عقيص لـ”أساس”: الحريري يحرّض على القوات


سلكت القوات اللبنانية منذ خروج الدكتور سمير جعجع من السجن في26  تموز 2005 مسلكاً ثابتاً استند إلى رفض ما سُمّي “تحالف الأقليات” والوقوف إلى جانب الأغلبية السنية في المنطقة العربية، بعد ملاقاة سنّة لبنان إثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري الذين رفعوا شعار لبنان أولاً، وثبّتوا قناعتهم بالكيان اللبناني وخاضوا معاً النضال في ساحات 14 آذار كفعل وطني، وليس في إطار التموضع الحزبي أو الطائفي.

هذا المسار يشهد اليوم امتحاناً صعباً بعد انفراط عقد قوى 14 آذار، واشتعال الخلاف بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، مع وجود محاولات لتعميمه على كامل العلاقة بين القوات والشارع السني. ومن هنا، فإن المبادرة التي قام بها الدكتور جعجع بإيفاد النائبين جورج عقيص وسيزار المعلوف رفقة قياديين في الحزب، للقاء مفتي زحلة والبقاع الشيخ خليل الميس في مقرّ الأزهر في تلة عنجر، للتهنئة بالمولد النبوي الشريف والاطمئنان إلى صحة صاحب الدار، تكتسب أهمية سياسية ورمزية.

بحسب عقيص، كان وقع زيارة الوفد لسماحة المفتي الميس إيجابياً، في البقاع خصوصاً، وفي لبنان بشكل عام، وتركت صدى طيباً، لأنّها “أكّدت أنّ القوات ليست فريقاً منعزلاً عن باقي الجهات الحزبية والدينية في لبنان، وهي تعرف جيداً متى وكيف تمدّ جسور التواصل، وتعرف كيف تحدّد التوقيت المطلوب لهذه الصورة الأصيلة لديها، التي ترسخت منذ العام 2005 حتى اليوم. وتعرف القوات قيمة الشراكة واحترام المقدسات، عبر علاقات منفتحة وشراكات أصيلة مع اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم الدينية والمناطقية، بعكس الصورة التي يحاول البعض إشاعتها”، على ما قال عقيص لـ”أساس”.

وذكّر عقيص بأنّ منطقة البقاع الأوسط، بما فيها مدينة زحلة وضواحيها وقرى قضائها “لم تشهد مواجهات طائفية بين أبنائها حتى في ذروة الحرب الغابرة. فحرب زحلة كانت ضدّ النظام السوري، وفي العام 1976، وقعت مشاكل مع المنظمات الفلسطينية، لكن لم تقع في أيّ مرحلة مشاكل بين المسيحيين في قضاء زحلة وبين المسلمين السنّة أو الشيعة، وهذا المناخ، انطلاقاً من تمثيلنا لشريحة كبيرة من المواطنين، يهمّنا أن نحافظ عليه اليوم أكثر من أيّ يوم مضى، لأنّنا نرى ما يعكّر العلاقات الإسلامية المسيحية في كلّ العالم، خصوصاً بعد ما جرى مؤخراً في فرنسا والنمسا، حيث يبدو أنّ الأمور تتخذ منحى تصاعدياً، ويجب العمل على الحدّ من تداعياته علينا في لبنان”.

زيارة الوفد لسماحة المفتي الميس إيجابياً، في البقاع خصوصاً، وفي لبنان بشكل عام، وتركت صدى طيباً، لأنّها أكّدت أنّ القوات ليست فريقاً منعزلاً عن باقي الجهات الحزبية والدينية في لبنان، وهي تعرف جيداً متى وكيف تمدّ جسور التواصل

وتابع عقيص: “من هذا المنطلق، أراد الدكتور سمير جعجع ونحن معه، أن تنطلق حركة صون العيش المشترك من زحلة، التي تعتبر عرين القوات، ومن أزهر البقاع الذي يمثّل رمز الاعتدال في المنطقة، مع التنويه بدور سماحة المفتي الميس الكبير في جعل قضاء زحلة منطقة تفخر بعيشها المشترك، خصوصاً أنّ الأزهر احتضن على مدى أعوام لقاءات فكرية وثقافية ومعرض كتاب.. فكان دائماً واحة حوار، وجئنا نشدّ على يدي سماحة المفتي الميس لنقول له إنّك تمثل المسلم الذي نحب العيش معه ونتطوّر سوياً، وأنّ أرضنا تتسع لنا جميعاً”، مشيداً بما سمعه من المفتي الميس بلغته العربية الممتعة والمتينة.

