جو بايدن وسؤال الهوية الوطنية: من هو الأميركي؟ (2/2)

2021-01-12

جو بايدن وسؤال الهوية الوطنية: من هو الأميركي؟ (2/2)

مدة القراءة 5 د.

صمويل هنتنغنتون Samuel P. Huntington  المنظّر السياسي الأميركي الذي اشتهر بكتابه الصادر عام 1996 “صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي” The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order، كتب أطروحة أخرى عام 2004 لا تقلّ أهمية تناول فيها صدام الحضارات والثقافات والهويات داخل الولايات المتحدة نفسها تحت عنوان “من نحن؟” .Who we are? ويقول في هذا الكتاب:  “لا توجد أمة إلا إذا اعتبر الناس أنفسهم أنهم أمة واحدة. بل إنّ فهمهم هذا لأنفسهم على أنهم يشكّلون أمة، هو قابل للاستبدال على نحوٍ كبير. ففي مرحلة ما، بذلت الحكومات الأوروبية جهوداً كبيرة لصوغ الشعوب التي تحكمها في كيان متماسك مع اصطناع شعور مشترك بالقومية. الهويات القومية بنظر هنتغنتون تُبنى، ويمكن أن تُفكك. ترتفع وتنخفض.

أربع مراحل من القومية الوطنية الأميركية

وعن الهوية الوطنية الأميركية، كما يقول هنتنغتون فقد مرّت بأربع مراحل، من القرن السابع عشر إلى نهاية القرن العشرين:

ففي المرحلة الأولى، من القرن السابع عشر ومطلع القرن التالي، كان الأفراد الأحرار في مستوطنات شمال أميركا الخاضع لبريطانيا يشتركون مع سكان بريطانيا إلى حدّ كبير في مجال العرق والإثنية والقيم السياسية واللغة والثقافة والدين. وحتى منتصف القرن الثامن عشر، كان هوياتهم محلية أكثر، وولاءاتهم لمستوطناتهم أكبر، أي إلى فيرجينيا وبنسلفانيا ونيويورك أو ماساتشوتس، وولاؤهم على نطاق أوسع هو للتاج البريطاني. ولم يظهر الشعور الجماعي بالهوية الأميركية إلا في العقود التالية التي أفضت إلى الثورة على الحكم البريطاني وحرب الاستقلال.

لا توجد أمة إلا إذا اعتبر الناس أنفسهم أنهم أمة واحدة. بل إنّ فهمهم هذا لأنفسهم على أنهم يشكّلون أمة، هو قابل للاستبدال على نحوٍ كبير

في المرحلة الثانية، أي مع نيل الاستقلال، وهجرة الموالين لبريطانيا من أميركا، اختفت الهوية البريطانية وبقي الانتماء للولاية. وأصبح التنافس أكثر ظهوراً بعد عام 1830 بين الهويات المحلية والقطاعية والحزبية والهوية الوطنية.

في المرحلة الثالثة، بعد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، أصبح للهوية الوطنية الأولوية الراسخة على كافة الانتماءات، وامتدت هذه المرحلة ما بين عامي 1870 و1970، واعتُبر هذا القرن، قرن الوطنية المنتصرة. لكن في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، بدأت الهوية الوطنية تتعرّض لتحدّيات. فقد جاءت موجات جديدة وكبيرة من المهاجرين في تلك الحقبة ظلّت قادرة على التواصل مع بلدانها الأصلية، والاحتفاظ بولاءات مزدوجة، وبجنسيات مزدوجة، وبمواطنية مزدوجة (من البلدان اللاتينية والآسيوية). وبدأت الولاءات والانتماءات الفرعية تتخذ أهمية أكبر عند كثير من الأميركيين. أما النُّخب الفكرية والسياسية والاقتصادية، ومع العولمة الاقتصادية المتنامية، فقد خفضوا التزامهم بالهوية الوطنية واتجهوا أكثر إلى الولاءات الأكبر من الوطن من جهة، وإلى الولاءات الفرعية الأصغر من جهة أخرى.

