الحقائب الأمنية الثلاث بيد عون؟!


لم تثبّت المداورة الشاملة للحقائب السيادية و”الدسِمة” بعد على الرغم من المُعلن عن “توزيعة” تراعي التبادل في الحقائب بين الطوائف والمذاهب باستثناء وزراة المال. فالترابط بين الحقيبة والاسم يلعب دوراً في تثبيت المحاصصة الوزارية، والأهمّ هو عدم الاتفاق حتى الآن على المداورة في بعدها السياسي!

هنا تماماً يبرز رأي خارج سياق الاصطفافات السياسية المتحكّمة بفريق عمل الحكومة المقبلة ليشير إلى واقع ينسف فكرة حكومة الاختصاصيين من أساسها، وذلك عبر انجرار المعنيين بالتأليف إلى فخ اعتماد خيار توزيع الحقائب ثم إسقاط الأسماء عليها. فبدل أن يكون اسم الاختصاصي، بخبرته وكفاءته، “دليلاً” إلى الطائفة والحقيبة، يحصل العكس تماماً. الحقيبة أولاً ثم الإسم ما يضيّق الخيارات إذا كان المقصود فعلاً الاختصاص والخبرة والفكر “المسيّس”!

إقرأ أيضاً: عون يعود إلى لعبة “المعايير”

عقبتان أساسيتان أزيلتا من أمام الرئيس المكلّف سعد الحريري كي تأخذ المداورة شبه الشاملة مسارها: “استسلام” رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل لواقع أنّ حقيبة المال هي خارج المداورة، واستسلام الحريري لمفاوضيه “بوزارة الداخلية” للمرة الأولى منذ 2014 يوم أوكلت الداخلية مرّتين متتاليتين إلى نهاد المشنوق، ثم مرّة لريّا الحسن، وآخرهم محمد فهمي. ستّ سنوات والداخلية في الملعب السني بعدما استقرت من العام 1992 حتى 2011 في الملعب المسيحي مع خرق وحيد تمثّل بتعيين حسن السبع وزيراً للداخلية عام 2005.

أتى ذلك من ضمن “باكتج” التزم به الحريري أمام الفرنسيين بكسر الكثير من الأعراف والسلوكيات غير الإصلاحية، من ضمنها الحقائب السيادية، إلى درجة تخلّيه عن وزارة مثّلت في الحقبة السابقة بالنسبة للحريريين ما تمثّله المالية للشيعة من مكتسبات ضمن السلطة، مع الفارق المرتبط ببعدها الأمني الحسّاس بمستوييه الداخلي والاقليمي.  

بعيد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية فاتح باسيل الحريري بالمداورة ورغبة “فخامته” بأن تكون الداخلية من حصة ميشال عون على أن يُبقي على الخارجية أو الدفاع، طارحاً معادلة “الداخلية والدفاع كانتا من حصة الرئيس ميشال سليمان، فكيف يمكن حجب أيّ منها عن الرئيس “القوي”؟

حصول عون اليوم على الداخلية، بعد آخر وزير داخلية ماروني محسوب على رئيس جمهورية هو مروان شربل في عهد ميشال سليمان، يقابله انتقال حقيبة الخارجية إلى الحريري، وأيضاً خروج وزارة الطاقة مبدئياً، بوصفها الحقيبة “السيادية” الخامسة، من يد التيار الوطني الحرّ للمرة الأولى منذ 2009.  

لكن بخلاف الحقبة السابقة التي كان يريد فيها عون تجيير الداخلية إلى ماروني من حصته، فإن المعطيات تؤكّد أنّ الداخلية ستؤول إلى أرثوذكسي والدفاع إلى ماروني من ضمن سياق المداورة ببعدها الطائفي والمذهبي.

ومع بقاء وزارة الدفاع من ضمن حصّة رئاسة الجمهورية، تُطرح هنا علامات استفهام حول الجهة السياسية التي ستؤول إليها وزارة العدل لأنّ عدم ضمّها إلى حصّة الرئيس المكلّف سيعني رئاسة الحريري لحكومة تكون الحقائب الأمنية الثلاث فيها، أي الداخلية والدفاع والعدل، خارج مدار تيار المستقبل بالكامل.

مع العلم أنه منذ العام 2011 حتى اليوم تعاقب على حقيبة العدل وزراء محسوبون على عون هم شكيب قرطباوي وسليم جريصاتي وألبير سرحان وماري كلود نجم، مع استثناء واحد حين تولّى أشرف ريفي حقيبة العدل بين 2014 و2016.

