عون يخوض معركة حياة أو موت “عهد”: التمديد لمجلس النواب تمديد له

لم تلقَ آذاناً صاغية في بعبدا الدعوة التي وجّهها البطريرك بشاره الراعي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، في 17 الجاري، بـ”أخذ المبادرة بالاتصال بالرئيس المكلّف سعد الحريري للقاء مصالحة شخصية بينهما”. 

الردّ الأكثر وضوحاً على دعوة بكركي جاء في “بيان الجمعة” الرئاسي الذي أشار إلى أنّه “ليس لرئيس الجمهورية تكرار دعوة رئيس الحكومة المكلّف إلى الصعود إلى بعبدا، لأنّ القصر الجمهوري لا يزال بانتظار أن يأتيه رئيس الحكومة المكلّف بطرح حكومي يراعي معايير التمثيل العادل عملاً بأحكام الدستور”. 

وقافزاً فوق السجالات المُنفصلة عن الواقع لكلا الطرفين وجّه الراعي في عظة يوم الأحد رسالة إلى بعبدا فكّت شيفرتها سريعاً بتحميل رئيس الجمهورية مباشرةً، ومن خلفه جبران باسيل، مسؤولية التمادي في تعطيل تأليف الحكومة عبر القول: “الدستور واضح وضوح الشمس”، داعياً إلى أن يُنأى “بالدستور عن المصالح الفئوية التحاصصية التي تتلطّى خلف تفسيره”. 

في هذا السياق، تقول مصادر قريبة من بعبدا: “ليس هناك أدنى شكّ لدى رئيس الجمهورية بانحياز الراعي الى جهة الحريري، وهو يدرك حجم الحملة الكبيرة على عهده، والوضع المعيشي والمالي والاقتصادي والصحي الضاغط لتأليف الحكومة… لكنّ معركة الحكومة بالنسبة له معركة مصير. لنقل: حياة أو موت عهد. وبنتيجتها سيُقرّر مصير العام وتسعة أشهر المتبقية من عمر العهد وما يليه. وبالتأكيد لن يسمح عون للحريري، مع فريقه الوزاري، أن يكون المسؤول الأول عن إدارة عهده تحت حجّة “المجتمع الدولي بدو هيك”. 

الردّ الأكثر وضوحاً على دعوة بكركي جاء في “بيان الجمعة” الرئاسي الذي أشار إلى أنّه ليس لرئيس الجمهورية تكرار دعوة رئيس الحكومة المكلّف إلى الصعود إلى بعبدا

وأبعد من ذلك، تقول شخصية يتسنّى لها التواصل مع رئيس الجمهورية، على الرغم من الإجراءات الصحية المشدّدة في بعبدا في مواجهة كورونا: “بعكس ما يفترض البعض لا يرى عون أنّ ما يحصل يُشكّل استنزافاً لرئيس الجمهورية ولعهده فيما رئيس الحكومة المكلّف “مرتاح على وضعه”. الأخير يبقى مكلّفاً وهناك حكومة تصريف أعمال تعمل وتقوم باللازم لإدارة المرحلة. ومجلس النواب يلتئم عند الضرورة فقط، لكنّ القرار في بعبدا. يظهر هذا الأمر في اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، وفي خوض معركة التدقيق الجنائي عبر رسالة رئيس الجمهورية وصولاً إلى صدور قانون في هذا الشأن، وفي متابعة الملفات القضائية، وفي التواصل مع الجهات الخارجية، وفي فرض سياسة الدعم ثم ترشيده، وفي متابعة كل القضايا الحسّاسة والملحّة من بعبدا…”.

