هل ستُلبّى طلبات “آلفاريز” للتدقيق الجنائي؟؟ أو يقفل الملف اليوم؟

انشغل الرأي العام خلال الأيّام الماضية بالسجال الدائر بين مصرف لبنان ووزير المال، حول كفاية المستندات التي قدّمها المصرف إلى شركة التدقيق الجنائيّ “آلفاريز آند مارسال” في المرحلة الأولى من عملها قبل أن تعتذر عن عدم إتمام مهمّتها، وتلك التي أبدى المصرف استعداده لتقديمها إليها في المرحلة المقبلة.

اليوم ينعقد اجتماع ثلاثيّ يضمّ الأطراف الثلاثة، المصرف والوزارة والشركة، لتحدّد الشركة وجهاً لوجه ما تحتاج إليه لمباشرة عملها من جديد، وليحدّد المصرف المركزيّ ما يمكن تقديمه، الأمر الذي يقلّل هامش المناورة لجميع الأطراف حتّى أضيق حدود.

يؤكّد متابعون لعمل “آلفاريز” أنّ ما تطلبه الشركة من مصرف لبنان بات أبعد من الحسابات الثلاثة التي تناولها سجال المصرف المركزيّ مع وزارة المال، أي حسابات المصارف والدولة ومصرف لبنان. فالخلاف الأساس مع مصرف لبنان يتركّز أوّلاً على إمكان العمل من داخل المصرف، والولوج من هناك إلى أنظمة المعلوماتيّة الخاصّة به من دون قيود، مع الحصول على تفاصيل الهيكليّة الداخليّة للمصرف وتوزّع الصلاحيات وأنظمة المراقبة والحوكمة. وتطلب “آلفاريز” الحصول على تفاصيل تقنيّة من قبيل توزّع قواعد البيانات وأنظمة المعلوماتيّة المعتمدة لإدارتها، وتوزّع حقوق الوصول إليها على المستخدمين. كل هذه التفاصيل ما تزال حتّى اللحظة موضع إشكاليّات شائكة، لم يعالجها جواب المصرف المركزي الأخير، وهو ما سيكون أحد مواضيع التفاوض اليوم.

اليوم ينعقد اجتماع ثلاثيّ يضمّ الأطراف الثلاثة، المصرف والوزارة والشركة، لتحدّد الشركة وجهاً لوجه ما تحتاج إليه لمباشرة عملها من جديد، وليحدّد المصرف المركزيّ ما يمكن تقديمه. الأمر الذي يقلّل هامش المناورة لجميع الأطراف حتّى أضيق حدود

وقد أبدى المصرف المركزيّ، في أجوبته، الاستعداد لتقديم المعلومات المتعلّقة بحسابات المصارف والدولة في المرحلة المقبلة، في حين أنّ المصرف يعتبر أنّه قدّم المعلومات المطلوبة منه في ما يخصّ حسابات مصرف لبنان خلال المرحلة الأولى من التدقيق. وهنا تطول لائحة المعلومات المتعلّقة بحسابات مصرف لبنان وإجراءاته الداخليّة، التي طلبتها الشركة من دون أن تحصل عليها سابقاً: من تفاصيل الاحتياطات المتوافرة لدى المصرف المركزي بالعملات الأجنبيّة، إلى تقارير التدقيق الداخليّ والخارجيّ وتعليقات الإدارة عليها، وصولاً إلى لائحة بالتقارير المتعلّقة بالمخالفات الإداريّة الداخليّة. وتشمل هذه اللائحة تقارير الاستشاريّين ودراساتهم وكتيِّبات إرشادات العمليات، بالإضافة إلى أنظمة الدفع والمحاسبة والإفصاح الماليّ.

لكلّ هذه الأسباب، من المتوقّع أن تدخل “آلفاريز” في جولة تفاوض صعبة مع مصرف لبنان اليوم، وخصوصاً أنّ المصرف المركزيّ يحيط معظم هذه التفاصيل التقنيّة، التي تصرّ الشركة على الحصول عليها، بقدر كبير من التحفّظ، في حين أنّ مصادر المصرف المركزيّ لا تعبّر عن الكثير من الارتياح لمستوى الخصوصيّة التي ستُحاط بها المعلومات التي ستتسلّمها الشركة، وخصوصاً بعدما تسرّبت لائحة المعلومات المطلوبة وردود المصرف عليها إلى وسائل الإعلام منذ أشهر. وقد يكون الحذر من هذه الناحية أحد الأسباب التي دفعت مصرف لبنان إلى تذكير وزير المال بضرورة احترام سرّيّة المعلومات وحصر استعمالها بمن له صفة، وعدم مشاركتها مع أيّ جهة داخليّة أو خارجيّة.

