دعوى أميركية على “دزّينة” مصارف لبنانية متهمة بتمويل قتل أميركيين


أصبح النظام المصرفي اللبناني مُطوّقاً بقرار فرنسي – أميركي مشترك. على الأقل هذا ما يوضحه توقيت مقالَي “Le Monde” و”Wall Street Journal”. فالأولى عنونت تقريرها بـ”La banque Centrale du Liban, un “Etat dans l’Etat” opaque et intouchable” (مصرف لبنان المركزي: دولة في الدولة المبهمة الممنوع لمسها) وفيه فنّدت كيف أنّ مصرف لبنان، صاحب الهندسات المالية المريبة يتهرّب من التدقيق الجنائي. هذا الأمر يعيدنا في الواقع إلى ما مفاده أنّ التدقيق الجنائي من شأنه أن يطيح بالقطاع المصرفي. أما التذرّع بالسرية المصرفية فليس إلا لحماية أسرار المصارف وتفاصيلها المالية، وتغطية عمليات تبييض الأموال، والتهرّب الضريبي…

أما الثانية، أي “Wall Street Journal”، فاعتبرت في تقريرها الذي حمل عنوان “Lebanon’s Central Bank Fuels Corruption, Extremis Concerns” (مصرف لبنان المركزي يغذّي الفساد والتطرّف) أنّ الولايات المتحدة تسعى مع حلفائها إلى مراجعة التشريح الجنائي للتحقّق من عمليات غسل الأموال، والفساد، وتسهيل أعمال حزب الله المالية.

من هذا المنطلق يمكن الاعتبار أنّ ورقة النظام المالي وعلى رأسه مصرف لبنان قد سقطت.

ليس ما أوردته “Wall Street Journal” ولا ما ذكرته “Le Monde” جديداً. فالجديد يقتصر على احتمال إدراج البنك المركزي اللبناني على لائحة العقوبات الأميركية بسبب هندساته التي يُطرح حولها الكثير من علامات الاستفهام رغم نفي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لذلك في إطلالته التلفزيونية الأخيرة على قناة “الحدث”. كذلك، ليس جديداً ما ذُكر عن أحمد إبراهيم صفا (عضو لجنة الرقابة على المصارف) وعن دوره في “البنك اللبناني الكندي”، وعمليات تبييض الأموال، وانخراطه في تسهيل عمليات حزب الله المالية… فكلّ هذه التفاصيل المالية والاتهامات سبق ووثّقتها دعوى”Bartlett” الأميركية ضدّ 12 مصرفاً لبنانياً، وهو ما أثاره “أساس” قبل أشهر. (المقال على الرابط التالي).

تتهم الدعوى المصارف الـ12 بتبييض أموال، وتسهيل أعمال لحزب الله المصنّف دولياً في خانة المنظمات الإرهابية.

يمكن الاعتبار أنّ ورقة النظام المالي وعلى رأسه مصرف لبنان قد سقطت

822 صفحة في الدعوى المقدّمة بتاريخ 8 شباط 2019، تقودها القاضية الاتحادية في نيويورك كارول باغلي أمون، التابعة لمحكمة الولايات المتحدة العليا (أعلى هيئة قضائية). وهي تفصّل كيف انتهكت المصارف اللبنانية كلّ القوانين الدولية، فبيّضت وغسلت مئات ملايين الدولارات العائدة إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية والشركات التابعة لحزب الله، والمحصّلة بغالبيّتها من التجارة بالممنوعات، وتهريب الماس، وتجارة الأسلحة، بالإضافة إلى سلّة من الأنشطة غير المشروعة... وكلها مرّت عبر “السيستام” المصرفي اللبناني.

تضع الدعوى المصارف المتهمة في الكفّة عينها مع حزب الله، مع ما يعنيه هذا الأمر من مسؤولية، ولو كانت غير مباشرة، عن تمويل أعمال وهجمات ذهب ضحيتها مئات الأميركيين. أما التعويضات التي تطالب بها المحكمة لعائلات الضحايا فمقدّرة بمليارات الدولارات، وهو ما تعجز المصارف عن تسديد ما هو أقل منه بكثير.