لكن المطلعين يؤكدون أنّ التوافق على المداورة الطائفية والمذهبية لم ينسحب بعد على المداورة السياسية. بمعنى: هل الحريري سيكون المرجعية المعنية بتعيين الأرثوذكسي في الداخلية وعون يزكّي اسم الوزير السني في الخارجية، ما يبقي هاتين الحقيبتين داخل دائرة التأثير السياسي نفسها؟ وهي نقطة لا تزال قيد النقاش.

حتى الآن الاتجاه هو لتعيين عون شخصية أرثوذكسية محسوبة عليه في وزارة الداخلية، في مقابل تعيين شخصية سنية يختارها الحريري في الخارجية

هنا يشير المطلعون إلى أنّ الفرنسيين يولون أهمية مضاعفة لبقاء حقائب الطاقة والمالية والعدل والاتصالات بيد أشخاص خارج دائرة نفوذ القوى المسيطرة في لبنان بحيث لا يعود هؤلاء بالشاردة والواردة إلى المرجعية التي زكّتهم في هذه المواقع.

وتفيد المعطيات، أنّ نتيجة التفاوض الذي لا يزال قائماً على هذه الحقائب الأربع (باستثناء المال) سيكون له تأثيره المباشر في المداورة، ببعدها السياسي، على حقائب الخارجية والداخلية والدفاع.

لكن حتى الآن الاتجاه هو لتعيين عون شخصية أرثوذكسية محسوبة عليه في وزارة الداخلية، في مقابل تعيين شخصية سنية يختارها الحريري في الخارجية.

فكيف تكون المداورة ما دام أنّ حقيبتي المالية والدفاع محسومتان، واحدة للثنائي الشيعي والثانية لرئيس الجمهورية، كما كانتا منذ سنوات، بينما تنحصر المداورة في الداخلية والخارجية فقط؟

انتقال حقيبة الداخلية إلى الضفة العونية يحمل دلالات ربطاً بالعلاقة الملتبسة بالأساس مع مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والملفات العالقة بين الطرفين على رأسها التشكيلات، وهو العنوان الذي أدّى إلى حصول كباش علني في الفترة السابقة بين عثمان وباسيل

وهنا يقرّ العارفون أنّ “الحريري يفضّل تجيير الداخلية في هذه المرحلة الحسّاسة إلى الطرف المسيحي ربطاً بحسابات الشارع خصوصاً بعد تجربة ريا الحسن المحسوبة عليه بالكامل.

أما الخارجية، يضيف هؤلاء، “فثمّة معطيات خارجية تشي بارتياح دولي لخروجها من كنف الفريق السياسي المتحالف مع حزب الله.  فالوضع اللبناني هو جزء من التدويل في المنطقة، وأيّ حلّ على المستوى الاقتصادي والمالي ستكون له أبعاد خارجية لا تحتمل التباسات ومناكفات. وهذا ما يؤسّس لاستقرار أكبر على مستوى السياسات الخارجية يسمح بالاستفادة قدر الإمكان من الدعم الدولي”.

وبتأكيد هذا الفريق، فإنّ “حزب الله لا يمانع حصول هذا الانتقال ربطاً بما يبديه من مرونة وتسهيل في الموضوع الحكومي، ولرغبته بتحاشي الاصطدام الداخلي، والحرص على التوازن والاستقرار. ويبدو أنّ الحزب يعي جيداً أنّ المرحلة تتطلّب إنزال الدولار، وليس إنزال طائرات”!.

في المقابل فإنّ انتقال حقيبة الداخلية إلى الضفة العونية يحمل دلالات ربطاً بالعلاقة الملتبسة بالأساس مع مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والملفات العالقة بين الطرفين على رأسها التشكيلات، وهو العنوان الذي أدّى إلى حصول كباش علني في الفترة السابقة بين عثمان وباسيل.

فمنذ انتخاب عون رئيساً، حمل باسيل لواء معركة استعادة “حقوق المسيحيين” داخل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عبر استعادة جزءٍ من المراكز الأمنية “تأميناً للتوازن الطائفي والميثاقية” بسبب التفاوت في توزيع المراكز بين الضباط المسيحيين والمسلمين، ورافعاً شعار “المناصفة في المواقع داخل المؤسسة”. مع العلم أنّ تشكيلاتُ قوى الامن معلّقة منذ آخر أمر نقل عام في 2004، ويستعاض عنها بقرارات فصل مؤقت للضباط يصدرها المدير العام.

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…