 

مصداقية “آلفاريز” على المحكّ

من ناحيتها، تعتبر “آلفاريز” أنّ صدقيّتها لم تعد تسمح لها بالدخول على نحو متكرّر في عقد تدقيق جنائي مع وزارة المال من دون أن تتمكّن من إنجازه. خصوصاً أنّ العيون الدوليّة باتت شاخصة إلى مصير هذا التدقيق. ولهذا السبب تشترط الشركة حصولها على الضمانات الكافية التي تؤكّد تعاون مصرف لبنان الكامل قبل الشروع في عمليّة التدقيق. وهي تعتبر أنّها لم تحصل حتّى اللحظة على ما يكفي من تطمينات وخصوصاً من ناحية المعلومات غير المشمولة بحسابات المصارف والدولة، التي وعد مصرف لبنان بتسليمها. وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض التفاصيل التقنيّة التي طلبتها الشركة، ومنها فهم آليات المصرف وأنظمته الداخليّة، تمثّل حاجة لا يمكن التغاضي عنها قبل الشروع في أيّ عمليّة تدقيق جنائيّ. 

من المتوقّع أن تدخل “آلفاريز” في جولة تفاوض صعبة مع مصرف لبنان اليوم، وخصوصاً أنّ المصرف المركزيّ يحيط معظم هذه التفاصيل التقنيّة، التي تصرّ الشركة على الحصول عليها، بقدر كبير من التحفّظ

في خضمّ هذا السجال، بدا ردّ وزير المال أبعد ما يكون عن جوهر الخلاف الفعليّ بين الطرفين. فالوزير أصرّ على الردّ مذكّراً مصرف لبنان بعدم امتثاله لمتطلّبات التدقيق في المرحلة الأولى منه، في حين أنّ بيان المصرف المركزيّ – موضوع ردّ الوزير – لم يدّعِ توفير كلّ أو معظم المستندات المطلوبة منه في المرحلة الأولى. أمّا المسألة الأغرب فهي لجوء الوزير إلى السجال العلنيّ بهذه الطريقة مع مصرف لبنان، فيما الوزير نفسه هو الوصيّ على مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان، الذي يملك صلاحية الاطّلاع على جميع سجلّات المصرف المركزيّ وحساباته ومستنداته، باستثناء حسابات غير المحميّين بالسريّة المصرفيّة. إذّاك يمكن القول إنّ الوزير يملك من خلال المفوّض هامشاً واسعاً للحصول على الكثير من المعلومات المطلوبة، باستثناء حسابات المصارف والدولة، التي أبدى المجلس المركزيّ لمصرف لبنان استعداده لتزويد شركة التدقيق بها. والجدير ذكره أنّ المفوّض الحالي تسلّم منصبه في التعيينات الأخيرة ضمن حصّة التيّار الوطنيّ الحرّ، الذي يزايد بدعمه للتدقيق الجنائي.

إقرأ أيضاً: صندوق النقد يرفض تعويم حكومة دياب

من المحتّم أن يفضي اجتماع اليوم إلى مواجهة مباشرة بين مصرف لبنان و”آلفاريز”، ثمّ يتّضح إمكان استمرار الشركة في هذا المسار. أمّا انسحاب “آلفاريز” في هذا التوقيت، فيعني إحالة الملفّ بأسره إلى الموت السريريّ، بانتظار الحكومة الجديدة التي تملك صلاحيّة التفاهم مع شركة جديدة والموافقة على عقد جديد.

إلاّ إذا استطاعت تغريدة رئيس الجمهورية التي تحذّر من عدم تطبيق التدقيق الجنائي أن تفعل فعلها. وهذا مستبعد حتى الآن وربما إلى أمد طويل.

إقرأ أيضاً

الدولار المصرفي بين الخبث واللبس

أيقظت الأعياد آلام أصحاب الودائع بالدولار المحلّي، واستوطن الحزن في نفوسهم. فالضبابيّة المتعمّدة حول سعر صرف الدولار المصرفي هي أداء غير مسؤول يفتقر إلى المناقبية…

الموازنة: المجلس الدستوري علّق 9 مواد… فهل يعلّقها كلّها؟

يقترب موعد بتّ المجلس الدستوري بالطعون المقدّمة ضدّ بعض الموادّ في “قانون الموازنة”. إذ يُنتظر أن يعلن المجلس الدستوري قراره النهائي في غضون أسبوع، أي…

لغز استقرار الليرة في لبنان: ماذا لو هبّت العاصفة؟

حالة الاقتصاد تبدو محيّرة: استقرار لسعر صرف الليرة في لبنان منذ الصيف الماضي. وفائض في ميزان المدفوعات. فيما تعيش البلاد حرباً في الجنوب وشللاً سياسيّاً…

بداية حل الأزمة المصرفية توصيفها

التوقّف عند أرقام الخسارة والفجوة الماليّة، والعودة بالتاريخ إلى الوراء في محاولة لإعطاء حياة لخطط وحلول وُلدت ميتة في الوقت الذي كان يجب أن تكون…