في المرحلة الثالثة، بعد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، أصبح للهوية الوطنية الأولوية الراسخة على كافة الانتماءات، وامتدت هذه المرحلة ما بين عامي 1870 و1970، واعتُبر هذا القرن، قرن الوطنية المنتصرة

ومع هجمات 11 أيلول 2001، بدأت المرحلة الرابعة، حين استعادت الهوية الوطنية أولويتها، وزخمها، إلى أن هدأت بعد سنتين. وتراجعت تدريجياً مع انحسار الخطر الخارجي.

بعد اقتحام الكونغرس، في محاولة انقلابية فاشلة، قادها ترامب بنفسه بحضور أسرته وبعض المقربين منه، واصفاً المتمردين بعد فشلهم بأنهم عظماء، لم يعد التبرؤ من هذا السلوك العنصري العنيف، سوى نوع من الأسطورة. بل إنّ الولايات المتحدة بحسب الباحثة كيلوبوجيل زفوبكو Kelebogile Zvobgo، باتت تحتاج إلى العدالة الانتقالية كما هو حال البلدان التي شهدت ثورات وتغيير أنظمة، ونشوء ديمقراطيات حديثة.

إقرأ أيضاً: أميركا: الخطر الخارجي فقط ينعش الهويّة الوطنية؟ (1/2)

ولعلّ من المؤشرات الخطيرة على اهتزاز الشعور الوطني عند أوساط الجمهوريين، ما كشفه استطلاع أجراه الباحث لاري بارتلز Larry M. Bartels في كانون الثاني 2020، إذ اعتبر 51% من المشاركين الجمهوريين أنّ “طريقة الحياة الأميركية التقليدية تختفي بسرعة كبيرة لدرجة أنه قد يكون علينا أن نستعمل القوة لإنقاذها”. وقال 47% منهم إنّه “على القادة الأقوياء أحياناً أن يتجاهلوا النظام من أجل فعل الأمور بطريقة صحيحة”. ووافق أكثر من 40% منهم أنه “سيأتي الوقت عندما يطبّق الأميركيون الوطنيون القانون بأيديهم”. (وفي كلا الحالات، قال معظم المشاركين الباقين إنهم غير متأكدين من موقفهم؛ فقط واحد من كلّ أربعة مشاركين أو خمسة اختلف مع هذا الرأي الذي يؤيد تجاوز القوانين واستعمال العنف).

الرئيس المنتخب نفسه، جو بايدن، بات يشعر بفداحة الخطر الهوياتي، حيث يطلّ السؤال مجدداً إلى السطح: “من هو الأميركي؟، على أنّ هنتنغتون قبل 15 عاماً ألمح إلى الجواب أو الحلّ، من خلال المعادلة التالية: كلما شعر الأميركيون بخطر خارجي ارتفع لديهم مستوى الشعور بالهوية الوطنية، والعكس صحيح. وهنا يُطرح السؤال الأخطر: هل تبحث أميركا عن عدو خارجي لاسترجاع الشعور بالهوية الجامعة؟

إقرأ أيضاً

فيصل القاسم “لامس” 22 مليون عربي.. بحكاية فقره وجوعه؟

أحدثت إطلالة الإعلامي الشهير فيصل القاسم، عبر حلقة من برنامج بودكاست “ضيف شعيب”، ضجّة كبيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، وحصدت أرقاماً قياسية في عدد المشاهدات….

هل تمرّ رئاسة الجمهوريّة من “خُرم” البلديّات؟

لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران باسيل وكتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط وعدد من النواب قاموا…

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…

اللاءات الأربع للحزب تفرمل الخماسية..

في مقابل الحراك الدولي والداخلي الناشط بكلّ الاتّجاهات، جنوباً ورئاسيّاً ونزوحاً سوريّاً، تؤكّد أوساط مطّلعة لـ “أساس” أنّ تحرّكات الدول المعنيّة بخفض التصعيد على الحدود…