الصين تدعم اعتداء الجيش على مسلمي “ماينمار” أوّلاً؟

في موقف نادر وغير معهود، لا يتصرّف الجيش في ماينمار (بورما سابقاً)، كأنّه الحزب الحاكم، كما في الديكتاتوريات السابقة في أميركا اللاتينية، أو بوصفه الهيئة المشرفة على النظام السياسي عبر مجلس عسكري معلن أو مستتر، كما كان الحال سابقاً في تركيا وإلى درجة كبيرة في باكستان. ولا يتصرّف كحاضن للنخبة السياسية الصاعدة، كما في إسرائيل مثلاً، حيث يحجز جنرالات الحرب مكاناً مسبقاً لهم في الأحزاب والمناصب بعد التقاعد، بل إن القوات المسلّحة أو التاتمادو (Tatmadaw) في هذه الدولة الواسعة (678.500 كلم مربع، وتقع بين عملاقي آسيا، الصين والهند، إضافة إلى لاوس وتايلندا)، لا تضع نفسها في موقع الحامي لوحدة البلاد فقط، وهي التي تشهد حرباً مزمنة بين المركز والأطراف على أسس عرقية قد تكون من الأطول في التاريخ الحديث، أي منذ استقلال بورما عن بريطانيا عام 1948. ولا حتّى يتصرّف على أنّه جيش الغالبية العرقية (بامار Bamar) المنتمية دينياً إلى البوذية، ضدّ بقية الأعراق والديانات. بل هو جيش احتلال حرفياً في سلوكه، يحتذي بتكتيكات جيش الاحتلال البريطاني ضدّ الثورات التي كانت تقع في المستعمرات، فيستعملها ضدّ فصائل القوميات الثائرة، وينفّذ قاعدة بريطانية ذهبية في الحكم هي: “فرّق وسُدْ divide and rule”. وهي التي سمحت لبريطانيا تأسيس إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس في العصر الحديث. وهو الآن يقمع انتفاضة الغالبية العرقية الدينية التي هو منها، فيقتل منهم المئات في أيام قليلة، تثبيتاً لانقلابه على الديمقراطية، ويعتقل النخبة المدنية الحاكمة التي فازت في آخر انتخابات في تشرين الثاني 2020.

زعيمة المعارضة سو كي، المعتقلة حالياً، ذات تاريخ مرير وطويل مع العسكر. هي دبلوماسية، وسياسية وكاتبة، وعملت في الأمم المتحدة ثلاث سنوات. أصبحت إحدى أشهر المعتقلات السياسيّة في العالم عندما ألغى الجيش نتائج انتخابات عام 1990 التي فازت فيها “الرابطة الوطنية” بأكثر من 81% من أصوات الناخبين

نشأت في ماينمار أو بورما أوسع إمبراطورية في تاريخ جنوب شرق آسيا لوقت قصير، في القرن السادس عشر. وسقطت تحت الاحتلال البريطاني في القرن التاسع عشر، بعد ثلاث حروب. احتلها اليابانيون في الحرب العالمية الثانية بين عامي 1942 و1945، بتسهيل من المناهضين للاحتلال البريطاني. ثم انقلب البورميون على اليابانيين، وتعاونوا مع الحلفاء الذين جنّدوا أولاً أبناء الأقليات العرقية في الأطراف، فنشأت منذ ذلك الحين ميليشيات متنافسة ومتعادية ومختلفة على كل شيء.

والمفارقة التاريخية أن جيش الاستقلال البورمي BIA)) الذي سهّل دخول اليابانيين، والذي تلقّى التدريب منهم، هو الذي صار “التاتمادو” الجيش الحاكم، إبّان عقده صفقة مع البريطانيين خلال الحرب العالمية الثانية. بينما بعض الثوار، حالياً، كانوا منذ البداية مع بريطانيا ضدّ الاحتلال الياباني، وخاضوا حرب العصابات تحت إشراف الحلفاء.

في ماينمار يختلفون على كل شيء، حتى على اسم البلاد، هل هو بورما Burma أو ماينمار Myanmar؟ الكلمتان مستعملتان، الأولى شائعة شعبياً واعتمدها الاستعمار البريطاني، والثانية كانت مستعملة في الخطابات الرسمية. وعندما قرّرت الحكومة العسكرية عام 1989 تغيير الاسم رسمياً من بورما إلى ماينمار، لم تعترف بالاسم لا الولايات المتحدة الأميركية ولا المملكة المتحدة، ومعهما بضعة دول، لأن القرار يتعلّق برمز البلاد، والحكومة التي اتخذت القرار “غير ديمقراطية”. وكان من المتوقع حسم الأمر عندما حققت المعارضة فوزاً تاريخياً بقيادة أونغ سان سو كي Aung San Suu Kyi في الانتخابات الديمقراطية عام 2015، وتولّت منصب مستشارة الدولة الذي يوازي منصب رئيسة الحكومة، ووزارة الخارجية بين عامي 2016 و2021. لكنّها لم تستردّ اسم بورما لأنها آثرت مجاراة العسكر، وعدم الاصطدام بهم من أجل مسألة كهذه.