ويدعو عقيص إلى “المحافظة على ثوابت العيش المشترك بعيداً عن مواقف الأحزاب السياسية التي تتغير بتغيّر الظروف والتحالفات، فإذا اختلف تيار المستقبل مع القوات، فلا يجب أن يتحوّل هذا الخلاف إلى إشكالٍ مسيحي سنّي. وإذا اختلف التيار الوطني الحرّ مع الحزب التقدمي الاشتراكي، فلا يجب أن يتحوّل ذلك إلى خلاف درزي مسيحي.

وأسف عقيص لوجود مراكز قوى تريد إعادة العلاقة بين القوات والسنّة إلى ما قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري معتبراً ذلك خطاً أحمر: “فلا يمكن رهن الشراكة بين اللبنانيين بعلاقةٍ سياسية تتقلّب وتتغيّر حسب الظروف. وهذه المقاربة تجد شرعيتها في الموروثات التاريخية، فيجب ألا نكرّر تلك التجارب، كما حصل عندما تحوّل الصراع بين الشهيد كمال جنبلاط والمرحوم بيار الجميل إلى صراع بين كلّ المسيحيين، وبين كلّ المسلمين، الذين اصطفّوا وراء جنبلاط. ولهذا يجب ألا يتحوّل الصراع السياسي البحت بين زعماء الأحزاب المكوّنة طائفياً مع الأسف، إلى صراع بين الطوائف التي تنتمي إليها هذه الأحزاب”.

واستذكر عقيص مشهد تلاقي شباب زحلة وسعدنايل في العام 2005 في ساحات 14 آذار. وفي ثورة تشرين الأول 2019، كانوا معاً. “فالأفكار الوطنية تجمعنا في مختلف المراحل”.

ولفت عقيص إلى أنّه خاطب المشايخ والحضور من المؤيدين لتيار المستقبل الذين استقبلوه في أزهر البقاع بالقول إنّه “إذا حصل اختلاف بيننا حول موضوع تشكيل الحكومة، وموضوع التعامل مع الاستحقاقات الداخلية، ولم نتفق على موضوع الانتخابات النيابية المبكرة، وعلى طريقة تشكيل الحكومة، وكيفية اختيار وزرائها، وكيفية إدارة هذا الملف في هذا الظرف الاستثنائي، فليس معنى ذلك أنّنا أصبحنا مختلفين كفريقين نقف على طرفي نقيض. وإذا استطاع الرئيس سعد الحريري أن يبقى أميناً لقناعاته في تشكيل حكومة من الاختصاصيين توحي بالثقة، وتكون قادرة فعلاً على استقطاب المساعدات الخارجية من جهة، وتقوم بالإصلاحات المطلوبة من جهة ثانية، فالقوات ستقف إلى جانبه وتمنح حكومته الثقة”.

لكن عقيص يرى في حديثه لـ”أساس” أنّ “الأمور ليست ذاهبة في هذا الاتجاه، والنظرة التي لدينا توحي بأنّ الشباب دخلوا بازاراً كبيراً يعرقل جهود الحريري من خلال النزاعات على الحقائب، ونسف مبدأ المداورة، والتسمية الفاقعة للوزراء. لكننا نترك المجال لإمكانية تشكيل الحكومة بالشكل المطلوب، لأننا لا نستطيع الحكم على الأمور إلا بنتائجها النهائية”.

وأشار عقيص إلى أنه “في حال أدّى تشكيل الحكومة بشروط الحريري المعلنة، ومع دعمنا لها، إلى التقارب بين القوات والمستقبل، فهذا أمر جيد. لكننا بعد كلّ ما خضناه من نضال، لن نغّير قناعاتنا من أجل منصب أو حقيبة. وما يجري حالياً يؤكد صوابية موقفنا بأنّ التحالف الحاكم لن يسمح بتشكيل حكومة بمواصفات الإصلاح المنتظر”.

