إيران وأذربيجان: حرب الكافيار والنفط.. بين الشيعة

ليس صحيحاً أنّ أذربيجان فتحت جبهة مواجهة ثانية مع إيران بعد الجبهة مع أرمينيا.

وليس صحيحاً أنّ إيران تفتح جبهة مواجهة ثانية مع أذربيجان بعد الجبهة مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.

فالصراع الإيراني – الأذريّ ليس جديداً.

في الحرب الأولى، التي قامت في التسعينيّات من القرن الماضي بين أذربيجان وأرمينيا، والتي أسفرت عن احتلال أرمينيا منطقة ناغورني كاراباخ المتنازع عليها، وقفت إيران إلى جانب أرمينيا، وأيّدت تركيا أذربيجان.

الجدير ذكره أنّ الدولتين الإيرانية والأذرية هما دولتان شيعيّتان. أضف إلى ذلك أنّ شمال إيران امتداداً حتى أذربيجان، تسكنه أكثريّة أذريّة. ومن الأذريّين الإيرانيين المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه.

ليست إيران مستعدّة للتساهل مع أيٍّ من مكوّناتها القومية، لأنّ ذلك يشكّل خطراً على وحدتها الوطنية. ولذلك تمارس سياسة القبضة الحديدية على الجميع للمحافظة على هذه الوحدة

غير أنّ الشيعيّة في أذربيجان لا تأخذ بنظرية ولاية الفقيه. فـ”شيخ الإسلام”، وهو لقب المرجع الدينيّ فيها، الشيخ الله شكر باشازاده، هو من الشخصيّات الإسلامية المعتدلة، ويتمتّع بموقع تقدير واحترام في المجتمعات الإقليمية والعالمية. وهو يُعتبَر رجل الدين الأوّل في منطقة القوقاز. وقد لعب دوراً وطنيّاً مهمّاً في تحقيق الاستقلال الأذريّ بعد انفراط عقد الاتحاد السوفياتي السابق الذي كانت أذربيجان جزءاً منه.

وعندما نظّم شيخ الإسلام مؤتمراً دولياً، في باكو منذ عامين، عنوانه “الحوار بين الأديان والثقافات”، لم تشترك في المؤتمر أيّ شخصيّة دينية إيرانية. واليوم يشغل شيخ الإسلام المقعد التمثيليّ للشيعة في مؤسّسة الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أهل الأديان والثقافات (فيينا). وهي المؤسّسة الحواريّة التي تضمّ ممثّلين عن الفاتيكان وكانتربري (لندن) وبطريركية إسطنبول الأرثوذكسية (بارثالوميو)، وتضمّ أيضاً ممثّلين عن الهندوسية والبوذية، إلى جانب الإسلام السنّيّ.

وأثناء الحرب الأذرية – الأرمنية الثانية وضعت تركيا كامل ثقلها السياسي، حتى دعمها العسكري، إلى جانب أذربيجان، حتى تمكّنت من استرجاع ناغورني كاراباخ، فيما وقفت إيران مكتوفة الأيدي، حتّى لا تصطدم مع تركيا.

تأخذ إيران على أذربيجان، ليس فقط انفتاحها على تركيا، بل تأخذ عليها أيضاً شراءها الأسلحة من إسرائيل. وتردّ أذربيجان بأنّها اُضطُرّت إلى شراء الأسلحة الإسرائيلية للدفاع عن نفسها وعن مصالحها بعدما شكّل التعاون الإيراني – الأرمنيّ تهديداً لها.

توجد في إيران جالية أرمنيّة كبيرة، وهي الجالية المسيحية الكبرى في البلاد، وتتمثّل في مجلس النواب بعدد من الأعضاء. وتشكّل هذه الجالية جسراً معنويّاً بين إيران والعالم المسيحي. غير أنّه لا يوجد جسر بين إيران وأذربيجان، الدولتين الشيعيّتين المتجاورتين إلى حدّ التداخل.

