زمن سقوط الأصهرة…


إنه زمن سقوط “الأصهرة”، من الولايات المتحدة الأميركية مع الصهر “جاريد كوشنر” كبير مستشاري البيت الأبيض، إلى تركيا مع الصهر “برات آلبيراق” وزير المالية، وصولاً إلى لبنان مع الصهر “جبران باسيل”.

اللافت في سقوط الأصهرة الثلاثة أنّه جاء متزامناً مع إعلان فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية.

شكّل فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية قبل أربع سنوات، ثورة في عالم السياسة الدولية. فالرجل الاستثنائي، الذي كان حاضراً اسمه في كثير من الأفلام الهوليودية عند الإشارة إلى الجنون أو للدلالة على فعل استثنائي خارج السياق الطبيعي. تربّع على عرش قيادة العالم تحت شعار الشعبوية. حتى إنّ مجلة “الغارديان” الشهيرة عنونت غلاف إصدارها في حينه بـ”الشعبوية”. فقد نقل ترامب العمل السياسي من سياقه التقليدي المؤسساتي إلى العمل الشعبوي الذي يستند على المفاجآت، وعلى القرارات المخالفة لكافة آراء المستشارين والمساعدين.

مع نهاية عصر ترامب، تنتهي تجربة الشعبوية لتسقط معها كافة رموزها، وبداية بالأصهرة المتمتعين بالنفوذ بناء على زيجاتهم، وليس على تراكم خبراتهم في العمل السياسي والنضالي، وهو التساقط المرجّح أن يستمرّ وصولاً إلى بريطانيا ومعها روسيا.

اللافت في سقوط الأصهرة الثلاثة أنّه جاء متزامناً مع إعلان فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية

لقد شكّل الأصهرة في كلّ تلك الدول الخاصرة الرخوة للعهود، لكن اللافت أنّ الصهر الأميركي كوشنير كان أوّل من طالبوا عمّه ترامب بقبول الهزيمة والخروج من البيت الأبيض. فيما التركي آلبيراق، لم يتردّد بإعلان استقالته من وزارة المالية أو ربما قبول إقالته. أما اللبناني جبران باسيل، فيحاول تحويل سقوطه إلى بطولة، وهنا كان مؤتمره الصحافي دون إعلاميين حيث حصرية الصوت له وحده ولا صوت يعلو فوق صوته.

ميزة الصهرين الأميركي والتركي أنهما يجيدان الهزيمة كما الربح. فيما الصهر اللبناني، لم يستطع حصد الانتصار، ولا يجيد التعامل مع الهزيمة. هو يحاول محاكاة التجارب اللبنانية الكثيرة حيث كافة الأبطال المعلنين، هم في الحقيقة نماذج مهزومة.

في لبنان، قليلون من يجيدون التعامل مع الهزيمة من زاوية حصر الخسائر ومحاصرتها. بل السائد هو الإمعان في الهزيمة حتى تتحوّل إلى هزيمة ساحقة. هذا ما حصل في تجربة الحكومة الانتقالية برئاسة ميشال عون عام 1988. إذ لم يتوقّف العماد عون عند هزيمته بعد إقرار اتفاق الطائف، فحوّلها إلى هزيمة مدوّية بالفرار إلى  السفارة الفرنسية، ومن ثَمّ إلى المنفى الباريسي.

جبران باسيل ما زال يحلم برئاسة الجمهورية. وهو في مؤتمره الصحافي لم يكن يخاطب الأميركي ولا الإدارة الأميركية الجديدة، فهو المدرك أنّ العقوبات لن ترفعها كلماته. ففي السياسة الأميركية، لا مكان للعواطف والوجدانيات. ولم يكن يخاطب اللبنانيين، وهو الأعلم بمنسوب الكراهية المتراكم ضدّه عند أكثرية اللبنانيين، حتى في صفوف البرتقاليين أنفسهم. جبران باسيل في مؤتمره الصحافي كان يخاطب حزب الله وأمينه العام السيّد حسن نصر الله. هو يدرك أنّ الحزب الذي فرض عمّه رئيساً للجمهورية، قادر على أن يفعلها ثانية ويفرضه رئيساً للجمهورية من واقع تضحيات ووفاء للحزب، كما حاول أن يصف نفسه.

إنّها الهزيمة، التي يسعى إليها جبران باسيل. ما حصل معه، كان يستوجب التراجع خطوتين الى الوراء. لحصر الخسائر وربما تكون هناك عودة ثانية. فالعادة تقول إنّه في السياسة اللبنانية لا أحد يموت.

اللافت في سقوط الأصهرة الثلاثة أنّه جاء متزامناً مع إعلان فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية

هو القلق، الذي يساوره منذ اللحظة الأولى لدخوله عالم السلطة، فماضيه وجذوره المناطقية والعائلية ليست عوامل اطمئنان له. هو لا يملك القدرة على النوم، على التغافل، على التردّد. فالأرضية التي يقف عليها، تهتزّ تحته دون توقف.

يبقى السؤال، عن شكل الهزيمة التي يسير باتجاهها باسيل، هل هي نهايته أم نهاية تيار أم نهاية عهد؟  وهو ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، والتي لا يبدو أنها ستطول.

إقرأ أيضاً: جبران باسيل.. الفوز والهزيمة مع ترامب

جبران باسيل لم تسقطه أغنية الثوار التي باتت نشيدهم، ولا العقوبات الأميركية. من أسقط جبران باسيل، هو جبران باسيل نفسه. لقد أسقطته الضمائر المنفصلة، وتحديداً ما كان منها بصيغة المتكلّم من “نحن” وصولاً إلى “أنا”.

إنّها الشعبوية التي اعتمدها مذهباً ومسلكاً لصناعة الأعداء والكارهين.

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…