الأسبوع الماضي، قبلت القاضية أمون الدعوى بالشكل والأساس. في قرارها، أكّدت أمون أنّ مسؤولية هذه المصارف ثانوية أي أنّها غير مباشرة. إلا أنّها لم تُعفِ المصارف المذكورة من “جرم” تسهيل أعمال حزب الله، والانخراط بعمليات تبييض الأموال لصالحه. وأوضحت القاضية في قرارها أنّ درجات المسؤولية تختلف بين مصرف وآخر، بحيث إنّ هناك وقائع ثابتة على مصارف أكثر من غيرها. هذا الأمر يعني ببساطة أنّ المصارف المتهمة كانت تدرك جيداً ماهيّة الحسابات المشبوهة، وكانت أيضاً تعرف أنّ أسماء أصحابها متصلة بحزب الله.

على الرغم من كلّ ذلك، فضّلت المصارف تلقّف القرار القضائي باللامبالاة معتبرة أنّ الدعوى من أساسها غير مهمة. وهي غفلت واقعة أنّ القاضية قد قبلت الدعوى بالشكل والأساس. لكن لنتفترض أنّ مزاعم لوبي المصارف صحيحة، فلماذا قامت هذه الأخيرة بتكبّد ملايين الدولارات لتوكيل أشهر مكاتب المحاماة الأميركية لتمثيلها؟

في تفاصيل القرار القضائي، اعتبرت القاضية أنّ مسؤولية المصارف ثانوية. من هنا تأتي المطالبة بتعويضات مالية تفوق حجم الأضرار بثلاثة أضعاف، ما يعني مليارات الدولارات، في حال خسرت المصارف الاستئناف، وهو ما ستعجز المصارف عن تسديده خصوصاً وأنّ آخر أرقام البنك الدولي تشير إلى حوالى 67 مليار دولار من أرقام القطاع المصرفي هي غير واقعية.

ولمن يظنّ أنّ التعويضات المطلوبة خيالية، تجدر الإشارة إلى أنّه في الدول ذات الأنظمة القانونية الأنغلوسكسونية، مثل الولايات المتحدة الأميركية، اشتهرت محاكمها بتاريخ حافل من الأحكام التعويضية الضخمة، والتي تفوق الأضرار الفعلية اللاحقة بالمدعي، لتشكّل رادعاً أو جزاءً مدنياً ذا خلفية عقابية ناهية، لتحول دون تكرار الفاعل لها. لذا، تعمد الجهة المدّعية في مرافعة ختامية (المرافعات ترتبط بالدعاوى الجزائية) إلى التماس عدالة القاضي، عبر طلب استغاثة معنوية، واسع النطاق يشمل كلّ و/أيّ ضرر معنوي تذكره جهة الادّعاء، وللقاضي سلطة تقدير واسعة ومطلقة في هذا الصدد. بمعنى أبسط، لا تعتمد المحاكم الأميركية نظام التعويض المعادل للضرر، بل نظام التعويض العقابي في المسؤؤلية المدنية، ليكون بمثابة “جزاء مدني” أو “عقوبة مدنية”.

وترتكز دعوى”Bartlett” إلى “قانون جاستا” الذي سطّر معالم مرحلة جديدة في النظام القضائي الأميركي. فقد سمح المشرّع الأميركي بموجب هذا القانون لمحاكمه الوطنية بتوسيع اختصاصها إقليمياً، والنظر في قضايا تتعلّق بمطالبات مواطنيه المتضرّرين جرّاء نشاطات مرتبطة بأعمال إرهابية، سواء أكانت ضدّ أفراد أجانب، طبيعيين أو معنويين، أو حتى ضدّ حكومات أجنبية، ينتمي أو يحمل جنسيتها إرهابيون. وفي هذا السياق، عدّل قانون “جاستا” التشريع الصادر عام 1967 الذي كانت تتمتع بمقتضاه البلدان بحصانة تمنع عنها الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة الأميركية.

