“قصة لم تُروَ”: عودة الرياض والدوحة معاً إلى بيروت؟

ليس نبأً عادياً وصول نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى بيروت غداة عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى مقرّ عمله في لبنان. فالمسؤول القطري شوهد لآخر مرة في العاصمة اللبنانية في 25 آب الماضي، حين جاء متضامناً بعد الانفجار الهائل في مرفأ بيروت. أما الديبلوماسي السعودي فقد حزم حقائبه وغادر لبنان في أوائل تشرين الماضي في إجازة طويلة استمرّت أكثر من ثلاثة أشهر.

في معلومات لـ”أساس” من مصادر ديبلوماسية عربية، أنّ عودة النشاط السعودي والقطري إلى الساحة اللبنانية هو أحد نتائج “قمة العلا” التي استضافتها المملكة العربية السعودية  في 5 كانون الثاني الماضي، وشهدت عودة قطر إلى مجلس التعاون الخليجي، وبدأت برأب الصدع بين مصر وبين قطر وذلك بعد أربعة أعوام من القطيعة. ولم يكن بمقدور أحد أن يدرك حجم هذا الحدث في حينه، إلا أنّ الوقت قد حان لمعرفة حجم تأثير المصالحة الخليجية عموماً، وفي لبنان خصوصاً، لا سيما وأنّ تجدّد الحضور الخليجي على الساحة اللبنانية، يأتي متناسقاً وليس متعارضاً مع تحرّك دولي يبدأ في باريس وينتهي في واشنطن مروراً بالفاتيكان.

قد يكون من المبكّر الحسم في مسألة مدى النشاط الدبلوماسي السعودي المواكب للمبادرة الفرنسية التي لن تتبلور قبل نهاية الشهر، والأرجح أنّ السعودية ستحرص على أن لا تكون شريكاً علنياً لأي مسعى دولي إلاّ أنّ للدور القطري معنىً مختلف. فالمسؤولون القطريون من الأمير الوالد إلى الأمير الحالي على صلة وثيقة ومستمرة مع العماد عون منذ اتفاق الدوحة و”دالتهم” عليه لا تشبه أيّ “دالّةٍ” أخرى لأي جهة عربية. فضلاً أنّ حزب الله ومن ورائه إيران لم يتعرضا تاريخياً للدولة القطرية في أيّ نص مسموع أو مكتوب لذلك فإنّ المرجّح أن تكون قطر من خلال زيارة نائب رئيس وزرائها تستطلع ميدانياً قدرتها على التأثير على الرئيس عون والوزير جبران باسيل الذي التقى المسؤول القطري دون إعلام.

في معلومات لـ”أساس” من مصادر ديبلوماسية عربية، أنّ عودة النشاط السعودي والقطري إلى الساحة اللبنانية هو أحد نتائج “قمة العلا” التي استضافتها المملكة العربية السعودية في 5 كانون الثاني الماضي

قبل الذهاب إلى رسم خريطة عمل للعودة الخليجية إلى لبنان، تشير الأوساط الديبلوماسية إلى أنّ مفتاح التغيير الذي تشهده المنطقة، والذي بدأت ملامحه في قمة المصالحة الخليجية، يكمن في انتقال السلطة بالولايات المتحدة الأميركية من الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى الرئيس الديموقراطي جو بايدن.

في حينه، وتحت عنوان “عناق العلا”، استعرض محمد الساعد في صحيفة “عكاظ” السعودية عدداً من الخلافات التي وقعت بين الدول العربية في الماضي، والخلافات الحاضرة بين أميركا والصين وغيرها، ليسلّط الضوء على أهمية المصالحة في هذا التوقيت.

أما صحيفة “الراية” القطرية فقالت في افتتاحيتها إنّ المصالحة الخليجية “انتصار لمجلس التعاون الخليجي، لأن ما حدث في القمة الخليجية الـ41 هو عودة العلاقات إلى طبيعتها ما قبل الأزمة من قِبل كافة الأطراف، الأزمة الخليجية كانت وضعًا استثنائيا لسنوات مضت”.

تشير الأوساط الديبلوماسية إلى أنّ مفتاح التغيير الذي تشهده المنطقة، والذي بدأت ملامحه في قمة المصالحة الخليجية، يكمن في انتقال السلطة بالولايات المتحدة الأميركية من الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى الرئيس الديموقراطي جو بايدن

ما هو الفارق الذي سيلمسه لبنان الغريق في بحر الأزمات المتلاطم بفعل هذه المتغيرات؟

إذاً، هناك “مشاورات” كما قال المسؤول القطري في بعبدا. لكن ما يقله، هو  “سرّ” سفر الرئيس المكلّف سعد الحريري في هذا التوقيت بالذات، إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يستعدّ بدوره للقيام بجولة خليجية تبدأ في أبو ظبي وتنتهي في الرياض. ومرّة أخرى، بالاستناد إلى معطيات المصادر الديبلوماسية العربية لـ”أساس”، يجري التداول بـ”صيغة جديدة” للمبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس ماكرون بعد انفجار المرفأ، التي كان في مضمونها تشكيل حكومة من الاختصاصيين لم ترَ النور سواء على يد الرئيس المكلف السابق  مصطفى أديب، أو على يد الرئيس المكلف الحالي سعد الحريري. أما مضمون هذه “الصيغة الجديدة”، وهنا الأهمية، فأنّها تمرّ بطهران وتصل إلى الضاحية الجنوبية لبيروت ليتولّى متابعتها “حزب الله”. وفي هذا السياق كان لافتاً ما أوردته المصادر الإعلامية للحزب من أنّ “المعطيات الجديدة ” تفيد بأنّ باريس “تحتفظ باقتراح لحلّ أزمة الحكومة اللبنانية لكنّه لا يزال تحت الطاولة”.

