بولتون يتذكر (16): لم يصمد ترامب أمام إغراء الكوريين الشماليين

2020-10-25

بولتون يتذكر (16): لم يصمد ترامب أمام إغراء الكوريين الشماليين

مدة القراءة 9 د.


جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي يعتبرها مارقة. رئيس مؤسسة غايتستون، وهي مجموعة تفكير، وباحث سابق في مؤسسة أنتربرايز المرتبطة بالمحافظين الجدد. عمل كمحامٍ، ودبلوماسي، ومستشار سابق للأمن القومي. ما بين عامي 2001 و2005 عمل في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن في ملف نزع السلاح. واستلم منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بين عامي 2005 و2006. وفي إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب عمل مستشاراً للأمن القومي بين عامي 2018 و2019، ثم استقال لخلافات في الرأي مع الرئيس. وفي أواخر حزيران العام الحالي، صدر له كتاب “الغرفة التي شهدت الأحداث مذكرات البيت الأبيض”The Room Where It Happened: A White House Memoir”، والذي تضمّن انتقادات لاذعة لسياسات ترامب، وكيفية إدارته قوة عظمى في مواجهة أزمات حادة.

“أساس” ينفرد بنشر مقتطفات من الكتاب على حلقات، بالاتفاق مع دار نشر “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”، التي حصلت على حقوق الترجمة والنشر بالعربية.

إقرأ أيضاً: بولتون يتذكر (15): الكورونا سلاح دمار شامل من الصين

بعد انتهاء انتخابات الكونغرس للعام 2018، بدا أنّ عقد قمة أخرى بين ترامب و[الزعيم الكوري الشمالي] كيم جونغ أون أصبح أمراً لا مفرّ منه لدرجة تبعث على الكآبة. كان افتتان ترامب بفكرة الحصول على “صفقة” مع كوريا الشمالية يقوى حيناً ويضعف حيناً آخر. ولكن بعد انقضاء ستة أشهر على قمة سنغافورة دون أن يتمخّض عنها شيء، أخذ هذا الافتتان يخفّ بصورة متزايدة.

لكن المسار تسارع بعد رأس السنة 2019، فلم تكن استثارة ترامب بالأمر الصعب. سافر كيم إلى بكين على نحوٍ مفاجئ حتى يوم عيد ميلاده، في الثامن من كانون الثاني/ يناير لكي يعدّ على الأرجح للقاء آخر مع ترامب. ومن الطبيعي أن يعقب ذلك زيارة كيم جونغ تشول [الشقيق الأصغر للزعيم الكوري] إلى واشنطن التي زارها في 17 و18 كانون الثاني/ يناير، وكان من المقرّر لقاؤه بترامب في الثامن عشر من الشهر. لم يعد بوسعي الانتظار، فأخبرت وزير الخارجية بومبيو أني سأخضع لعملية جراحية بسيطة كان مقرّراً إجراؤها منذ زمن طويل. دام الاجتماع بين ترامب وكيم جونغ تشول في المكتب البيضاوي تسعين دقيقة، ما جعل العملية الجراحية أفضل من المشاركة فيه. كان النقاش كالعادة، طويلاً من دون ترابط. واللغة المستخدمة فيه بلا شك، فضفاضة. مع ذلك لم يُلحظ أيّ التزامات حقيقية من ترامب. وفي نهاية الاجتماع، قال ترامب إنه لا يستطيع رفع العقوبات قبل أن تنزع كوريا الشمالية سلاحها النووي، وإلا بدا أحمق، وهو أمر صحيح.

أتاحت الإحاطات الاستخبارية التي قُدّمت لترامب بأسلوب مختلف عن التي سبقت قمة سنغافورة، بأن يستنتج أنّ قمة هانوي ليست التي تقرّر النجاح أو الفشل

قمة هانوي

بعد تحديد مكان وزمان القمة في هانوي 27 و28 شباط/ فبراير، أمعنتُ في التفكير ملياً بشأن كيفية الحيلولة دون حصول تدهور. وفي حين بدا أنّ المحادثات التي يجريها المسؤولون في وزارة الخارجية تخرج عن نطاق السيطرة، حيث غلب عليهم الحماس للتوصّل إلى اتفاق، وأسكرتهم التغطية الإعلامية، بدأت بالتفكير بما يمكن القيام به مع ترامب شخصياً لمنع حصول أخطاء في هانوي…أتاحت الإحاطات الاستخبارية التي قُدّمت لترامب بأسلوب مختلف عن التي سبقت قمة سنغافورة، بأن يستنتج أنّ قمة هانوي ليست التي تقرّر النجاح أو الفشل. وأنه في حال الفشل، يمكنه العودة إلى التصرّف كما في السابق، بكل بساطة.

