“رسالة”… من تحت الماء

“رسالة”… من تحت الماء

مدة القراءة 3 د.

مهيباً كان مشهد مواكب “نواب الأمة” السيّارة، وهي تتقاطر وتحطّ في قصر “اليونيسكو”.

فعلى مدى يومين متواصلين، تسمَّرتُ خلف شاشة التلفزيون أشاهد تلك السيارات الرباعية الدفع الفارهة، بزجاجها الداكن، والمرافقين الذين يترجّلون على عجلٍ ويفتحون الأبواب للمشرّعين، من أجل أن يدخلوا القصر بسلام، فيلقوا خلال ذلك التحية على عدسات الكاميرا، التي تولّت “النقل المباشر”، ولم يُعرف إن كان ذلك من أجل إمتاعنا أو لزيادة خيبتنا.

داخل القاعة، كانت الكراسي المخملية تُضفي “أمبيانس” أو جوّاً مميّزاً من النوستالجيا الفنّية، فتحاكي طقوس الحفلات الغنائية من حقبة السبعينيات لفنانين عظماء، مثل كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، أو العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.

الحجوزات في اليومين الماضيين كانت Complet، والجميع كان حاضراً باللباس الرسمي ويعرف مكان كرسيّه، لكنّ الجميع كانوا “قاطعين صالة”، ما عدا قائد الأوركسترا “أبو مصطفى” (الرئيس نبيه برّي) كان “قاطع بالكون”، ليجيد ضبط الإيقاع من الأعلى مثلما درجت العادة.

العرض كان بعنوان “الرسالة”، ليس فيلم “الرسالة” للمخرج مصطفى العقّاد الذي يروي سيرة خاتم المرسلين، وإنّما “رسالة” خاتم الرؤساء اللبنانيين ميشال عون، الذي وجّهها إلى مجلس النواب وطلب فيها البحث عن حلّ “يُخرجه من هذا اليمّ”

حضروا على الموعد من أجل الاستماع إلى معزوفة من ألحان الموسيقار اللوذعيّ جبران باسيل الذي حضر بدوره الحفل المهيب في الصفوف الأمامية ليشهد الافتتاح، وراح يمشي في الأرض مَرَحَاً، ويؤوب من كل صوبٍ أمام الرئيس المكلّف سعد الحريري الذي جلس بالقرب من عمّته في الصف الأمامي أيضاً.

أمّا الكلمات فكانت لـ”شاعر القصر” العاطفيّ المُلهم والمرهف، سليم جريصاتي.

العرض كان بعنوان “الرسالة”، ليس فيلم “الرسالة” للمخرج مصطفى العقّاد الذي يروي سيرة خاتم المرسلين، وإنّما “رسالة” خاتم الرؤساء اللبنانيين ميشال عون، الذي وجّهها إلى مجلس النواب وطلب فيها البحث عن حلّ “يُخرجه من هذا اليمّ”، لأنّه “لا يعرف فنّ العوم” بعدما طال أمر تشكيل الحكومة، فيما الرئيس المكلّف يرفض أن يأخذ بيديه، مع أنّه مفتون من رأسه حتّى قدميه!

“رسالة من تحت الماء” بعث بها عندليب بعبدا، محاولاً أنّ يصوّر لنا الدنيا كقصيدة شعر. وبعدما فاض صبره، أراد من الرئيس المكلّف أن يرحل عنه، بعدما زرع الجراح في صدره وأخذ الثأر.

ومن مضمون هذه الرسالة أيضاً، بدا أنّ “التيار الأزرق”، في عينيّ الرئيس عون، يناديه نحو الأعمق، وهو ليس عنده تجربة في الحكم “ولا عنده زورق”. بل بدا مثل مَن يتنفّس تحت الماء، فكاد أن يقول من بين سطور هذه الرسالة: إنّي أغرق… أغرق… أغرق.

إقرأ أيضاً: رسالة عون إلى البرلمان: جهنّم السياسيّة..

وللتذكير، فقد قرّر العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، في عام 1973، أن يغني قصيدة “رسالة من تحت الماء” للشاعر نزار قباني، خلال حفل “شمّ النسيم” في قاعة جمال عبد الناصر بجامعة القاهرة، لكن أُغمي على حليم خلال البروفات قبل العرض، ودخل في غيبوبة تامّة ولم يغنّها إلّا بعد سنتين في عام 1975، أي عام دخول لبنان الحرب الأهلية.

أمّا أنا فأخشى على رئيس البلاد من هذه “الرسالة” المشؤومة. أخاف عليه أن يدخل هو الآخر في غيبوبة سياسية ربّما تدوم حتى نهاية العهد، فلا ينشد موّاله في “شمّ النسيم”، خصوصاً بعدما بدأنا اليوم نشمّ رائحة أمور أخرى بخلاف النسيم. وأخاف عليه من أن يقول في نهاية المطاف: لو أنّي أعرف خاتمتي ما كنت بدأت؟

ونكون بذلك قد بلغنا جهنّم وبئس المسار والمصير… يا باطل!

 

 *هذا المقال من نسج خيال الكاتب

إقرأ أيضاً

من يجرؤ على مواجهة الحزب.. قبل تدمير لبنان؟

تكمن المشكلة المزمنة التي يعاني منها لبنان في غياب المحاسبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقضايا كبرى في مستوى دخول حرب مع إسرائيل بفتح جبهة جنوب…

لماذا لا يرى أتباع إيران الحقيقة؟

لو صدّقت إيران كذبتها فذلك من حقّها. غير أنّ حكاية الآخرين مع تلك الكذبة تستحقّ أن يتأمّلها المرء من غير أن يسبق تأمّلاته بأحكام جاهزة….

حسابات أنقرة في غزة بعد 200 يوم

بعد مرور 200 يوم على انفجار الوضع في قطاع غزة ما زالت سيناريوهات التهدئة والتصعيد في سباق مع الوقت. لو كان بمقدور لاعب إقليمي لوحده…

مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

لا يُلام مقتدى الصدر على استعراضاته المتكرّرة بل يقع اللوم على مَن يصدّق تلك الاستعراضات ويشارك فيها. وقد انخفض عدد مناصري الصدر بسبب ما أُصيبوا…