على الرغم من كلّ ذلك، فضّلت المصارف تلقّف القرار القضائي باللامبالاة معتبرة أنّ الدعوى من أساسها غير مهمة. وهي غفلت واقعة أنّ القاضية قد قبلت الدعوى بالشكل والأساس. لكن لنتفترض أنّ مزاعم لوبي المصارف صحيحة، فلماذا قامت هذه الأخيرة بتكبّد ملايين الدولارات لتوكيل أشهر مكاتب المحاماة الأميركية لتمثيلها؟

الواضح أنّ نية المشرّع الأميركي كانت تتجه إلى بعض المنظمات الإرهابية الأجنبية ولكن دون أن تسمّيها. فقد عرّفتها الفقرة 3 منه بأنّها منظمات، من خلال أفراد أو مجموعات تابعة لها، تنشط في جمع مبالغ ضخمة خارج الولايات المتحدة وتوظّفها لاستهداف الأمن القومي الأميركي.

الجديد في هذا القانون أنّه يسري على أشخاص أو جهات أو دول لمجرّد المساهمة أو المشاركة في تقديم دعم أو موارد، مهما كان نوعها، وسواء وردت بشكل مباشر أو غير مباشر، لأشخاص أو منظمات مصنّفة ذات خطر داهم، أو ارتكبت أعمالاً إرهابية تهدّد سلامة مواطني الولايات الأميركية أو أمنها القومي أو سياستها الخارجية أو اقتصادها. هذا ويتيح القانون استدعاء المدّعى عليهم الأجانب للمثول أمام المحاكم الأميركية.

إقرأ أيضاً: صرّافون يسرقون شهرياً 15 مليون $ “فريش” من الطلاب والمواطنين

كلّ ذلك يعني باختصار أنّ المصارف المذكورة في ورطة تنذر بزوالها. ومع ذلك، نراها تسترسل في حالة الإنكار وعدم مصارحة اللبنانيين.

والمصارف المتّهمة هي التالية، ومنها واحد لم يعد موجوداً وهو بنك جمّال:

Societe Generale De Banque Au Liban, Fransabank SAL, MEAB BANK SAL, BLOM BANK SAL, BYBLOS BANK SAL, BANK AUDI SAL, BANK OF BEIRUT SAL, LEBANON AND GULF BANK SAL, BANQUE LIBANO FRANCAISE SAL, BANK OF BEIRUT AND THE ARAB COUNTRIES SAL, JAMAL TRUST BANK SAL, FENICIA BANK.

إقرأ أيضاً

الموازنة: المجلس الدستوري علّق 9 مواد… فهل يعلّقها كلّها؟

يقترب موعد بتّ المجلس الدستوري بالطعون المقدّمة ضدّ بعض الموادّ في “قانون الموازنة”. إذ يُنتظر أن يعلن المجلس الدستوري قراره النهائي في غضون أسبوع، أي…

لغز استقرار الليرة في لبنان: ماذا لو هبّت العاصفة؟

حالة الاقتصاد تبدو محيّرة: استقرار لسعر صرف الليرة في لبنان منذ الصيف الماضي. وفائض في ميزان المدفوعات. فيما تعيش البلاد حرباً في الجنوب وشللاً سياسيّاً…

بداية حل الأزمة المصرفية توصيفها

التوقّف عند أرقام الخسارة والفجوة الماليّة، والعودة بالتاريخ إلى الوراء في محاولة لإعطاء حياة لخطط وحلول وُلدت ميتة في الوقت الذي كان يجب أن تكون…

طلبات الخزانة الأميركية من لبنان… ومخاوفها

لا تزال زيارة وفد وزارة الخزانة الأميركية للبنان تتفاعل. خصوصاً بعد التأويلات التي خرجت إلى العلن عبر وسائل إعلام لبنانية وعربية، وتحدّثت عن أجواء سلبية…