إيران: 4 ضربات لـ”الحرس” و”النووي” والصواريخ.. والشعب يطالب بالردّ

2020-11-30

إيران: 4 ضربات لـ”الحرس” و”النووي” والصواريخ.. والشعب يطالب بالردّ

مدة القراءة 6 د.


مساء السبت الماضي تظاهر طلّاب إيرانيون في طهران مطالبين بالثأر لاغتيال “أبي البرنامج النووي الإيراني” محسن فخري زاده. صحيح أنّ الطلّاب أحرقوا العلمين الأميركي والإسرائيلي على جري عادة التظاهرات الإيرانية، لكنّ غضبهم هذه المرّة يحمل وجهة مختلفة، إذ يشكّل عنصر ضغط مباشراً على النظام الإيراني الذي يتلقّى الضربات المؤلمة الواحدة تلو الأخرى من دون أن يتمكّن من الردّ بالمثل حتّى الآن.

ولذلك سارع حسين دهقان، مستشار المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، إلى القول إنّ المطالب الإيرانية الشعبية بالردّ على اغتيال العالم النووي والصاروخي مشروعة، لكنّه لفت إلى أنّ الردّ على العملية سيكون ذكياً: “ونحن من يحدّد زمان ومكان الردّ، وطبيعة الهدف”.

تصريح دهقان يؤكّد حراجة الموقف الإيراني بعد الضربة “القويّة والقاسية” (بحسب توصيف رئيس الأركان العامة) التي تلقّاها عصر الجمعة. إذ يتبدّى المأزق الإيراني هذه المرّة داخلياً لجهة تماسك النظام، لا خارجياً وحسب، بالتحديد لجهة مآل المواجهة ضدّ الولايات المتحدة. فمحاولة دهقان امتصاص غضب الشارع تؤكّد بما لا يقبل الشك أنّ عملية اغتيال زاده شكّلت تهديداً مباشراً، ولو أوّلياً، على تماسك النظام، بالنظر إلى حجم الاختراق الأمني الذي كشفته عملية الاغتيال قرب طهران. خصوصاً بعد نحو أسبوعين على اغتيال الموساد القياديّ الثاني في “القاعدة” عبدالله أحمد عبدالله في قلب طهران، وذلك بعد 22 عاماً بالتمام على تفجير سفارتين أميركيّتين بالتزامن في كلّ من كينيا وتنزانيا في 7 آب 1998. وليست قدرة الموساد على اختيار توقيت العملية سوى دليل على حجم اختراق الجدار الأمني الإيراني.

يتبدّى المأزق الإيراني هذه المرّة داخلياً لجهة تماسك النظام، لا خارجياً وحسب، بالتحديد لجهة مآل المواجهة ضدّ الولايات المتحدة. فمحاولة دهقان امتصاص غضب الشارع تؤكّد بما لا يقبل الشك أنّ عملية اغتيال زاده شكّلت تهديداً مباشراً، ولو أوّلياً، على تماسك النظام

ليس الضعف الأمني وحده ما يحرج النظام الإيراني الآن ويربكه، بل إمكانية الردّ على اغتيال زاده العقل المدبّر لبرنامج “آماد” السرّي ذي الأهداف النووية العسكرية. فالسؤال الأساسي الآن ليس: من يقف وراء العملية “الموقّعة”؟ وقد سارعت ايران إلى اتهام اسرائيل، إنمّا السؤال: هل ستردّ إيران؟ متى؟ وأين؟ وكيف؟ مع الأخذ في الاعتبار أنّ السؤال عن كيفية الردّ ومكانه أقلّ أهميّة بكثير من السؤال عن توقيته. وهو ما دلّ عليه التباين بين تصريحي كلّ من دهقان وحسن روحاني.

فقد أكّد مستشار خامنئي، بعد وقت قصير على العملية: “أننا سنضرب مثل البرق قتلة هذا الشهيد وسنجعلهم يندمون على فعلتهم”، ثم صرّح الرئيس الإيراني السبت أنّ الردّ سيكون “في التوقيت المناسب”، مسقطاً عنه صفة “العجلة” التي أوحى بها دهقان.

لكن سرعان ما بدا أنّ منحى التّروي في الردّ، يعبّر عن الموقف الإجمالي للنظام الإيراني. وليس قليل الدلالة في هذا السياق أنّ يعدُلَ مستشار خامنئي السبت عن تأكيده على الردّ السريع فور مقتل زاده، ملتقياً مع روحاني على التحذير من الوقوع في “الفخّ”. الرئيس الإيراني قال إنّ “الأمّة الإيرانيّة أذكى من أن تقع في فخّ المؤامرة التي نصبها صهاينة يريدون خلق فوضى في المنطقة”، اعتبر دهقان أنّ اسرائيل “تتبنّى سياسية تكتيكية خطرة في المرحلة الانتقالية الأميركية”، وأنّها “تسعى لدفع المنطقة إلى مواجهة شاملة”. مع تأكيده، كما روحاني، على حتمية الردّ. وذلك بعدما كان خامنئي قد امتنع صباح السبت عن اتهام اسرائيل و/أو أميركا مباشرة بالعمليّة، مكتفياً بالطلب من “المسؤولين المعنيين متابعة جريمة الاغتيال ومحاسبة مرتكبيها ومن يقف وراءها” – وهو مضمون بيان “حزب الله” أيضاً – كما طالب بمتابعة الجهود العلمية. علماً أنّ “نيويورك تايمز” نقلت عن مسؤولين أميركيّين  قولهم إنّ ما حدث “رسالة مروّعة لكبار العلماء البارزين الآخرين في البلاد والعاملين على المشروع النووي: فإذا كان الرأس المحروس جدّاً، لا يمكن حمايتُه، فلا أحد آخر محميّ أيضاً”. عليه، فإنّ الاختراق الأمني الكبير للداخل الإيراني يمكن أن يؤثر في القدرة على متابعة الجهود النووية بوتيرة متماسكة.

