10 أسباب: لماذا ترك جنبلاط ضفّة النهر؟

ابتعد وليد جنبلاط نسبيّاً عن ضفّة النهر. الرجل قلق من الطوفان، وخائف من تداعيات الفيضان المحتمل.

التخوّف بات يطبع الرجل، بفعل هول قراءاته واستنتاجاته، وما يستنتجه أنّه قد يعقب “الاصطدام الكبير”. هو الذي، سابقاً، اعتزل المعارك، مفضّلاً الجلوس على ضفّة النهر، منتظراً مرور جثث أعداء لبنان، ذات ثورة سورية. لكنّه اليوم يفضّل الابتعاد عن الضفّة. معركة وحيدة ويتيمة خاضها وربح فيها، كانت معركة قبرشمون، وكانت غايتها وقف التعدّي، ولم تكن بدافع الهجوم.

غالباً ما يأتي موقف وليد جنبلاط التسوويّ أو التراجعيّ في لحظة مفصليّة، وتتبعه أحداث كثيرة. حينها تُتلى كلمة وحيدة على كل الألسن وبشكل لاواعٍ ولاشعوريّ. كلمة “لو”. لو أنّه لم يفعل، لو أنّه تأخّر في إقدامه أو إحجامه، لو انتظر قليلاً لَما أقدم على تلك الخطوة، ولَما توجّه إلى بعبدا يوم السبت الفائت، طالما أنّ الرئيس سعد الحريري سيتّخذ موقفاً غير مسبوق برفضه الاستمرار في القفز فوق اتفاق الطائف وضرب الدستور، وبفعل دعم واضح من الرئيس نبيه برّي وبيان المكتب السياسيّ لحركة أمل صباحاً قبل أن يدير الحريري محرّكات موكبه باتجاه بعبدا.

.التخوّف بات يطبع الرجل، بفعل هول قراءاته واستنتاجاته، وما يستنتجه أنّه قد يعقب “الاصطدام الكبير”. هو الذي، سابقاً، اعتزل المعارك، مفضّلاً الجلوس على ضفّة النهر، منتظراً مرور جثث أعداء لبنان، ذات ثورة سورية

كلمة “لو” هنا لا تنفع، كما لم تنفع عندما اندفع جنبلاط للسير في التسوية الرئاسيّة لانتخاب رئيس الجمهوريّة ميشال عون. ولاحقاً كان الندم هو السائد، وقيلت الـ”لو” أيضاً: لو أُخِّرت جلسة الانتخاب أسبوعين وانتظر اللبنانيون فوز دونالد ترامب لَما كان لجلسة الانتخاب أن تعقد.

لن يبرّر كثر خطوة جنبلاط بفكّ عزلة عون، الرئيس الذي لم يزر أيّ دولة في عهده باستثناء المملكة العربيّة السعوديّة وفرنسا، وبعدها شارك فقط في اجتماعات للجامعة العربيّة والأمم المتّحدة. وهو الرئيس الذي يعيش منذ فترة عزلة سياسيّة وديبلوماسيّة شبه تامّة.

يتّخذ جنبلاط خطوات تراجعيّة يمكن للمرء أن يتفهّمها إذا أراد البحث عن مبرّرات لها. لكنّها لا يمكن تقبّلها. خصوصاً أنّها تأتي في توقيت قاتل. فلحظة ذهابه إلى بعبدا ودعوته إلى التسوية كانت في الوقت التفاوضيّ الحرج بين سعد الحريري وميشال عون. ويسجّل للأوّل أنّه بقي على صموده. حتّى إنّ رئيس “الاشتراكي” لم يعلن موقفاً صريحاً رافضاً للثلث المعطّل من على منبر بعبدا، بينما كان في إمكانه إعلان ذلك فيكون الموقف علامةً فارقةً تشير إلى بقائه على موقفه السابق للزيارة.

اعتبارات كثيرة فرضت على جنبلاط الإقدام على خطوته. لكنّه سائر على أوتوستراد كبير، مقسّم إلى ثلاث سرعات: جهة اليسار هي الأسرع، في المنتصف سرعة متوسطة، وجهة اليمين تعني السير ببطء. يغيّر سرعاته كثيراً. يبدّلها لكنّه يبقى على الأوتوستراد نفسه ولا يغيّر وجهته. حتّى إذا انعطف يميناً أو توقّف إلى جانب الطريق. غالباً ما يلجأ إلى ذلك لحظة استشرافه خطراً كبيراً. وهو مسكون بـ7 أيار، ولا يريد لها أن تتكرّر. سئم المعارك. يهتمّ فقط بالجوع والعوز الذين يزحفان على بيئته في الجبل وعلى كلّ لبنان. وعندما تسأله عن أحوال المنطقة وتطوّراتها، يرفض الإجابة قائلاً: “حاج تحلّلوا، همّي الناس كيف تؤمّن الأكل والشرب، الصحّة، والهدوء”.

قيل كثيراً إنّه زئبقيّ إلى درجة كبيرة. هو القادر بتغريدة واحدة على التحوّل من زعيم درزيّ، إلى زعيم وطنيّ، إلى قائد ثورة، وبتغريدة أخرى يعود زعيماً لقصر المختارة ومحيطه الدرزي. يعود إلى “التقوقع من جديد”: “همّي هو الجبل، الوحدة، التعايش، منع التوتّر، واستقرار لبنان”، يجيب عندما يُسأل كثيراً عن خلفيّة موقفه الأخير واتهامه بالخوف: “لستُ خائفاً على نفسي، أخاف على البلد، على هذه الصيغة من التحلّل والذوبان بسبب حروب عبثيّة”.

