عَجِّل يا صيدلي…

عَجِّل يا صيدلي…

مدة القراءة 4 د.

يصيبني الإحباط والقرف، فأقرأ المعوذتين كلما طلبت منّي أم زهير أن أحضر لي ولها أدويتنا الشهرية. فالصيدليات في حَيّنا ما عادت قادرة على تلبية طلبات زبائنها المرضى، بسبب الشحّ في الدواء الذي تأثّر بانخفاض منسوب العملات الصعبة والدولارات الذي أصاب خزائن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قُدّس سرّه الشريف.

ولكي أجمع تلك الأدوية من هنا وهناك، تراني أجول صيدليات العاصمة وضواحيها على مدى أيام وأسابيع، فأروي الروايات لهذا الصيدلاني وألاطف ذاك، وأتغزّل بتلك الصيدلانية حتّى أحصل مطلبي… هذا الحال، إلى جانب القرف، أصابني بالهلوسة والمسّ إلى حدّ أنني صرت أتلعثم، وأستبدل لا إراديًّا، الكلام بأسماء الأدوية، فأنطق بمصطلحات لأدوية ووصفات وأبر وحقن وحناجير ومراهم، تجول في فكري من دون أن أفهم معانيها ولا أفقه استعمالاتها.

الأسبوع الفائت قصدت عشر “أكزخانات”. حتّى رسوت داخل واحدة، بعيدة عن منزلي عشرات الكيلومترات، قيل لي إنّها ذات حظوة، وحظوتها تمكّنها من تأمين الأدوية بكميات كبيرة بفعل الفيتامين “واو”، الذي يُسمى في وطننا العربي “واسطة” أو “Nepotism” بلغة الفِرنجة الكفَرة أعداء الله.

لكي أجمع تلك الأدوية من هنا وهناك، تراني أجول صيدليات العاصمة وضواحيها على مدى أيام وأسابيع، فأروي الروايات لهذا الصيدلاني وألاطف ذاك، وأتغزّل بتلك الصيدلانية حتّى أحصل مطلبي

دخلت تلك الصيدلية وسألته عن القطرة الخاصة بعيوني (يا عيوني)، قلت للصيدلاني العامل فيها: لو سمحت، أريد قطرة من صنف… فقاطعني وقال “Alcon”؟

فقلت له: غريب… مين قلكن؟

أردفت: صيدليّتك هذه “Aceda” من مكان بعيد و “Deline” عليك لأنّك آدمي، ما حدا غريب “Benta” لجارتنا، فأرجوك أن تعطيني الدواء. ألا كتبت لي التفاصيل على الوصفة الطبية وختمتها؟ لأننّي أودّ تقديمها إلى صندوق الضمان الاجتماعي؟ لطفًا “Zocor” التفاصيل المطلوبة حتى لا يردّونني خائبًا. ما بدّي وصّيك “Entapro” وبتعرف بهيدي الأمور، فهم ينتظرون حجة “من غيمة” كي يتهرّبوا من الدفع.

رمقني من تحت النظارات، وقال لي: عندي كتير شغل بس “Amaryl” لله… تكرم عينك. بعد ذلك أردف بسؤال آخر: “Elecom” زمان ساكنين هون؟… 

عرفت سريعًا أنه يتقصّى إن كنت من سكّان الحي، لأنّ الصيدليات تفضّل غالبًا تخصيص الأدوية لجيرانها حصرًا وليس للغرباء وعابري السبيل بسبب الأزمة، فبادرته بالقول: عمّي… أنا لست غريبًا عن حيّكم.. بالرايح عن صيدليتك في نزلة ومفرق بتنزل بتلاقي “Furane” مناقيش، أنا ساكن بالبناية نفسها.

دخلت تلك الصيدلية وسألته عن القطرة الخاصة بعيوني (يا عيوني)، قلت للصيدلاني العامل فيها: لو سمحت، أريد قطرة من صنف… فقاطعني وقال “Alcon”؟

بادلني الابتسامة، وقال لي ساخرًا من تسريحة شعري من باب “تغيير الجو” والملاطفة، تحديدًا من قرعتي (سرّ جمالي): هلق بيناتنا ع “Alzema” والضمير ما عبالك تزرع شعر أو تركّب “Berocca”؟

فاجأني بسؤاله وأغضبني للصراحة، لكنّني كظمت غيظي وقلت له: يا عم زعلتني منك… هيك شكلي حلو وMebo شي!

تقهقه لهنيهات ثم قال: شكلو في ناس غيري “Aracenac” بهيدا السؤال و”Ecalta” من غيري كمان… بس أنا عم إمزح معك “Mobic” شي شكلك… حلو!

إقرأ أيضاً: يلّي بعيّب… بيبتلى

ابتسمت بوجهه، ثم قلت له: عمّي لا تحمل همّ و”Zeta” ورا ضهرك وإحمِد “Rabec” على كلّ شيء، المهم تعطيني الأدوية… وإلّا ما كنت “Zyrtec” من أساسو.

المهم، أعطاني الأدوية وعند الدفع تفاجأت بارتفاع ثمن بعضها، فقلت له: بس يا عم ببلاد الـ “Anazol” الدوا أرخص من عنّا بكتير، كلّ الناس عم تشتريه من هونيك ووزير الصحة عنا حافظ كم حجة “Saridon” علينا: ساعة الدواء مدعوم، ساعة الدواء على حساب الضمان، ساعة المصنّع محلي… “Cetrak” يا رب!

أخذت منه الدواء والوصفة الطبية وتشكّرته، ثمّ عدت وأم زهير بسيارتي الـ”تويوتا” “Cialis”، وتشكرت الباري واستغفرته ودعوته أن يقينا عذاب الـ”Dareq” الأسفل في النار… ألم تكفنا “جهنم العهد”؟

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

إقرأ أيضاً

من يجرؤ على مواجهة الحزب.. قبل تدمير لبنان؟

تكمن المشكلة المزمنة التي يعاني منها لبنان في غياب المحاسبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقضايا كبرى في مستوى دخول حرب مع إسرائيل بفتح جبهة جنوب…

لماذا لا يرى أتباع إيران الحقيقة؟

لو صدّقت إيران كذبتها فذلك من حقّها. غير أنّ حكاية الآخرين مع تلك الكذبة تستحقّ أن يتأمّلها المرء من غير أن يسبق تأمّلاته بأحكام جاهزة….

حسابات أنقرة في غزة بعد 200 يوم

بعد مرور 200 يوم على انفجار الوضع في قطاع غزة ما زالت سيناريوهات التهدئة والتصعيد في سباق مع الوقت. لو كان بمقدور لاعب إقليمي لوحده…

مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

لا يُلام مقتدى الصدر على استعراضاته المتكرّرة بل يقع اللوم على مَن يصدّق تلك الاستعراضات ويشارك فيها. وقد انخفض عدد مناصري الصدر بسبب ما أُصيبوا…