بوتوكس وكيماويّ: التجمُّل في وسط الدمار!

في المكان الذي ارتكب فيه النظام مجزرته الكيماوية الشهيرة، صوَّتَ بشار الأسد لنفسه.

من بين جميع الأماكن والمدن السورية، اختار بشار مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية، التي قتَلَ من أبنائها عشرات الآلاف، ليُسقط فيها ورقةً كُتِبَ عليها اسمه، ضمن “انتخابات رئاسية” لم تحتجْ إلى عملية فرز لمعرفة نتائجها.

بمنطق الحروب الوحشية، يبدو هذا الاختيار أقرب إلى فعل التمثيل والتنكيل بالجثث: التمثيل بجثَّة مدينة مقتولة.

فإذا كان من رسائل لاختيار المكان، فرسالة الانتقام أوّلاً وثانياً، تليها رسالة الإفلات من المحاسبة والقصاص.

إنَّ الورقة، التي أسقطها بشار الأسد في “صندوق الانتخاب” بدوما، كُتِبَ عليها أكثر بكثيرٍ من اسمه واسمَيْ مرشَّحَيْ الكومبارس اللذين اختارهما اللواء علي مملوك للعب هذا الدور. لقد كُتِبَ عليها أنَّ أحداً في الدنيا لن يستطيع محاسبته، بعد اليوم، على المجازر التي ارتكبها.

النتيجة التي انتظرها بشار الأسد من الانتخابات ليست إعلان فوزه المحتوم فيها، بل إعلان إفلاته من العقاب.

واختياره لمكان الجريمة هو أشبه بتقديم الدليل على هذا “الفوز”.

من بين جميع الأماكن والمدن السورية، اختار بشار مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية، التي قتَلَ من أبنائها عشرات الآلاف، ليُسقط فيها ورقةً كُتِبَ عليها اسمه، ضمن “انتخابات رئاسية” لم تحتجْ إلى عملية فرز لمعرفة نتائجها

ومثلما أثبتت الصور والوقائع، فقد خطَّط بشار الأسد وحضَّر جيّداً لهذا اليوم. حتى إنّه اضطرَّ إلى إعلان إصابته بـ”فايروس كورونا” قبل أسابيع، ليتسنَّى له استغلال فترة الحجْر والغياب من أجل القيام ببعض الأعمال التجميلية، حيث ظهرت بشكل جليّ نتائج حُقن البوتوكس والفيلر على وجهه، إضافة إلى عمليات نفخ مبالغ فيها لصدره الممسوح مسحاً، إلى درجة أنّ الصور الجديدة أظهرت صعوبة إغلاق جاكيت البدلة بعد تلك العمليات! (اعتقد الغالبية منَّا بأنَّ إعلان الإصابة بالفايروس كان عملية هروب من مواجهة الانهيار المعيشي في البلاد، واستجرار مشاعر التعاطف من الحاضنة الشعبية، ولم يخطر في بالنا أنّها إجازة للتجميل!).

إقرأ أيضاً: “تيس البوكمال” وتمارُض بشّار

إنَّ التجمُّل وسط كلّ هذا الدمار، يختصر جوهر الجهود التي يحاول نظام الأسد القيام بها بعد توقُّف الحرب، لترسيخ صورة “المنتصر” على ضحاياه.

وما فعله، على سبيل التهكُّم والسخرية، رسَّامو الكاريكاتور وفنَّانو الغرافيك حين جعلوا المدن السورية المدمَّرة خلفيةً لبشار وزوجته من أجل التقاط الصور، يقوم به النظام، عامداً متعمّداً، وبكامل الجدّيّة.

ولذلك يمكن فهم اللقاء الرمزي الأخير بين حقنة البوتوكس وصاروخ الكيماويّ على أرض دوما، باعتباره ترسيخاً لصورة الفوز على الضحايا، والتي تستدعي – وفق منطق النظام – الكثير الكثير من التجمُّل!

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…