تضيف هذه الشخصية: “في العمق يخوض عون معركة إنقاذ مشروعه المسيحي، تماماً كما فعل قبل الطائف ولا شيء سيثنيه عن ذلك. همّه إعادة كسب الجمهور المسيحي واستعادة زمام القيادة لتنفيذ ما أتى من أجله وعنوانه: “مشروع بناء الدولة”. وبرأي عون أنّه من دون موقع رئاسي مسيحي قوي لا إمكانية لتنفيذ هذا المشروع. وفي خلفيته أيضاً أن العقوبات الأميركية لم تجهز على جبران باسيل ولا على مشروعه المستقبلي لرئاسة الجمهورية. الأخير كان صاحب براءة الاختراع بتعرّض عون وتياره السياسي لـ13 تشرين آخر، وهو أمر يوافق عليه ميشال عون ويتصرّف على أساسه. ولذلك لن يسمح للحريري، أو غيره، بأن يكسره ويفرض شروطه عليه. مع علمه أنّ بكركي والرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية والقوات والأميركيين والفرنسيين يقفون ضدّه”. وتسلّم هذه الشخصية بواقع أنّ “معركة الكبار في المرحلة المقبلة ستتمحور حول الساحة المسيحية ربطاً بالاستحقاق الرئاسي”. 

في المعنى السياسي، ما تبقّى من عمر العهد لم يعد يصلح عملياً لإنجاز أيّ شيء. هو واقع يكابر عليه ميشال عون لأنّه ميشال عون. معركته الكبرى اليوم وضع الحريري عند حدّه. يترجم ذلك عبر دفعه إلى الالتزام بما ينصّ عليه دستور الطائف بوصفه الشريك الأوّل والأوحد لرئيس الحكومة المكلّف في تشكيل الحكومة وتسمية الوزراء وتوزيعهم على الحقائب. ومن هذه المعركة يتفرّع ما تبقّى من معارك، وما أكثرها على أجندة عون على رأسها استكمال مشروع مكافحة الفساد. 

في العمق يخوض عون معركة إنقاذ مشروعه المسيحي، تماماً كما فعل قبل الطائف ولا شيء سيثنيه عن ذلك

وبات من المسلّم به أن لملمة الجرّة المكسورة بين عون والحريري يحتاج إلى معجزة لا أحد يريدها أصلاً. واقعٌ  معطوف على أزمة سياسية – مالية – صحية خانقة رَمَت بالبلد في فمِ التنين وفتحت الباب على سؤال يقترب “زمنه” أكثر فأكثر: الانتخابات النيابية، حرفياً، على الأبواب ويليها استحقاق الرئاسة. فأيّ رئاسة وأيّ حكومة وأي لبنان سيكون على مشارف هذين الاستحقاقين؟

إقرأ أيضاً: ميشال عون انتهى فلا تُنعشوه

تقول مصادر بارزة إنّ “الدعوة للاتفاق على قانون انتخاب جديد، والتي يتبنّاها برّي، هي دعوة مبطّنة للتمديد لمجلس النواب. إذ أنّ الفكرة بحدّ ذاتها تعتبر اليوم ترفاً وترجمتها مستحيلة في ظلّ الأزمة السياسية، كما أنّ إجراء الانتخابات في موعدها والبلد في حالة انهيار كامل لا يبدو متاحاً. واستطراداً فالتمديد لمجلس النواب سيعني تلقائياً التمديد لرئيس الجمهورية”. 

وتنطلق المصادر من هذا التوصيف للواقع للتأكيد على أنّ “استكمال إدارة الازمة بعدّة الشغل القائمة، وبالرموز السياسية إيّاها، لن يقود سوى إلى مزيد من التحلّل”، مشيرة إلى “التخلّي الواضح من الأميركيين والأوروبيين عن لبنان. وأوّل وآخر المحاولات كانت عبر المبادرة الفرنسية التي دُفنت عملياً مع مصطفى أديب”. 

أما بارقة الأمل الوحيدة، برأي المصادر: “فقد تكمن في المسار القضائي الدولي، وأوّل طرفه ربما من سويسرا، في فتح ملفات تقود إلى محاكمة جماعية لطبقة حاكمة عاثت فساداً على مدى عقود وحان آوان “قَبعها” للبدء… على بياض”. 

 

إقرأ أيضاً

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين،…