قبل أن يصيح “ديك” التحرّكات الجديدة، تلقّى موقع “أساس” تفاصيل آخر محاولات “لبننة” الاستحقاق الحكومي على لسان أوساط قريبة من مساعي التأليف. وروت هذه الأوساط تفاصيل المحاولة بصيغة جديدة عما تم تداوله أخيراً، وذلك على النحو الآتي:

التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري بالرئيس الحريري بحضور معاون الرئيس بري السياسي النائب علي حسن خليل . وفي مستهلّ اللقاء سأل برّي الحريري: “ما هو الحدّ الأدنى الذي تراه لتشكيل الحكومة الجديدة؟ فأجاب الحريري: “الحدّ الأدنى هو قيام  حكومة من 18 وزيراً، لا تضمّ ممثلي الأحزاب، وبرنامج عملها البنود الإصلاحية التي سبق لي وأعلنتها بعد تكليفي خريف عام 2019”.

ثم سأل رئيس مجلس النواب الرئيس المكلف :”هل تقبل لحلّ معضلة وزيري الداخلية والعدل، أن يتولّى الرئيس ميشال عون تسمية وزير الداخلية ويعرضه عليك لنيل موافقتك، على أن تتولّى أنت تسمية وزير العدل وتعرضه على الرئيس عون لنيل موافقته؟”. فردّ الحريري موافقاً على ما اقترحه برّي. ثم أردف “أبو مصطفى” : “ما رأيك أن أتولّى إشراك حزب الله في تسويق هذا المخرج مع التيار الوطني الحر؟”. فردّ الحريري بالإيجاب مجدداَ.

قبل أن يصيح “ديك” التحرّكات الجديدة، تلقّى موقع “أساس” تفاصيل آخر محاولات “لبننة” الاستحقاق الحكومي على لسان أوساط قريبة من مساعي التأليف

بعد هذا اللقاء في عين التينة انتقل المعاون السياسي لبري إلى الضاحية الجنوبية ناقلاً معطيات اللقاء بين بري والحريري إلى المعاون السياسي للامين العام لـ”حزب الله” الحاج حسين الخليل في حضور الحاج وفيق صفا المكلّف بملفّ العلاقات بين الحزب والتيار. وهنا قال المعاون السياسي للأمين العام للحزب، متوجّهاً إلى المعاون السياسي لبرّي: “لنستفد من الوقت  ونتصل حالاً برئيس التيار جبران باسيل للوقوف على رأيه في هذا المخرج”. وهنا، انفتح خطّ التواصل بين الضاحية وميرنا الشالوحي. وقد بادر الحاج خليل إلى سؤال النائب جبران باسيل من دون أن يكشف له تفاصيل مبادرة الرئيس برّي: “ما هو الحدّ الأدنى الذي يمكن أن يذهب إليه التيار في تشكيل الحكومة؟” فردّ باسيل: “نريد حكومة تضم ما بين 20 و24 وزيراً، على أن يكون وزراؤها من الأحزاب، على أن تكون حقيبتا الداخلية والعدل من حصّة رئيس الجمهورية”.

إقرأ أيضاً: واشنطن والقاهرة وأبو ظبي… محاولة لإنعاش مبادرة ماكرون

عند هذا الحد انتهت مبادرة رئيس مجلس النواب التي اصطدمت بجدار تيار رئيس الجمهورية. وهذا ما فسّر اندلاع الاشتباك السياسي العلني بين عين التينة وميرنا الشالوحي بعد مكالمة الخليل مع باسيل.

عندما سُئِلَ وزير الخارجية القطري في قصر بعبدا: هل من توجّه لدعوة الافرقاء اللبنانيين إلى الدوحة على غرار ما حصل عام 2008 للتوصل إلى اتفاق سميّ آئنذاك بـ”إتفاق الدوحة”؟ أجاب: “إذا طُلب من دولة قطر من قبل الأطراف أن يكون لها دور لتسهيل أي حوارات، فهي مستعدة لذلك، لكنّنا على ثقة بأنّ هنالك قدرة لدى التيارات السياسية في لبنان لتغليب مصلحتهم الوطنية، ودولة قطر ستدعم أي مسارات لتشكيل حكومة تحدث استقراراً سياسياً في لبنان.”

لا يبدو أن لبنان مقبل على “دوحة-2 ” كما تردّد في الساعات الماضية. لكنّه على ما يبدو مقبل على خليط من مبادرات بينها باريس والرياض والدوحة وعواصم أخرى.

هذا بعضٌ من معالم “قصّة لم تُروَ” كاملة، حول الحضور المفاجئ للدوحة في بيروت معاً.

إقرأ أيضاً

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين،…