غادرت إلى هانوي في وقت مبكر من يوم 24 شباط/ فبراير. وبينما كنا نتوجّه إلى أنكوريج للتوقف والتزوّد بالوقود، تلقينا مسودة بيان الولايات المتحدة – كوريا الشمالية، كان المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية [أصبح نائباً لوزير الخارجية عام 2019] ستيف بيغون Steve Biegun  “أسقطه على الطاولة” في أول لقاء مع الكوريين الشماليين، دون تبييضه من قبل، كان كما لو أنّ كوريا الشمالية هي التي صاغته. فقد كان “يعدّد تنازلات ترامب لكيم جونغ تشول في المكتب البيضاوي دون طلب أيّ شيء في المقابل، سوى تصريح غامض آخر بأن كوريا الشمالية توافق على “تعريف نزع السلاح النووي”. لقد كان لغزاً كاملاً بالنسبة إليّ. لماذا كان بومبيو ليسمح بمثل هذا النص. ماذا لو قبل به الكوريون الشماليون حرفياً، وبكل بساطة؟ لقد كان هذا خطأ فادحاً آخر في العملية، وقنبلة سياسية موقوتة.

في قمة هانوي بين الرئيسين ترامب وكيم، حاول الأخير تسويق صفقة جزئية تقضي بإغلاق كوريا الشمالية موقع يونغبيون للأبحاث النووية مقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة بعد عام 2016، دون جدوى

في قمة هانوي بين الرئيسين ترامب وكيم، حاول الأخير تسويق صفقة جزئية تقضي بإغلاق كوريا الشمالية موقع يونغبيون Yongbyon للأبحاث النووية مقابل إلغاء العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة بعد عام 2016، دون جدوى. وفي أسوأ لحظة من الاجتماع، شدّد كيم على أهمية يونغبيون بالنسبة لكوريا الشمالية، وأنّ التنازل عن هذا الموقع سيوفّر تغطية كبيرة من وسائل الإعلام الأميركية. حينها سأل ترامب عن إمكانية إضافة شيء آخر، مثل التخفيف من العقوبات، مقابل إقفال المركز الكوري النووي لا إلغاء تلك العقوبات. فلو قبل كيم في تلك اللحظة، لتوصّلا ربما إلى اتفاق، ولكان كارثياً على أميركا. انتهت قمة هانوي بانسحاب ترامب. سعى الكوريون الشماليون إلى إصدار بيان مشترك، وقال ترامب إنه يريد أن يكون كيم سعيداً. لا توجد كلمات لوصف ذلك. أوضح ترامب أنه يريد بياناً مشتركاً. وكُلّف كيم جونغ تشول وبومبيو بصياغته. مع ذلك، خرج الكوريون الشماليون، تاركين الوفد الأميركي وحده في الغرفة. وبينما كنا نتجوّل، سألني ترامب: “كيف يمكننا معاقبة اقتصاد بلد ما يبعد عنا سبعة آلاف ميل”. أجبته: “لأنهم يبنون أسلحة نووية وصواريخ يمكنها أن تقتل أميركيين”.

تغريدة طائشة من ترامب

على متن الطائرة باتجاه واشنطن، خلصت إلى أنّ قمة هانوي أظهرت للولايات المتحدة أنها ما زالت لا تعرف كيف تتعامل مع كوريا الشمالية ومثيلاتها. فقد أمضينا ساعات لا نهاية لها من التفاوض مع أنفسنا، مُضعفين أنفسنا حتى قبل أن يتمكّن خصومنا من التوصّل إلى ذلك. وهو فنّ راقٍ أتقنته وزارة الخارجية. كان الكوريون الشماليون وغيرهم خبراء في الاستفادة الكاملة من أولئك الذين كانوا يريدون الحصول على اتفاق، أيّ اتفاق، كدليل على النجاح.