تخشى إيران من “لعبة القوميّات”. فالأكراد في الشمال الغربي يخضعون للسلطة المركزية القوميّة في طهران. وكذلك هي حال عرب الجنوب الإيراني بالأهواز على طول الخليج العربي

يوجد خلاف بين الدولتين على ترسيم الحدود في بحر قزوين، حيث الثروة النفطية.. والثروة السمكيّة (كافيار). وأكثر ما يُقلق إيران ارتفاع شعار “أذربيجان الكبرى” في باكو. وهو شعار يعكس الطموحات القوميّة للأذريّين على طرفيْ الحدود إلى تحقيق الوحدة القوميّة.

ومن المعروف أنّ في إيران عدّة قوميّات، إضافة إلى القومية الفارسية الأكثر عدداً والتي تحتكر السلطة. من هذه القوميّات الأذريّون (25 في المئة)، والكرد، والعرب، والبلوش، وسواهم.

لذلك تخشى إيران من “لعبة القوميّات”. فالأكراد في الشمال الغربي يخضعون للسلطة المركزية القوميّة في طهران. وكذلك هي حال عرب الجنوب الإيراني بالأهواز على طول الخليج العربي.

ليست إيران مستعدّة للتساهل مع أيٍّ من مكوّناتها القومية، لأنّ ذلك يشكّل خطراً على وحدتها الوطنية. ولذلك تمارس سياسة القبضة الحديدية على الجميع للمحافظة على هذه الوحدة. ومن هنا تبرز أهميّة العامل الأذريّ.

و”أذربيجان ضعيفة” يعني أنّ القوميّة الأذريّة في إيران ضعيفة أيضاً. وحتى تكون أذربيجان ضعيفة يجب أن يكون السيف الأرمني مسلّطاً فوق رأسها. وهذا ما لم يعد قائماً بعد الانتصار الذي حقّقته القوات الأذريّة (بدعم تركيّ) على القوات الأرمنيّة خلال الحرب الثنائية التي نشبت بينهما أخيراً، والتي لم تتوقّف إلا بتدخّل روسي – تركي مشترك.

نجح الرئيس الأذريّ إلهام علييف في تحقيق نهضة اجتماعية – اقتصادية كبيرة في بلاده حتى أصبحت نموذجاً يُحتذى في دول القوقاز. غير أنّ الحرب مع أرمينيا أصابت هذه النهضة بنكسة. وتخشى أذربيجان أن تتلقّى الآن ضربة ثانية، لكن هذه المرّة من إيران.

إقرأ أيضاً: ماذا تريد إيران؟

تتّهم إيران أذربيجان بأنّها تحوّلت إلى مركز لعمليّات الاستخبارات الإسرائيلية ضدّها. وهو أمر تنفيه حكومة باكو بشدّة. ولتأكيد ذلك فإنّ إسرائيل لم تقدّم أيّ خدمة (أو معلومة) عسكرية لأذربيجان خلال الحرب مع أرمينيا. وحدها تركيا وضعت ثقلها إلى جانب حكومة باكو في الحرب معرِّضةً علاقاتها مع روسيا للخطر. فالأذريّون والأتراك يتحدّرون من قوميّة واحدة. ولغتاهما متقاربتان، إلا أنّ أذربيجان دولة شيعيّة، وتركيا دولة سنّيّة ومتشدّدة في سنّيّتها أيضاً.

ليس لبحر قزوين دين أو مذهب، لا بنفطه ولا بأسماكه ولا بكافياره. فالصراع هناك يدور حول مصالح أخرى ومن أجل حسابات أخرى. وأخطر ما فيه أنّه قد يتحوّل إلى عود ثقاب لإشعال حريق التعايش القومي والديني والمذهبي في منطقة نفطية سريعة الاشتعال.

إقرأ أيضاً

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…

“حصانة” إيران أم “الحصن” الإسرائيليّ؟

لماذا تعمّدت طهران ليلة السبت المنصرم الكشف عن كلّ تفاصيل خطة الهجوم الذي أعدّته ضدّ تل أبيب انتقاماً لاستهداف قنصليّتها في دمشق قبل أسبوعين والتسبّب بسقوط قيادات…

بايدن الرابح الأكبر من الضربة الإيرانيّة لإسرائيل

 ربح جو بايدن مزيداً من “المونة” على إسرائيل يمكّنه من لجم اندفاعها العسكري ضدّ إيران بعد توظيفه الدفاع عنها في المشهد الانتخابي. اكتسبت طهران موقع…