البطريرك ليس طرفًا كي ندعوه إلى الحوار

“لقد قلنا ما قلناه”، هي معادلة أرساها البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير. ليس على كلامه وحسب، وهو سيّد الكلام في حينه، بل عن كل كلام أو موقف يصدر عن الصرح البطريركي أو عن أيّ بطريرك في أيّ زمان.

لا يصدر عن بكركي وسيّدها مسائل وقضايا للنقاش، ولا من عادتها أن تدخل في جدال الكلام، بل هي ومنذ نشأتها تُصدر أحكامًا وطنية على شكل مواعظ. وتفسير الموعظة أنّها نهيٌ وتحذيرٌ من الوقوع في الحرام. ليس بالضرورة أن تكون تلك الأحكام مبرمةً وفقًا للقوانين المرعيّة الإجراء. بل هي أحكام مبرمة وفقًا للحقيقة ومعها إجماع الناس.

ما قاله البطريرك بشارة الراعي من شبّاك الصرح البطريركي مخاطبًا المحتشدين في الساحة يوم السبت الفائت، لم يكن طرحًا قابلًا للنقاش أو للحوار. بل هو خلاصة قناعات توصّل إليها سيّد الصرح بعدما سُدّت كلّ الأبواب، وفقد الناس الأمل في أن تَخرُج المنظومة السياسية من المأزق الذي يُثقل كاهل الناس، ولم نشهد مثله عبر كل العهود. ما قاله الراعي هو بمثابة عظة وطنية لا تحتمل أيّ جدال.

فالعظة يُنصت لها، ويُستجاب لها لأنها الفيصل من الوقوع في براثن الشيطان.

لا يصدر عن بكركي وسيّدها مسائل وقضايا للنقاش، ولا من عادتها أن تدخل في جدال الكلام، بل هي ومنذ نشأتها تُصدر أحكامًا وطنية على شكل مواعظ

كلّ الردود والانتقادات من أقلام معروفة الانتماء والتبعيّة، ومن ذباب إلكتروني يُحرّك بالريموت كونترول، لن تغيّر شيئًا مما قاله البطريرك في ذاك اليوم المشهود. حتّى البطريرك نفسه لو أراد أن يغيّر ما قيل فلن يستطيع، هذا عُرف البطريركية وواقعها.

لقد قال البطريرك الراعي ما قاله قبله البطريرك الياس حويك عام 1920، وتمامًا أيضًا ما قاله قبله البطريرك مار نصر الله بطرس صفير عام 2005 عندما أجمع اللبنانيون على ضرورة تحرير الوطن والناس، وبينها البطريرك عريضة الذي أعلن استقلال لبنان في العام 1943.

.. “لقد قلنا ما قلناه”، جملة البطريرك صفير هي الردّ على كلّ ما سيقال وما قيل. الرسالة وصلت إلى العالم، وإلى من يجب أن يصغي ويعنيه ما وصل إليه لبنان من وضع خطير.

لقد قال البطريرك الراعي ما قاله قبله البطريرك الياس حويك عام 1920، وتمامًا أيضًا ما قاله قبله البطريرك مار نصر الله بطرس صفير عام 2005 عندما أجمع اللبنانيون على ضرورة تحرير الوطن والناس، وبينها البطريرك عريضة الذي أعلن استقلال لبنان في العام 1943

كلام البطريرك الراعي ليس دعوة إلى الحوار كما وصفها البعض، أو دعوة إلى الحرب كما أراد البعض أن يفسرها، إنّما هو محضر خلاصات وتوجيهات لكلّ المقصّرين كي ينصتوا إلى الحكم الصادر عن الناس، بأنّ ما يحصل لا يمكنه أن يستمرّ وقتًا طويلًا. وهي دعوة إلى الانضواء تحت الدستور وإلى العودة لاتفاق الطائف والميثاق.

عظة البطريرك الوطنية لا تحتمل أيّ حوار، فهو ليس طرفًا كي ندعوه إلى الحوار، ولم يكن يومًا كذلك. فتوصيفه قد كُتب منذ نشأة لبنان، وما على الجميع إلا أن يقرأ ما كُتب على بابه أنّه أعطي وحده دون غيره “مجدَ لبنان”.

إقرأ أيضاً: كلام البطريرك… بطريرك الكلام

لا حوار حول وجود الدويلة داخل الدولة، ولا حوار حول تحرير الدولة من براثن الهيمنة والفساد، ولا حوار مع الميليشيات ولا مع المافيا، ولا يستوي الكلام إن كان نقاشًا حول العيش بكرامة أو العيش بذلّ وهوان.

سيّد بكركي لم يتحدّث في السياسة وما تدخّل بها، فهو مؤمن بفصل الدين عن الدولة، وما كان له أن يطلق عظته وموقفه لو كان بين السياسيين من صدق القول وأجاد العمل، ولم يكن متخاذلًا على مرّ الأيام. كلام البطريرك خريطة طريق غير قابلة للنقاش. هي وصفة طبيب لمريض مهمته فقط أن يتناول الدواء وأنّ يدعو الله أن يكون فيه الشفاء.

إقرأ أيضاً

من يجرؤ على مواجهة الحزب.. قبل تدمير لبنان؟

تكمن المشكلة المزمنة التي يعاني منها لبنان في غياب المحاسبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقضايا كبرى في مستوى دخول حرب مع إسرائيل بفتح جبهة جنوب…

لماذا لا يرى أتباع إيران الحقيقة؟

لو صدّقت إيران كذبتها فذلك من حقّها. غير أنّ حكاية الآخرين مع تلك الكذبة تستحقّ أن يتأمّلها المرء من غير أن يسبق تأمّلاته بأحكام جاهزة….

حسابات أنقرة في غزة بعد 200 يوم

بعد مرور 200 يوم على انفجار الوضع في قطاع غزة ما زالت سيناريوهات التهدئة والتصعيد في سباق مع الوقت. لو كان بمقدور لاعب إقليمي لوحده…

مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

لا يُلام مقتدى الصدر على استعراضاته المتكرّرة بل يقع اللوم على مَن يصدّق تلك الاستعراضات ويشارك فيها. وقد انخفض عدد مناصري الصدر بسبب ما أُصيبوا…