للسعوديّة المستقبل ولمنتقديها الشعارات

منذ عام 2010، وتحديداً منذ أوائل عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، تُشَنّ حملةٌ لـ”شيطنة” السعودية، مهما فعلت من إصلاحات داخلية، ومهما قدّمت من مبادرات خارجية. حملةٌ منظّمةٌ، الهدف منها إضعاف الرياض، ووضع مسارات محدّدة لها.

حدث ذلك في عهد الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، وازدادت واستمرّت محاولة “شيطنة” السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، ووليّ عهده الأمير محمد بن سلمان. وتستمرّ هذه الحملة المغرضة مهما فعلت السعودية من إصلاحات داخلية أو مبادرات خارجية.

بدأت حملة “الشيطنة” هذه، في عهد أوباما، بالقول إنّ السعودية لا تقدّم ما يكفي من أجل الإصلاح الداخلي ومكافحة التطرّف، على الرغم من كلّ ما أُنجِز من إصلاحات في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز.

لا مجال للمزايدة على السعودية، وخصوصاً مِن قبل اليسار الذي لو كان يملك ذرّة من الحرص على حقوق الإنسان، لكنّا سمعنا أصواتهم هذه ترتفع تجاه ما فعله الرئيس الأميركي بايدن في أفغانستان

واشتدّت حملة “الشيطنة” هذه بعد الموقف السعودي التاريخي ممّا سُمِّي زيفاً بالربيع العربي، حيث ساهمت المملكة في إنقاذ مصر والبحرين، وفي مساندة مراكز قوى الاعتدال العربي ضدّ عبث مَن حاول “تركيب” الإخوان المسلمين على الدول العربية.

وازدادت حملة “شيطنة” السعودية تركيزاً في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وإثر رؤية وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، المسمّاة رؤية 2030، وأصبحت هذه الحملة أكثر حمقاً وصبيانيّة. وأنا هنا أنتقي مفرداتي بعناية.

في عهد الملك سلمان، ومع إعلان رؤية وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، باتت السعودية في ما يشبه ثورة إصلاحية داخلية بقيادة الملك ووليّ عهده. ثورة أعطت المرأة حقوقاً غير مسبوقة، وأعلى من سقف المطالب. أعطتها حقوقاً وفق مفهوم الدولة، لا منطق الشعارات.

وبتوجيه الملك، وقيادة وليّ العهد، كُسِرت شوكة الخطاب المتطرّف بالسعودية، وفُرِضت هيبة الدولة في مكافحة الفساد الذي “كان” جزءاً من “ثقافة إدارية”، ومن باب أنّ مَن لا يستفيد من منصبه “مهبول”، كما يُقال سعودياً، أو “أهبل”، بالعاميّة الدارجة.

في سعوديّة 2030 طُوِّرت ونُقِّحت مناهج التعليم، وسُمِح للمرأة بقيادة السيارة، وفُتِحت دور السينما، وبُسِطت هيبة الدولة كدولة، وليس عبر مراكز قوى. اليوم لدينا مركزيّة الدولة، وملك ووليّ عهد، ونظام حاكم، وأنظمة وقوانين، وليس قوّة أفراد.

ما حدث بالسعودية منذ عام 2015 يستحقّ أكثر من فيلم وثائقي وكتب وأغلفة مجلات وأفلام “نيتفلكس”. اليوم في السعودية جودة حياة، وحقوق واضحة، ورؤية سياسية واضحة، وتفعيلٌ لطاقة الشابّات والشباب الذين يشكّلون سبعين في المئة من المجتمع.

لماذا أقول كلّ ذلك؟ السبب هو التحرّك المريب الآن لإطلاق حملة مسعورة ضدّ السعودية بعد استحواذ صندوق الاستثمارات العامّة السعودي على نادي “نيوكاسل” في الدوري الإنكليزي. إنّها حملةٌ تقودها أدوات أوباما نفسها.

حملة واضحة لم تجدّد حتى رسائلها، حيث لم تنتبه إلى أنّ حقوق المرأة لم تعُد قضية بالسعودية، ولا الفساد، ولا التطرّف، بل إنّ جزءاً من تلك الحملة المغرضة سببها أنّ السعودية قضت على خطاب التطرّف وقادته الذين يسمّيهم اليسار الغربي “قيادات الرأي العام”.

نعم تقع أخطاء، لكنّها ليست منهجيّة، ولا متكرّرة، وكلّ مَن يرتكب تلك الأخطاء يُقدَّم للعدالة، وحدث ذلك. وعليه، لا مجال للمزايدة على السعودية، وخصوصاً مِن قبل اليسار الذي لو كان يملك ذرّة من الحرص على حقوق الإنسان، لكنّا سمعنا أصواتهم هذه ترتفع تجاه ما فعله الرئيس الأميركي بايدن في أفغانستان، بحقّ مجتمع كامل عاش طوال عشرين عاماً على أمل الحلم والقيم الأميركية، وانتهى به الأمر يتساقط من الطائرة العسكرية الأميركية بمطار كابل في مشهد لن ينساه التاريخ.

والأغرب أنّ مدّعي حقوق الإنسان، من اليسار وبعض العرب المقيمين في الغرب من صحافيين وخلافهم، تباكوا على مقتل قاسم سليماني أكثر ممّا فعلوا من أجل الأفغان. وانتقدوا ترامب أكثر من انتقادهم لكوارث بايدن بأفغانستان. أين “كالامار”، التي كانت معنيّة بالقتل خارج نطاق القانون، ممّا حدث بأفغانستان، وهي التي انتقدت مقتل الإرهابي قاسم سليماني؟! أين اليسار من جرائم إيران بحقّ الإيرانيين والمنطقة وحتى الغرب؟! إذا لم يكن هذا هو النفاق، فما هو النفاق إذن؟!

حسناً، لماذا أقول إنّها حملة منذ زمن أوباما؟ في عام 2012، قال لي صحافي أميركي شهير في واشنطن، وله وجهان، وجه ينتقد السعودية، ووجه آخر يظهر في المكالمات الخاصة يُبدي حرصه على علاقات واشنطن والرياض: “لم تزر واشنطن منذ فترة طويلة.. لا بدّ أن تأتي وتكتب من هنا لتنبّه السعوديين والإماراتيين إلى لوبي إيران والإخوان المسلمين القوي الذي تشكّل ويتشكّل في واشنطن وبات داخل الأروقة الرسمية.. تعال وانظر بعينيك.. واشنطن ليست كما تعرفها”.

إقرأ أيضاً: الديبلوماسية السعودية إن حكت: شروط… وعتب على الحلفاء

خلاصة القول، تمّت صفقة الاستحواذ السعودي، وما أثار اليسار وأصحاب الحملات المغرضة على السعودية هو ردّ فعل الشارع في نيوكاسل وأنصار الفريق، وفرحتهم وثناؤهم على المستثمر السعودي. 

والحقيقة أنّ الناس أصدق في ردّ فعلها، وليت المغرضين وأصحاب الحملات يأتون ليروا بأعينهم مشاعر الناس في السعودية تجاه الإصلاح والتغيير اللذين يتحقّقان هنا، ليعوا كم هم مضلَّلون، ومُضلِّلون.. تعالوا وانظروا بأعينكم وشاهدوا مشاعر الناس الحقيقية، فالناس أصدق. ولذا للسعوديّة المستقبل، ولمنتقديها الشعارات.

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…