نصر الله أسقط حكومة الحريري


في كلّ مرّة ينوي الرئيس سعد الحريري ترتيب زيارة إلى دول الخليج، يصدر مكتبه الإعلامي بياناً يعلن مغادرته لبنان، لكن من دون تحديد الوجهة.

صباح الأحد الفائت أصدر مكتبه الإعلامي بياناً أعلن أنّه غادر لبنان “في إجازة عائلية”. علماً أنّ العادة جرت أن يعين وجهة سفره، حين يقوم برحلات مماثلة. لكنّها المرّة الثالثة التي لا يصدر بياناً واضحاً. طبعاً هذا حقّه، لكن في السياسة يمكن التأويل والقراءة.

ففي موازاة إصدار البيان سرّب قريبون منه معلومات عن أنّه توجّه نحو الإمارات، وبعدها إلى المملكة العربية السعودية. لكن إذا عدنا إلى الوراء، فقد شهدنا السيناريو نفسه قبل أشهر. يومها اقتصرت زيارة الحريري على الإمارات فقط. والعارفون يعلمون أنّه لا يمكنه زيارة الإمارات قبل السعودية، لو كانت الزيارة إلى المملكة مقرّرة فعلاً.

بحسب ما تشير معلومات خاصة لـ”أساس” فإنّ الحريري سيمضي عطلة الأعياد في دبي التي لا يشملها الإغلاق بسبب جائحة كورونا. وقد وصل أفراد عائلته قبله بأيام، من لندن والولايات المتحدة والسعودية. وسيبقي الحريري الزيارة في الإطار العائلي إلا إذ عقد لقاءً مهماً مع أحد المسؤولين في دولة الإمارات. وتستبعد المصادر أن يزور الحريري الرياض، لكن لو حصل وزارها فإنّ لذلك دلالة هامة في هذا التوقيت، تتعلق بتقدّم في العلاقة بين الطرفين.

سرّب قريبون من الحريري معلومات عن أنّه توجّه نحو الإمارات، وبعدها إلى المملكة العربية السعودية. لكن إذا عدنا إلى الوراء، فقد شهدنا السيناريو نفسه قبل أشهر

تزامن سفر الحريري هذه المرّة، مع هجوم عنيف شنّه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ضد السعودية ودول الخليج بسبب التطبيع. وقد ركّز نصر الله على استهداف السعودية، وصولاً إلى اتهامها بالمطالبة باغتياله. كما لو أنّه لم يكن هدفاً إسرائيلياً وأميركياً قبل مجيء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

الهجوم على المملكة قابله نصر الله بإيجابية وليونة تجاه الحريري، معتبراً أنّ “التنسيق والتعاون إيجابي وجدّي معه.” مشيراً إلى أنّ أسباب عرقلة تشكيل الحكومة خارجة عن دائرة الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون. لكنّ مضمون كلام نصر الله أسقط حتماً حكومة الحريري وأيّ مسعى لتشكيلها. يكفي أن يعلن عن التعاون والإيجابية مع الرئيس المكلف ليبدّد كلّ ما يُحكى عن محاولات تشكيل حكومة لا يتمثّل فيها حزب الله.

كما أنّ كلام نصر الله ينفي كلّ ما تسرّب عن أنّ الحريري وضع في تشكيلته أسماء وزراء شيعة معارضين للحزب، فيما معلومات أخرى تؤكد أنّه راسل الحزب معلناً الاستعداد لتبديل الأسماء عندما يحين موعد التشكيل.

كلام نصر الله من شأنه إحراج الحريري سعودياً وأمام أنظار المجتمع الدولي، خصوصاً عندما دخل أمين عام الحزب على خطّ الملفات الاقتصادية والسياسية التفصيلية، وعندما ذهب للحديث عن ضرورة مراعاة كل الأطراف والمكوّنات بإعادة البحث في حجم الحكومة وتركيبتها. وهو قال هذا الكلام محاولاً إرضاء حلفاء معترضين، خصوصاً طلال إرسلان الذي اعتبر تشكيل حكومة من 18 وزيراً “إجحافاً” له وللدروز. 

كلام نصر الله ينفي كلّ ما تسرّب عن أنّ الحريري وضع في تشكيلته أسماء وزراء شيعة معارضين للحزب، فيما معلومات أخرى تؤكد أنّه راسل الحزب معلناً الاستعداد لتبديل الأسماء عندما يحين موعد التشكيل

قطع نصر الله الطريق على حكومة الحريري، وبكلامه المعسول حول الرئيس المكلف، أحرجه إلى حدّ بعيد خلال زيارته الخارجية. إذ سيكون أوّل الردود الخليجية أنّ المطلوب تشكيل حكومة لا يشارك فيها حزب الله. فكيف يخرج زعيم الحزب مادحاً الرئيس المكلّف ومتحدثاً عن التعاون، فتطرح أسئلة كثيرة حول ماهية هذا التعاون؟

كلام نصر الله سيعرقل تشكيل حكومة، وفي حال شكّلت لن يكون هناك أيّ بوادر إيجابية للاعتراف بها دولياً أو خليجياً، وبالتالي لا مساعدات طالما أنّ الحزب شريك فيها أو متعاون مع الرئيس المكلف لتشكيلها.

إقرأ أيضاً: الحريري والخوف من السجن… وسرّ “العدل” و”الداخلية”

ما كشفه نصر الله يفتح الأنظار على معلومات كثيرة جرى تسريبها في لبنان بعد اللقاء الثالث عشر بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون. إذ قالت معلومات إنّ الرئيس المكلف أجرى تتصالاً بالمعاون السياسي لنصر الله حسين الخليل طالباً منه المساعدة، وقال له إنّه لم يعد قادراً على تقديم المزيد من التنازلات لعون. لكنّ حزب الله فضّل عدم التدخّل. وتقول المعلومات أكثر من ذلك: إنّ اتصالين آخرين حصلا بين الحريري والخليل آخرهما قبل موعد سفره. وربما هذا التواصل هو الذي دفع نصر الله إلى الإشادة بدور الحريري ومساعيه، لكنّ الإشادة هنا لها ثمن في الخارج، لا يستطيع الحريري أن يدفعه.

لذلك فتشكيل الحكومة مؤجل لأشهر وليس إلى العشرين من الشهر المقبل موعد تسلّم جو بايدن للرئاسة الأميركية.

إقرأ أيضاً

لبنان أمام خيارين: الحرب.. أو جنوب الليطاني “معزول السلاح”

ستّة عشر شهيداً سقطوا في أقلّ من أربع وعشرين ساعة في جنوب لبنان. هي الحصيلة الأكثر دموية منذ بداية الحرب. ليس هذا الخبر سوى مؤشّر…

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…