وعبّر عقيص عن أنّ “القلق من تيار المستقبل اليوم ليس فقط حول مسألة تشكيل الحكومة، بقدر ما أرى تحريضاً من الرئيس الحريري لقاعدة تياره على الابتعاد عن القوات بخلفية طائفية، وعلى قلب ظهر المِجَنّ للمناخ التحالفي بيننا بشكل تام، وترجم ذلك في مقابلته التلفزيونية عندما قال إنّ جمهوره لن يكون مسروراً برؤيته مجتمعاً مع الدكتور سمير جعجع. كما تستوقفني هذه الرغبة الجامحة لديه في تغيير قانون الانتخاب من دون تقديم رؤية بديلة مقنعة تؤمّن عدالة التمثيل المسيحي الذي وفّره القانون الحالي، مع كلّ الملاحظات والمآخذ الموجودة لدينا جميعاً عليه. لكن لهذا القانون حسنة وحيدة على الأقل، وهي أنّه أعطى التمثيل الصحيح للمسيحيين الذين كانوا يعتبرون أنّ كلّ القوانين السابقة كانت توصل أكثرية نوابهم بأصوات غيرها”.

أرى تحريضاً من الرئيس الحريري لقاعدة تياره على الابتعاد عن القوات بخلفية طائفية، وعلى قلب ظهر المِجَنّ للمناخ التحالفي بيننا بشكل تام، وترجم ذلك في مقابلته التلفزيونية عندما قال إنّ جمهوره لن يكون مسروراً برؤيته مجتمعاً مع الدكتور سمير جعجع

وأكد عقيص في هذا المجال انفتاح القوات على مناقشة الصيغ البديلة وصولاً إلى أفضل قانون ممكن لتحقيق عدالة التمثيل، مُرجعاً سبب الخسارة السنية التي وقعت في الانتخابات الأخيرة على القانون الحالي إلى عوامل عدة، أهمها:

ــ طبيعة التحالفات وإدارة المعركة عند تيار المستقبل (انتخبوا صديقي جبران).

ــ تراكم التنازلات التي قدّمها الرئيس الحريري بشكل متواصل، ما أدّى إلى انقلاب المزاج السنّي، وانفضاض شرائح كبيرة من السنّة وغير السنّة عنه، ما أفسح المجال لحلفاء “حزب الله” باختراق الساحة السنية”.

وذكّر عقيص أنّه “خلال فترة تكليف الرئيس حسان دياب، انتظر الرئيس الحريري موقف القوات اللبنانية من تسميته، وعندما قرّرت القوات للأسباب نفسها اليوم، عدم تسمية الحريري، اعتبر حينها أنّه لا يحظى بالصوت المسيحي الوازن، (قوات لبنانية وتيار وطني حرّ)، وسحب ترشيحه لرئاسة الحكومة، لأنّه رفض التكليف بدون الصوت المسيحي”.

إقرأ أيضاً: الحريري- جعجع: من يعزل الآخر؟

تابع عقيص: “اليوم ذهب الحريري في خيار آخر، وهو قبول التكليف بدون تأييد الأحزاب المسيحية الممثّلة في مجلس النواب. ونحن نرى أنّ التكليف لا يحتاج إلى ميثاقية، بل التأليف هو ما يحتاجها. والأرجح أنّ البطريرك الراعي كان يقرع الجرس للرئيس الحريري بأن ينتبه إلى وقوف المسيحيين إلى جانبه، ومعروف من هو الطرف المسيحي الذي وقف إلى جانب الرئيس الحريري لفترات طويلة بشكل غير مشروط، من العام 2005 إلى العام 2016 على الأقل. ويلفت الانتباه إلى أنّ “كلام البطريرك الراعي أبعد من مسألة مشاركة القوات في الحكومة، بل إنّه شعر أنّ طبخة ما يجري تحضيرها بين الحريري والثنائي الشيعي والوزير جنبلاط، فأجرى البطريرك الراعي مقاربة شاملة كانت خلاصتها أنّه لا يمكن تشكيل الحكومة، بدون وجود مشاركة مسيحية في هذه المسألة، رغم أنّنا نرى أنّ الرئيس عون يلعب دوره الدستوري، بغضّ النظر عن تقييم هذا الدور، سلباً أم إيجاباً”.

ختم عقيص حواره مع “أساس” بالإشارة إلى أنّ القوات تحترم قدرة الحريري التمثيلية وخيار من يمثلهم: “لكننا ندعو إلى إبقاء المساحات المشتركة بيننا مساحة تعاون، وأن يبقى الاختلاف في ما سواها ضمن إطار اللعبة السياسية”.

إقرأ أيضاً

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…

هل يُسلّم البيطار ملفّه لمدّعي عام التمييز؟

من موقعه القضائي كرئيس لمحكمة التمييز الجزائية كان القاضي جمال الحجّار يتابع مراحل التحقيقات في انفجار المرفأ. وكانت لديه مقاربته القانونية-الشخصية للتعقيدات التي كبّلت الملفّ…