سرعان ما بدا أنّ منحى التّروي في الردّ، يعبّر عن الموقف الإجمالي للنظام الإيراني. وليس قليل الدلالة في هذا السياق أنّ يعدُلَ مستشار خامنئي السبت عن تأكيده على الردّ السريع فور مقتل زاده، ملتقياً مع روحاني على التحذير من الوقوع في “الفخّ”

إذاً، فإنّ الثابت في الموقف الإيراني بعد اغتيال زاده هو حتمية الردّ. أمّا المتحرّك فهو مكان الردّ وزمانه، وهذا بات سلوكاً إيرانياً مزمناً، لاسيّما بعد تتالي الضربات الموجعة التي تلقّاها النظام الإيراني منذ اغتيال قاسم سليماني في 3 كانون الثاني الماضي، وفشل إيران أو امتناعها حتّى الآن عن الردّ بالمثل. كذلك، فقد أدّت عملية “التخريب” التي تعرّض لها مفاعل “نطنز” في تموز الماضي، إلى “إبطاء تطوير وإنتاج أجهزة طرد مركزي متطوّرة على المدى المتوسط”، والآن اغتيل أكبر العلماء النوويين والصاروخيين الإيرانيين. فضلاً عن عملية سرقة ملّفات الأبحاث النووية من قلب طهران.

إقرأ أيضاً: إيران: الاغتيال النووي زاد الانقسام حول التفاوض مع واشنطن

هذه العمليات الأربعة استهدفت نقاط القوة الايرانية الاستراتيجية الثلاث، أي الحرس الثوري (سليماني)، البرنامج النووي (نطنز)، والمنظومة الصاروخية (زاده) والذاكرة النووية، وبالتالي، فإنّ النظام الإيراني الجريح ملزم حكماً بردّ الاعتبار وإلّا سيصبح مهدّداً أكثر من الداخل والخارج. لكنّه واقع بين نارين، فهو من جهة هو مضّطر للردّ على اغتيال زاده، ومن جهة أخرى لا يريد أن يستقبل بايدن بالتصعيد، وهذا ما أكّدته اللهجة المنخفضة ضدّ واشنطن في تصريحات المتشدّدين والاصلاحيين معاً خلال اليومين الماضيين. لكن في الوقت نفسه، لا تستطيع طهران العودة إلى طاولة المفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة مهيضة الجناح وضعيفة، لكنها لا تريد أن تُحمِّل إدارة بايدن، الذي وعد بالعودة إلى الاتفاق النووي، تبعات أيّ ردّ من قبلها في آخر أيّام ترامب الذي يحاول جعل هذه العودة مستحيلة أو بالحدّ الأدنى صعبة جدّاً، وهذا هو الفخّ الذي تحدّث عنه روحاني.

والسؤال: ماذا ينتظر إيران إلى حين خروج ترامب من البيت الأبيض؟ هذا ما يقلق إيران بشدّة خصوصاً بعد اغتيال زاده، فهل تستمرّ بتجرّع “كأس السمّ” بانتظار مجيء بايدن الذي بات الاتفاق معه ضرورة استراتيجية للنظام الإيراني داخلياً وخارجياً. وفي الوقت المستقطع هل تقمع ايران التظاهرات المطالبة بالثأر لمقتل العالم النووي في حال استدراجها. على الأرجح أنّ كورونا ستتولى الإجابة.

إقرأ أيضاً

الرّياض لواشنطن: Take it or leave it

يصلُ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن إلى العاصمة السّعوديّة الرّياض نهاية الأسبوع للمُشاركة في فعّاليّات “المنتدى الاقتصاديّ العالمي” الذي تستضيفه المملكة يومَيْ الأحد والإثنيْن. فما…

فيصل القاسم “لامس” 22 مليون عربي.. بحكاية فقره وجوعه؟

أحدثت إطلالة الإعلامي الشهير فيصل القاسم، عبر حلقة من برنامج بودكاست “ضيف شعيب”، ضجّة كبيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، وحصدت أرقاماً قياسية في عدد المشاهدات….

هل تمرّ رئاسة الجمهوريّة من “خُرم” البلديّات؟

لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران باسيل وكتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط وعدد من النواب قاموا…

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…