4 أوراق “أخلاقية” فقدها بايدن

الطريقة التي انسحبت بها الإدارة الأميركية من أفغانستان، وعودة طالبان إلى الحكم، أفقدت الرئيسَ الأميركيّ جو بايدن أوراقاً، أو كروتاً، سياسيّةً يصعب أن يستخدمها في سنوات حكمه المتبقّية، ويصعب أن تؤخَذ الولايات المتحدة بسبب فقدان هذه الأوراق على محمل الجدّ لفترة طويلة.

1- فقد الرئيس بايدن الآن ورقة الديموقراطية والتلويح بها، فمَن يؤمن بالديموقراطية لا يمكن أن يقبل بعودة طالبان، ناهيك عن كونه هو مَن أعادها، أي بايدن نفسه. ويكفي أن نتذكّر تصريح بايدن يوم إعلان الانسحاب، حين قال: “لم نذهب إلى أفغانستان لبناء دولة”، وذلك بعد عشرين عاماً من احتلالها. فأيّ صدقيّة يمكن الحديث عنها هنا؟!

يجب عدم التصديق بأنّ الانسحاب من أفغانستان كان نتاج اتفاق الرئيس الأميركي السابق ترامب مع طالبان في الدوحة. فالأمر قديم أكثر من ذلك، وقد بدأ مع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، إذ هو مَن أذِن للقطريّين منذ عشرة أعوام بفتح مكتب لطالبان في الدوحة.

2- فقدت أيضاً إدارة بايدن ورقة حقوق الإنسان، فمَن يدافع عن حقوق الإنسان لا يمكن أن يسمح بعودة طالبان هكذا، ويتخلّى عن حقوق النساء وباقي مكوّنات المجتمع الأفغاني، ولا يمكن أن يقبل بالتفاوض مع إيران متجاهلاً سجلّها الإجرامي وانتهاكها لحقوق الإنسان.

وقد يقول قائلٌ إنّ الرئيس بايدن يتعامل مع إيران، وقبلها أفغانستان، بواقعية، ولا مجال للعاطفة هنا، بل للمصالح فقط. هذا صحيح، فلا مجال للعاطفة، لكنّ الديموقراطيين، حزب الرئيس، هم مَن يرفضون ما تحدّث عنه منذ عقود، مثلاً، وزير الخارجية الأميركي الشهير هنري كيسنجر من أنّ المصالح هي التي يجب أن تحكم العلاقات الخارجية، وليس القيم الأميركية.

الرئيس بايدن هو مَن قال في حملته الانتخابية، وبعد تسلّمه الرئاسة، إنّ واشنطن ستبني علاقاتها الخارجية وفق القيم الأميركية. فهل من قيم مشتركة بين أفغانستان والولايات المتحدة، أو مع إيران الملالي؟!

فقد الرئيس بايدن الآن ورقة الديموقراطية والتلويح بها، فمَن يؤمن بالديموقراطية لا يمكن أن يقبل بعودة طالبان، ناهيك عن كونه هو مَن أعادها

3- وهذا ليس كلّ شيء، فقد خسر بايدن أيضاً ورقة حريّة التعبير. فعَنْ أيّ حرية ستحاضر إدارته أمام المجتمع الدولي، فيما الرئيس السابق ترامب ممنوعٌ من استخدام تويتر وفيسبوك، ليس بقرار قضائي، بل وفق سطوة شركات التواصل الاجتماعي اليسارية؟!

4- وكيف ستتحدّث إدارة بايدن عن احترام القوانين الدولية، بل والقوانين الأميركية، ووزير داخلية أفغانستان مطلوب لمكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي، والوزير الإيراني مطلوب للإنتربول، وإدارة بايدن هي التي رفعت الحوثيين من قوائم الإرهاب؟!

عليه، فإنّنا أمام إدارة أميركية ارتكبت أخطاء استراتيجية لن يكون التعافي منها صعباً على إدارة بايدن وحسب، بل وعلى الولايات المتحدة نفسها ولفترة طويلة. كيف ستتعافى وصور الأفغان وهم يسقطون من الطائرة المقلعة لا تزال في الأذهان، وستُذكَر لعقود قادمة؟!

إقرأ أيضاً: من سايغون إلى كابول: الهزيمة الأميركية

لذا لو كانت إدارة بايدن سهماً في السوق المالي لكان تقويمها اليوم هو الأسوأ في الأسواق، تماماً كما هو حال الرئيس بايدن في استطلاعات الرأي العام الأميركي التي أظهرت أنّ شعبيّته في أدنى درجاتها.

 

إعلاميّ وكاتب سعوديّ ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…