يا سيّد أنت وحدك المسؤول

من حقّ السيّد حسن نصر الله أن يطمئنّ ويستريح، ليس لشفائه من الوعكة الصحيّة، وهنا نتمنّى الصحة والعافية له وللجميع، بل لأنّ كلّ ما خطّط له، وأراد أن يصبح عليه هذا البلد، قد بات واقعاً مريراً من دون جهد كبير.

من حقّه أن يطمئنّ إلى أنّ هذه الدولة لا قيامة لها بعد الآن، فقد قام حلفاؤه وشركاؤه بالواجب، وأكثر من ذلك بكثير.

من حقّه أن يتنفّس، كما يتنفّس الناس الصعداء، بعدما بات في خبر كان القطاعُ المصرفيُّ الذي اشتبك معه قبل سنوات قليلة، وباتت المصارف أشبه بدكاكين الصيرفة أو بيع العطور المركّبة أو ما تيسّر كي تطعم موظّفيها في هذا الزمن العسير.

من حقّ السيّد أن لا يقلق من موسم السياحة الصيفية، فلا سياحة هذا الصيف، ولا ضرورة لاختطاف جندي أو للقيام بعملية على الحدود الجنوبية كي تطير السياحة وينقلب الصيف على من لم يهاجر من المواطنين.

أنتَ وحدك يا سيّد المسؤول عمّا وصلنا إليه، وعمّا سنصل إليه في الوقت القريب. أنتَ تعلم، ونحن نعلم، والكلّ يعلم، أنّك لو أردت أن تُشكّل الحكومة لشُكِّلت، لكنّك لا تريد تشكيلها، فالاتفاق في محادثات فيينا ليس بقريب

من حقّه أن يستريح وأكثر. هو لم يعد محاصراً في ضاحيته الجنوبيّة، بل بات الوطن كلّه ضاحية، لا بل بات أقرب إلى أن يكون حيّ السُلّم من دون أن يكون لهذا السُلّم من درجات تُوصل إلى مكان جميل.

كلّ هذا الواقع يجعلنا نقول إنّ من حقّ السيّد أن يطمئنّ ويستريح. لكنّ السؤال: هل يسمح له اللبنانيون، الذين لم يستسلموا بعد لكلّ هذا الواقع اللئيم، أن يستريح هو ومَن معه بعد هذا الانهيار الكبير؟

هي مسألة مقاومة وعدم استسلام لكلّ ما أراده السيّد أن يصير. تماماً كأولئك النسوة المحجّبات اللواتي وقَفْنَ يوم السبت الفائت في ساحة ساسين يلوِّحْنَ بالعلم اللبناني ويصرخْنَ مُطالِباتٍ إيران ونظامها بالرحيل عن لبنان.

يا سيّد أنتَ وحدك المسؤول عمّا يحصل في هذا الوطن الجميل. أنتَ وحدك من ألزمنا جميعنا إمّا أن نصوِّت أو أن نصمت لكي يُنتخَب هذا الرئيس.

.. أنت وحدك يا سيّد مَن فرض علينا قانونَ انتخابٍ عجائبيّاً طائفيّاً بعدما فشلت في كلّ القوانين السابقة أن تُهيمن على الأكثرية في المجلس وعلى التصويت.

.. أنتَ وحدك يا سيّد من أرسل خيرة شبابنا إلى سوريا كي يقتلوا ويهجِّروا ويهدموا منازل الناس لترتفع راية الوليّ الفقيه.

.. أنتَ وحدك يا سيّد مسؤولٌ عن قوافل المهرِّبين التي تسرق نفطنا وطحيننا ودواءنا كي يستمرّ في قصر المهاجرين ذاك النظام اللعين.

.. أنتَ وحدك يا سيّد توفّر الحماية لجبران باسيل، وترتهن لسعد الحريري، وتمنع استقالة الرئيس، لا لشيء إلّا ليستمرّ العرض في هذا السيرك الهزيل.

.. أنتَ وحدك يا سيّد تقدّم مصالح الجميع على مصالحنا، مصالح ناسك، وتعقر مطيّتك ومهورنا كي تُطعم الغريب.

يا سيّد عُدْ إلى وطنك. نحن بانتظارك لأنّنا حريصون على كلّ واحد منّا كي يُشارك في عملية الإنقاذ الكبير

.. أنتَ وحدك يا سيّد المسؤول عمّا وصلنا إليه، وعمّا سنصل إليه في الوقت القريب. أنتَ تعلم، ونحن نعلم، والكلّ يعلم، أنّك لو أردت أن تُشكّل الحكومة لشُكِّلت، لكنّك لا تريد تشكيلها، فالاتفاق في محادثات فيينا ليس بقريب. ولو أردت حماية ودائع الناس في البنوك لَما سمحت أن تُهرَّب السلع المدعومة من حسابات المودعين عبر معابر المقاومة، فتغيب تلك السلع عن حوانيت الفقراء والمساكين في بلادك.

.. أنتَ وحدك يا سيّد مَن ابتسم مستهزئاً عندما تحدّث عن تحرير الجيش للجرود من الإرهاب الذي قمتَ بترحيله في الباص المكيّف المريح.

.. أنتَ وحدك يا سيّد وضعتَ خطّاً بالأحمر العريض في معركة نهر البارد في مواجهة عصابة شاكر العبسي.

 يا سيّد هل تريدنا أن نستمرّ بتعداد ما فعلت بنا أم نكتفي أم نزيد؟

من حقّك أيّها السيّد أن تطمئنّ وتستريح فقط حين نستسلم جميعنا كما استسلم كلّ المسؤولين بعدما روّضتهم فباتوا يطيعونك كالعبيد.

من حقّك أن تطمئنّ وتستريح إذ لم نقاوم كي تبقى هذه البقعة الجغرافية وطناً لنا، نموت فيه بعد أن نعيش.

إقرأ أيضاً: الحوثيّون في لبنان.. يسرقون أموال المودعين

يا سيّد عُدْ إلى وطنك. نحن بانتظارك لأنّنا حريصون على كلّ واحد منّا كي يُشارك في عملية الإنقاذ الكبير. ألَمْ تسمع تلك الشاعرة البدوية ميسون بنت بحدل بن أنيف الكلبية، عندما تزوّجت معاوية بن أبي سفيان غير راضية، ماذا قالت في تلك الأبيات من الشعر البديع:

لَبَيْتٌ تخفق الأرواح فيه

أحبّ إليّ من قصرٍ منيف

وأكل كُسَيْرَةٍ في كِسر بيتي

أحبّ إليّ من أكل الرغيف 

وخِرقٌ من بني عمّي نحيفٌ

أحبّ إليّ من عِلج عليف

فما أبغي سوى وطني بديلا

وما أبهاه من وطن شريف.

 

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…