“البرنامج المرحلي للإنقاذ”: نضوج نصوص فارس سعيد.. والحوار الممكن


شكّل النائب السابق الدكتور فارس سعيد ظاهرة لافتة في الواقع السياسي اللبناني خلال السنوات العشرين الأخيرة. فسعيد الذي ورث العمل السياسي عن والدته السيدة نهاد سعيد (والتي عُرفت بمواجهة عميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون إده في جبيل)، استطاع أن يترك بصمات مهمة في الواقع السياسي بالتعاون مع شريكه الأساسي في الحوار والعمل السياسي النائب الراحل سمير فرنجية، وبالتعاون مع عدد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية في إطار المؤتمر اللبناني الدائم للحوار. وقد ساعده كلّ ذلك في تولّي منصب المنسّق العام لقوى 14 آذار بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكان أحد أهم شركائه في العمل السياسي الصحافي الراحل الأستاذ نصير الأسعد. كما جمع سعيد إلى جانبه عدداً من الشخصيات السياسية والإعلامية والثقافية التي نجحت في فترة ما أن تتوزان مع القوى والأحزاب الكبرى التي انطوت في إطار قوى 14 أذار.

لكن على الرغم من انتهاء مرحلة قوى 14 آذار وإعلان دفنها، استمرّ سعيد في مغامراته السياسية تحت عنوان: “لقاء سيدة الجبل”، الذي ورث “المؤتمر اللبناني الدائم للحوار” بعد رحيل سمير فرنجيه. كما أنّ رحيل نصير الأسعد، أفقد سعيد أحد أهم شركائه في العمل السياسي والتنظيري.

سعيد الذي ورث العمل السياسي عن والدته السيدة نهاد سعيد، استطاع أن يترك بصمات مهمة في الواقع السياسي

وفي آخر محاولة للإطلالة السياسية، نجح النائب السابق مع رفاقه في جمع عدد كبير من القوى والأحزاب والشخصيات السياسية يوم الثلاثاء الماضي في نقابة الصحافة اللبنانية، ومنها: حزب الكتائب اللبنانية، وحركة المبادرة الوطنية، وحزب الوطنيين الأحرار، ولقاء الجمهورية، وحركة الاستقلال، وحركة اليسار الديمقراطي، والتجمع الوطني اللبناني، وتجمع العشائر العربية، إضافة لشخصيات متنوّعة فكرية وإعلامية وسياسية وأكاديمية، وأُطلق ما سمّي: “البرنامج المرحلي المشترك من أجل حماية اتفاق الطائف وتطبيق الدستور والالتزام بالقرارات الدولية”.

تضمّن هذا البرنامج مجموعة نقاط مهمّة تصلح لحوار سياسي داخلي، ومنها: كيفية حماية لبنان في ظلّ المتغيّرات الدولية والإقليمية، استكمال تطبيق الطائف، تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، حماية العيش المشترك والشراكة السياسية، تصويب النقاش حول مسألة الحياد والتحييد بما لا يتناقض مع هوية لبنان وانتمائه، مناقشة دور لبنان الاقتصادي والثقافي والمصرفي والتعليمي والاستشفائي في ظلّ المتغيّرات الحاصلة.

وقد حمّل البرنامج التيار الوطني الحرّ وحزب الله المسؤولية الأكبر في مشاكل لبنان الحالية. ودعا الحزب للعودة إلى لبنان بشروط لبنان.

تضمّن هذا البرنامج مجموعة نقاط مهمّة تصلح لحوار سياسي داخلي، ومنها: كيفية حماية لبنان في ظلّ المتغيّرات الدولية والإقليمية، استكمال تطبيق الطائف، تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، حماية العيش المشترك والشراكة السياسية

قد يكون هذا البرنامج من أهم الوثائق التي أطلقت خلال السنوات الأخيرة بعد انفراط قوى 14 آذار، وهو أكثر برنامج واقعي يمكن أن يطلق حواراً داخلياً مهمّاً في هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها لبنان والعالم العربي والعالم، وهو لم يطرح أهداف طوباوية أو شعارات أيديولوجية أو مصطلحات تعبوية. ومن هنا، تكمن أهميته وضرورة البناء عليه والحوار حوله.

ورغم اللغة النقدية التي اتسم بها البيان ضدّ التيار الوطني الحرّ وحزب الله، فإنه فتح الباب أمام الحوار معهما، وإن كان لم يُشِر إلى مسؤولية بقية الأطراف السياسية والحزبية والهيئات الإقتصادية والمالية في ما وصل إليه لبنان. كما لم يتضمّن قراءة نقدية لتجربة القوى والشخصيات التي شاركت في إعداد البرنامج وإطلاقه.

إقرأ أيضاً: فارس سعيد لـ”أساس”: الكنيسة المارونية تمسّكت بالدستور أكثر من حُماته الأربعة

لكن بالإجمال، يمكن القول إنّ هذا البرنامج يساعد في إطلاق حوار وطني داخلي مع جميع القوى السياسية والحزبية، وفي مقدّمها التيار الوطني الحرّ وحزب الله. وقد يكون المطلوب من الدكتور فارس سعيد ورفاقه، استعادة كلّ التجارب الحوارية التي ساهموا فيها خلال السنوات الثلاثين الماضية، والاستفادة منها من أجل إطلاق الحوار الجديد. وهذا البرنامج يعتبر خطوة أولى على صعيد النزول عن الشجرة التي جلس فيها الدكتور سعيد خلال السنوات الأخيرة منتظراً المتغيّرات الداخلية أو الإقليمية أو الدولية لمعالجة الأزمة اللبنانية وتداعياتها.

فهل يكون هذا البرنامج المشترك بداية جديدة – قديمة لاستعادة الحوار المقطوع أم سبيقى مجرّد وثيقة ورقية تنضمّ إلى بقية الوثائق التي أشرف على إطلاقها الدكتور فارس سعيد ورفاقه في السنوات الأخيرة؟

 

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…