لا طائل من جبهة.. لا تواجه الحزب و”دولته” أوّلاً

مع تصاعد العنجهية التي يعتمدها تحالف السلطة الحاكم من تعطيلٍ للآليات الدستورية والإصرار على استخدام أساليب الإخضاع والإذلال السياسي في إدارة الحكم، وتحديداً في تشكيل الحكومة، يتواصل التخبّط والتشرذم لدى القوى السياسية المتضرِّرة من هذا السلوك، ويستمرّ التلطّي بمستلزمات الصبر للوصول إلى “حكومة الإنقاذ” لدى الرئيس المكلف ومن ورائه رؤساء الحكومات السابقون، ويتجاهل الجميع ضرورة الاتحاد لمواجهة ما قد يكون آخر فصول المشروع الإيراني في ابتلاع لبنان.

تتجاذب الأطراف المعارضة وجهات نظر قاصرة ومحدودة. فهي تتصرف على أساس أنّها تتعامل مع نزاعٍ سياسي تقليدي يمكن حسمه بالانتخابات وبالحصول على الأغلبية النيابية، رغم أنّ قوى 14 آذار سبق أن حازت على هذه الأغلبية مرّتين في 2005 و2009، لكنها لم تستطع أن تحكم، بل ذهبت إلى مشاركة “حزب الله” في حكومات متعاقبة، رغم أنّها تتهمه باغتيال الشهيد رفيق الحريري وشهداء ثورة الأرز.

من العجيب أنّه بعد إصدار المحكمة الخاصة بلبنان حكمها بإدانة القيادي في الحزب سليم عياش بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم يغيّر لدى سعد الحريري شيئاً، بل ذهب إلى إعطاء الثنائي الشيعي وزارة المال، ببعدها السيادي، عندما أعلن ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة

كلّ تجارب المساكنة مع “حزب الله” كانت تنتهي في اللحظة التي تقترب فيها الدولة من تسجيل نقاط حاسمة لصالحها، فيلجأ الحزب إلى السلاح للقيام بالانقلابات التي كان أحد أقبح أشكالها انقلاب السابع من أيار 2008. ومن العجيب أنّه بعد إصدار المحكمة الخاصة بلبنان حكمها بإدانة القيادي في الحزب سليم عياش بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم يغيّر لدى سعد الحريري شيئاً، بل ذهب إلى إعطاء الثنائي الشيعي وزارة المال، ببعدها السيادي، عندما أعلن ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة.

في هذا الخضمّ المتلاطم يبرز السؤال عن دور السنة في هذه المواجهة، وماذا يفعلون في لحظات مصيرية تكتب تاريخنا ومستقبلنا وترسم طبيعة وجودنا. فالمشكلة الأساس هي في طبيعة تقييم المشروع الايراني: طبيعته، مساراته ونهاياته.. لذلك تستند الرؤية التطبيعية مع هذا المشروع الى النظرة المحدودة للتفاصيل السياسية وما تتيحه من هوامش أمام الخصوم. فإذا بهم يغرقون في قواعد اللعبة الصغيرة بينما المشروع الكبير يواصل طريقه ويستمر في القضم والتوسع على حساب كل من عداه.

لذلك يصبح التنادي لإنشاء جبهةٍ تواجه ميشال عون وتتجاهل من جاء به إلى قصر بعبدا بالبندقية، عملاً عبثياً لا يقدِّم ولا يؤخـِّر لأنّه يمنح “حزب الله” المزيد من الوقت لإتمام مشروعه في تفكيك بنية الدولة، بينما يتصارع الآخرون على أطلالها التي لم تسقط بعد، فلا يمكن الوصول إلى نتيجة بدون العودة إلى أصل الصراع.