في ماينمار يختلفون على كل شيء، حتى على اسم البلاد، هل هو بورما Burma أو ماينمار Myanmar؟ الكلمتان مستعملتان، الأولى شائعة شعبياً واعتمدها الاستعمار البريطاني، والثانية كانت مستعملة في الخطابات الرسمية

أمّا تاريخ الجيش والوطن فقد استعاده قائد الانقلاب وزير الدفاع مين أونغ هلينغ Min Aung Hlaing، في احتفال يوم القوات المسلحة في 27 آذار الماضي، عندما كان الجنود يقتلون عشرات المتظاهرين في الشوارع (أكثر من 500 قتيل منذ انقلاب 1 شباط الماضي).

واللافت، في خطابه الطويل، حديثه عن “التاتمادو” وكأنّه كيان موازٍ للشعب. فالجيش بتعاون الشعب معه، قاوم اليابانيين ثم البريطانيين. ثم انتصر على حركات التمرد تباعاً، على الشيوعيين المدعومين من الصين، وعلى المجاهدين المسلمين في ولاية راخين بين عامي 1951 و1961. وما بين عامي 1962 و1972، قضى على التمرد في باغو ومنطقة دلتا. وفي عام 1975، تفوّق على التمرّد في جبل باغو. وانتصر على التمرد الشيوعي عاميْ 1988 و1991. وما بين عامي 2015 و2016، قاوم الجيش محاولات الاختراق في الشمال. وكان الجيش حاضراً في عمليات الانقاذ الإنساني، وإخلاء العاملين في الرعاية الطبية من ولاية راخين أثناء النزاع هناك بين عاميْ 2016 و2017، من دون ذكر تهجير أكثر من مليون مسلم من قومية الروهينغا بعد انتهاكات خطيرة وصفتها الأمم المتحدة بأنّها “جرائم ضدّ الإنسانية” و”جرائم إبادة”.

كان الجيش أيضاً في مواجهة وباء كوفيد – 19. وأخيراً، راجع الجيش مجريات العملية الانتخابية في 8 تشرين الثاني 2020، فعثر فيها على اختلالات وانتهاكات تبلغ أكثر من 10 ملايين. عندئذ تحمّل مسؤولياته بإزاء الحكومة التي تقودها “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية NLD”، يقول قائد الانقلاب، بعدما تجاهلت الحكومة ملاحظات الجيش على هذه الانتخابات، فألغى النتائج وفق مقتضيات قانون الطوارئ، وتعهّد بانتخابات حرّة ونزيهة. وهذا ما أثار ردّاً غير مسبوق من قادة 12 جيشاً في المنطقة.

زعيمة المعارضة سو كي، المعتقلة حالياً، ذات تاريخ مرير وطويل مع العسكر. هي دبلوماسية، وسياسية وكاتبة، وعملت في الأمم المتحدة ثلاث سنوات. وهي حائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1991. أصبحت إحدى أشهر المعتقلات السياسيّة في العالم عندما ألغى الجيش نتائج انتخابات عام 1990 التي فازت فيها “الرابطة الوطنية” بأكثر من 81% من أصوات الناخبين. وقضت سو كي 15 عاماً في الاعتقال المنزلي خلال 21 عاماً بين 1989 و2010. والأهمّ، رمزياً، أنّها الابنة الصغرى لأب الأمّة الجنرال أونغ سان Aung San، مؤسّس الجيش ومحرّر البلاد من البريطانيين. لكنّه اغتيل بعد ستة أشهر بعد تحقيق هدف الاستقلال عام 1947.

إقرأ أيضاً: شهادات ناجيات مسلمات: الصين تعقّم النساء بالتطعيم.. وتخفي الرجال

لم تفعل سو كي شيئاً لوقف المجزرة ضدّ مسلمي الروهينغا، بل إنّها دافعت عن الجيش في محكمة العدل الدولية عام 2019. كلّ هذا لم يشفع لها، مع إدراك الجيش الحاكم أنّ إدارة جو بايدن تتبنّى حملة دبلوماسية قاسية ضدّ الدول المنتهكة لحقوق الإنسان. وربما كان انقلاب “التاتمادو” وجهاً من وجوه التحدّي الصيني في توقيت حرج، مع اتهامات بدعم الصين تقليدياً للحكم العسكري.       

إقرأ أيضاً

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…

هل يُسلّم البيطار ملفّه لمدّعي عام التمييز؟

من موقعه القضائي كرئيس لمحكمة التمييز الجزائية كان القاضي جمال الحجّار يتابع مراحل التحقيقات في انفجار المرفأ. وكانت لديه مقاربته القانونية-الشخصية للتعقيدات التي كبّلت الملفّ…