأضاف المسؤول الإسرائيلي: “لم تعد حكومتنا والجمهور على استعداد لإطلاق سراح الملطّخة أيديهم بالدماء”، لافتاً إلى أنّه “في حال لم تخفض حماس سقف توقّعاتها، فلن تكون هناك صفقة تبادل”.

وتابع المسؤول الإسرائيلي: “لن يتمّ تكرار إطلاق سراح أسرى كما حدث في صفقة شاليط، ولا حتى القيام بما هو قريب منها”، منوّهاً بأنّ “إسرائيل تسعى إلى التوصّل إلى صفقة “بأرقام عاديّة”، ومن دون الإفراج عن قتلة”، على حدّ قوله.

وقال مصدر مطّلع إنّ “مصر نقلت إلى حركة حماس خلال زيارة وفدها مطلباً إسرائيلياً بالحصول على تسجيل مصوّر يوثّق مصير شاؤول أرون وهدار غولدن اللذين أسرتهما حركة حماس خلال عدوان عام 2014 شرق حيّ الشجاعيّة ومدينة رفح”.
وأضاف المصدر أنّ “حركة حماس ردّت على الطلب الإسرائيلي بضرورة أن يكون مقابله إطلاق سراح جميع الأسيرات والأطفال والمرضى وأسرى صفقة وفاء الأحرار، التي أعادت إسرائيل اعتقالهم خلال السنوات الماضية”.

وتشترط حركة حماس أن يتضمّن أيّ اتّفاق نهائي على صفقة تبادل، تحرير مئات الأسرى الفلسطينيّين أصحاب الأحكام الطويلة الأمد، أو مَن تصفهم إسرائيل بـ”الملطّخة أيديهم بالدماء”. ووضعت حماس على رأسهم أسرى نفق الحرية في سجن جلبوع، وقائمة تتضمّن رموزاً وطنيّة ومناضلين، وعلى رأسهم أحمد سعدات ومروان البرغوثي من حركة فتح، الذي التقت زوجته أخيراً إسماعيل هنية، وطالبته ببذل كلّ الجهود من أجل الإفراج عن مروان.

وتواصل حركة حماس نقل رسالة إلى الجمهور الفلسطيني في الضفة والقطاع، وإلى الوعي الجمعيّ، مفادها أنّها هي الوحيدة التي تهتمّ بقضية حريّة الأسرى الفلسطينيّين، وأنّها قادرة على تحقيق إنجازات فيها، وهي قضية تمسّ تقريباً كلّ أسرة في المجتمع الفلسطيني، فيما ينشغل الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقيادة فتح بالاجتماع والتقاط الصور التذكارية مع وزراء الحكومة الإسرائيلية في المقاطعة. وتدرك حركة حماس أنّ نجاحها في تحرير شخصية بحجم مروان البرغوثي، وهو من قيادة فتح، قيمة مضافة لا تُقدَّر بثمن.

بينيت خائف على حكومته

لكنّ المصريّين أبلغوا حركة حماس، خلال اللقاءات التي جرت في القاهرة أخيراً، بأنّ نفتالي بينيت غير مستعدّ في الوقت الحالي لإبرام صفقة تبادل خوفاً من انهيار ائتلافه، وأكّدوا أيضاً رغبة جميع الأطراف المؤثّرة وذات العلاقة بالشأن الإسرائيلي في الحفاظ على حكومة نفتالي بينيت، وعدم إسقاطها، ومنحها الفرصة لتهيئة المجتمع الإسرائيلي للقبول بخطوات متقدّمة تجاه قطاع غزّة ستتّخذها خلال الشهور القادمة، من أجل التوصّل إلى تهدئة مع حركة حماس.

ومن بين هذه الخطوات المقترحة، السماح لآلاف العمّال الغزِّيّين بالعمل في إسرائيل، وإدخال أموال المنحة القطرية برقابة أمميّة، بالإضافة إلى التقدّم في ملفّات أخرى مهمّة، منها زيادة أعداد المسافرين من قطاع غزة إلى الأردن شهرياً من عشر حالات إلى 400 حالة، والسماح لطلبة قطاع غزة بالدراسة في جامعات الضفة الغربية والإقامة هناك، والموافقة على منح الهويّة الفلسطينية ولمّ الشمل لنحو 19 ألف أسرة فاقدة للهويّة تعيش في القطاع.

وبحسب مصادر مطّلعة، فإنّ الوفد الإسرائيلي اشترط خلال لقائه المسؤولين في مصر شمول أيّ اتفاق تهدئة يتمّ التوصّل إليه مع حركة حماس، تهدئة أيضاً للأوضاع في الضفة الغربية المحتلّة، في ظلّ النشاط العسكري الذي تقوم به حركة حماس في الضفة. وطالب الإسرائيليون الجانب المصري بالحصول على ردود واضحة من قيادة الحركة في هذا الشأن، في ظلّ خشية الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية من تصاعد محاولات خطف إسرائيليين من الضفة للمساومة عليهم بعد ذلك.

تسهيلات “حسن نيّة”

في مقابل ذلك، تلقّت حركة حماس وعوداً من المسؤولين المصريّين بتقديم تسهيلات لقطاع غزة في إطار جهود تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ودعم الاستقرار الميداني. وتضمّنت الوعود المصرية إقامة مجمّع خدمات قرب الحدود مع قطاع غزة في مدينة رفح المصرية، بغرض تسهيل إدخال البضائع وموادّ البناء، ودفع وتيرة إعادة إعمار القطاع. ويضمّ مجمّع الخدمات المصري مستشفيات وفنادق ومكاتب استيراد وتصدير، ومخازن وقود. وتلقّت قيادة حماس وعوداً مصرية بإدخال المزيد من التسهيلات على سفر سكان قطاع غزة في كلا الاتجاهين، فضلاً عن تسهيل إدخال قوافل المساعدات الخارجية للقطاع.

وقال رئيس اللجنة الحكومية لإعمار غزة، ناجي سرحان، إنّ وفداً، يمثّل وزارات من غزّة، اتّفق مع المسؤولين المصريين على البدء بالإعداد لإنشاء المدينة السكنيّة الأولى ضمن المنحة المصرية، في غرب حيّ العطاطرة في بيت لاهيا شمال القطاع.

إقرأ أيضاً: عن الحلف السرّي بين حماس وإسرائيل (1/2)

ولم يكن مصادفة ترافق الحوار غير المباشر في القاهرة لتثبيت التهدئة، مع الصورة الشهيرة من غزّة، وهي صورة العمّال وهم يصطفّون في طوابير الذلّ في الغرف التجارية، للاستحصال على تصاريح تمكّنهم من العمل في إسرائيل، بل أرادت إسرائيل نشر الصورة لإضعاف حماس في التفاوض، وتذكيرها بأنّ تل أبيب هي صاحبة اللعبة، وتملك كلّ مفاتيحها.

تريد إسرائيل فصل غزّة عن الضفة الغربية، وعن المشروع الوطني، وهو الفعل الذي يُتّخذ له اسم حركيّ، وهو “التهدئة” والتسهيلات الاقتصادية. وقد خاضت تل أبيب كلّ بروفاتها السابقة في “الحروب الصغيرة” للوصول إلى التهدئة الكبرى.

إقرأ أيضاً

لبنان أمام خيارين: الحرب.. أو جنوب الليطاني “معزول السلاح”

ستّة عشر شهيداً سقطوا في أقلّ من أربع وعشرين ساعة في جنوب لبنان. هي الحصيلة الأكثر دموية منذ بداية الحرب. ليس هذا الخبر سوى مؤشّر…

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…