الهدف الأساس هو الإبقاء على الدولة والكيان، وهو هدف أصبح طارئاً وعاجلاً. لذلك، فإنّ المطلوب اليوم إقامة جبهة سيادية تعيد إطلاق المقاومة السياسية بعد أن أغلق الكثيرون باب الاجتهاد لتجديدها، والعمل على قاعدة بناء الدولة والحفاظ على الدستور واستكمال تطبيق اتفاق الطائف، وهذا يُفسح في المجال أمام من لا يزالون يعبّرون عن التزامهم بالطائف، مثل الرئيس نبيه بري والنائب السابق سليمان فرنجية، أن “يتقاطعا” مع هذه الجبهة في مكان أو آخر، أو أن يحيّدا نفسهما عنها مثلاً. وذلك في سبيل الحفاظ على لبنان بالصورة التي يردِّدون أنّهم متمسكون بها، وطنياً واقتصادياً ونمط حياة. رغم أنّ هذين الطرفين لا يمكن التفكير في انضمامهما إلى جبهة تعادي حزب الله وتواجهه.

السؤال الملحّ اليوم: أين رؤساء الوزراء السابقون؟ وماذا يفعلون في هذه الأزمة؟ ولماذا لا يُسمع لهم صوت، سوى صوت قرقعة الصحون ذات عشاء مع وليد جنبلاط حرصوا على أن يكون خفيفاً متخفّفاً من السياسة وجبهاتها وتحالفاتها.. ماذا يفعلون إذا لم يشاركوا في تحمّل الأعباء الثـّقال لهذه التحديات التي تصيب شعبهم؟ ولماذا يستمرّون في تسجيل حضورهم في الحياة السياسية إذا كانوا يريدون البقاء على الهامش بدون تأثير ولا أثر؟

كلّ تجارب المساكنة مع “حزب الله” كانت تنتهي في اللحظة التي تقترب فيها الدولة من تسجيل نقاط حاسمة لصالحها، فيلجأ الحزب إلى السلاح للقيام بالانقلابات التي كان أحد أقبح أشكالها انقلاب السابع من أيار 2008

لم يستثمر رؤساء الحكومات لحظة الذروة في مواقف البطريرك الماروني مار بشارة الراعي عندما دعا إلى “فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر”، وتوجّه “إلى الأمم المتحدة للعمل على إعادة تثبيت استقلال لبنان ووحدته، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلان حياده”. ولم يسعوا إلى تطوير هذا التحوّل الهام، بل لاذوا بالصمت وساهموا في منع دار الفتوى من التحرّك لملاقاة بكركي في ذلك الموقف المتقدّم، وحده النائب نهاد المشنوق جاهر بتأييد نداء البطريرك الراعي من دار الإفتاء.

التردّد الذي يتخبّط به رؤساء الحكومات السابقون يعطي إشارات سلبية إلى الحلفاء الطبيعيين الذين ينتظرون من المكوِّن السنّي خطوة متقدِّمة، فلا يمكن لأهل السنّة انتظار الآخرين، لأنّ ما يجري يهدِّدُ وجودهم، كما يهدّد الكيان اللبناني، فلا يُعقل انتظار الآخرين للدفاع عن الذات وعن الوجود. بل عليهم أن يبدأوا بأنفسهم أوّلاً، ثم يُبنى على الموقف مقتضاه. وبقدر صلابة الذات تستمرّ وتتطوّر التحالفات، ويكون الثبات عليها عندما يطمئن الجميع إلى أنّ المبادئ والمصالح الحقيقية والمصير فيما بينهم واحد.

لا يحتاج معارضو حزب الله اليوم إلى تفكيرٍ طويل، فالشعب لديه كلّ أسباب الثورة، والناس هم السلاح الأمضى في مواجهة السلاح القاتل، وعندما تتحرك الأغلبية الشعبية لإعادة سيادة الدولة وتحديد مكان السلاح وموقعه والموقف منه، يكون عندها مجدياً خوض انتخابات نيابية، ويمكن تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين ويمكن خوض التفاوض على استراتيجية دفاعية لبنانية، بغضّ النظر عن التطورات الإقليمية والدولية.

إقرأ أيضاً: المرعبي لـ”أساس”: “مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ”

لمن يشكِّكون في هذا المسار، تذكّروا كيف كانت وضعية “حزب الله” في ذروة المواجهة، وكيف كان محشوراً في الزاوية، وكيف لم يستطع من قاد تلك المرحلة أن يستخلص منه ما يجب الوصول إليه بشأن مصير السلاح، تحت وطأة إرادة الشعب الذي كان حارساً أميناً على ثورة أضاعها متردّدون أو تجّار سياسة.

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…