اعتبارات كثيرة فرضت على جنبلاط الإقدام على خطوته. لكنّه سائر على أوتوستراد كبير، مقسّم إلى ثلاث سرعات: جهة اليسار هي الأسرع، في المنتصف سرعة متوسطة، وجهة اليمين تعني السير ببطء

في السياسة، هو اندفع إلى هذه الخطوة نتيجة عوامل كثيرة:

أوّلاً: شهد الجبل في الأيّام الماضية أربعة أحداث أمنيّة، قرأها الرجل على أنّها رسائل مبطّنة تحت الحزام:

1 – مشكلة كفرحيم بين مناصرين لوئام وهّاب وشرطة البلدية المحسوبة على “الإشتراكي”.

2 – مشكلة في الشويفات عُمِل على لملمتها فوراً بالتنسيق مع حركة أمل وحزب الله.

3 – مشكلة في خلدة على خلفيّة قطع الطريق.

4 – حادثة إطلاق النار من أحد مناصري “الحزب الديمقراطيّ” الأرسلاني على نجل مفوّض الشؤون الداخليّة في الحزب هشام ناصر الدين. ومعروف أنّ ناصر الدين من “العسكر القديم”.

التقط جنبلاط هذه الحوادث كرسائل أمنيّة، قابلة لأن تكبر أكثر، فأراد وأدها في مهدها.

ثانياً: موقف الأمين العام لحزب الله الذي ذهب إلى حدّ التهديد بالتدخّل تدخّلاً مباشراً على خلفيّة قطع الطرقات ومنع حصولها، فتلمّس جنبلاط منه تلويحاً بالاستعداد للتدخّل ولو بالقوّة.

ثالثاً: الموقف العنيف الذي أطلقه نصر الله بحقّ قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، والذي يعني ملامسة الواقع اللبنانيّ حدّ الخطر الكبير.

رابعاً: الرسائل المبطّنة الانتقادية التي وجّهها نصر الله إلى الرئيس نبيه برّي.

خامساً: المؤشر إلى التصعيد الكبير بين الحريري ورئيس الجمهوريّة، والذي اتخذ الحزب موقفاً واضحاً فيه إلى جانب رئيس الجمهوريّة.

سادساً: ما عبّر عنه من غياب الاهتمام الدوليّ والعربيّ بلبنان. وهو قال ذلك “عمْداً”، للتحذير من التورّط في معركة كبيرة تستدعي تدخّلاً من حزب الله، كما حصل في 7 أيّار. وهو كان ذكّر مراراً بأنّ قوى 14 آذار تركتها كلّ الدول والقوى الداعمة لهم عشية 7 أيّار، فكيف اليوم ولا أحد يهتمّ بلبنان.

سابعاً: لا يريد جنبلاط أيّ توتّر درزيّ – مسيحيّ في الجبل، خصوصاً في الشوف، لذلك اختار أن “يهدّئ اللعب” مع رئيس الجمهوريّة.

ثامناً: هو أكثر العالمين بموقف رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وتنسيقه الكامل مع الحريري، وكيف دعمه في عدم التنازل عن الثلث المعطّل ولا عن حكومة الاختصاصيّين. وبما أنّ برّي والحريري يقودان المعركة ففي إمكانه التنحّي جانباً للحدّ من الخسائر، وبذلك لا يُتّهم بأنّه هو الذي يحرّض الحريري وبرّي معاً.

إقرأ أيضاً: جنبلاط في بعبدا: الخرطوشة الفارغة الأخيرة لـ”تسوية” قبل الانهيار

تاسعاً: يستمرّ بالدعوة إلى التسوية وعدم الانخراط في لعبة الأمم، وهذا الموقف جدّده بعد الخلاف بين عون والحريري، لأنّه يرى أنّ ما يجري سيقود إلى انهيار كبير، تكون السيطرة فيه للأقوى، والدول تتعاطى دوماً مع الأقوى. وهذا ما تفعله إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حالياً.

عاشراً: لا يخفي جنبلاط خشيته من تلاعب أيادٍ خارجيّة وداخليّة بالواقع اللبنانيّ القائم حالياً، وسعيها إلى تسعير الخلاف أو الصدام الذي سيؤدّي إلى الانهيار، وفي النهاية تكون النتائج سلبية جداً كما حصل بعد 7 أيّار.

هي عشرة أسباب، أوصلت جنبلاط إلى اتخاذ هذا الموقف، الذي أثار استغراباً واسعاً في الأوساط السياسيّة والديبلوماسيّة. وقد تلقّى عشرات الاتصالات للاستفسار. تفهّمه البعض، ولم يتفّهمه البعض الآخر.

لكنّ جوابه كان وحيداً وواضحاً: “همّي هو الاستقرار الأمني”.

إقرأ أيضاً

لبنان أمام خيارين: الحرب.. أو جنوب الليطاني “معزول السلاح”

ستّة عشر شهيداً سقطوا في أقلّ من أربع وعشرين ساعة في جنوب لبنان. هي الحصيلة الأكثر دموية منذ بداية الحرب. ليس هذا الخبر سوى مؤشّر…

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…