قد ساعدنا ترامب على الاستنتاج بأن الانسحاب ليس فشلاً. لذا، عرقلنا مسار التفاوض غير الصحي، الذي كان ستيف بيغون يسير فيه. ولكن كما هو الحال مع كلّ نجاح في الحكومة، فقد كان انتصاراً مؤقتاً، وكنت أعرف أنه لن يدوم. ومع مرور الوقت، كانت كوريا الشمالية تنتقل من حالة الشعور بالمفاجأة إلى حالة الشعور بالغضب. في 15 آذار/ مارس، اتهمتنا نائبة وزير الخارجية الكورية الشمالية المفضّلة لدينا، تشوي سون هوي، أي بومبيو وأنا، بخلق “جو من العداوة وعدم الثقة في هانوي” من خلال مطالبنا “المتصلّبة”. كان ينبغي إصدار بيان لشكرها. على النقيض من ذلك، قالت إنّ “العلاقة بين ترامب وكيم لا تزال جيدة، والكيمياء بينهما رائعة على نحوٍ غامض”. كان لديّ شعور بأن ترامب قد بدأ يشعر بالقلق من أنّ موقفه كان متشدّداً كثيراً في هانوي. وتجلّى ذلك بطرق عدة. بدأ يقول: “ينبغي أن لا ننفق عشرة سنتات على المناورات الحربية” في إشارة منه، إلى تدريباتنا مع كوريا الجنوبية. في المقابل، لم يلن أبداً في دعم حملة “الضغوط القصوى” ضدّ كوريا الشمالية.

حصلت كوريا الشمالية على ما تريده من الولايات المتحدة. وحصل ترامب على ما يريده شخصياً

للأسف، واصلت كوريا الشمالية تجاربها على الصواريخ، ليس العابرة للقارات، التي كان كيم قد وعد ترامب بعدم اختبارها، ولكن قصيرة المدى والمتوسطة كذلك، التي كانت تهدّد كثيراً كوريا الجنوبية واليابان.

وخلال قمة مجموعة دول العشرين في أوساكا باليابان، شهر حزيران/ يونيو، وفي اجتماع ثنائي لترامب مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، اشتكى من أنّ الولايات المتحدة تنشر جنوداً في كلّ مكان، لكنها لا تحصل على شيء في المقابل. واقترح أنه قد يقابل [الزعيم الكوري الشمالي] كيم جونغ أون، الذي كانت علاقته به لا مثيل لها، في المنطقة المنزوعة السلاح [بين الكوريتين]، لأن كيم يريد أن يفعل شيئاً لكنه لا يعرف كيف يبدأ. وهو الأمر الذي لم يكن قد سمع به من قبل، أيّ عضو من الأعضاء الذين كانوا في الوفد الأميركي. وفيما كنا ننتظر لتقديم إحاطة إلى ترامب تحضيراً لليوم الجاري في قمة العشرين، أراني كبير موظفي البيت الأبيض بالوكالة [الذي خلف جون كيلي مطلع عام 2019 إلى عام 2020] ميك مولفاني Mick Mulvaney تغريدة لترامب على هاتفه الخلوي، وسألني إذا كنت على علم بها، لكني لم أكن كذلك. قال ترامب في تغريدته: “سأغادر اليابان إلى كوريا الجنوبية مع الرئيس مون. بينما أنا هناك، إذا رأى رئيس كوريا الشمالية هذه التغريدة، فسألتقي به عند الحدود/ المنطقة المنزوعة السلاح لمجرّد السلام عليه ومصافحته (؟)!

شعرت بالغثيان لأن تغريدة طائشة يمكنها أن تؤدي فعلاً إلى اجتماع. كان ترامب يريد في السابق أن تُعقد إحدى القمم مع كوريا الشمالية في هذه المنطقة. لكن الفكرة أُجهضت لأنها كيم مزية صاحب الأرض (حيث كان علينا أن نقطع نصف المسافة حول العالم). الآن، كان ذلك على وشك الحدوث. حصلت كوريا الشمالية على ما تريده من الولايات المتحدة. وحصل ترامب على ما يريده شخصياً. 

*نشر في الأصل بلغته الإنكليزية بعنوان: THE ROOM WHERE IT HAPPENED.
Copyright (c) 2020 by John Bolton

حقوق النشر بالعربية (c) شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ش. م. ل.

جميع الحقوق محفوظة (c)

إقرأ أيضاً

بولتون (21): تحرّرت من المنصب بعدما اتهمني ترامب بالتسريبات!

جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي يعتبرها…

بولتون يتذكر (20): ترامب تلاعب بأوكرانيا لأغراض انتخابية

جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي يعتبرها…

بولتون يتذكر (19): ترامب يريد “سفّاحي” طالبان في البيت الأبيض

جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي يعتبرها…

بولتون يتذكر (18).. ترامب عن ماكرون: يخرّب كلّ شيء يلمسه!

جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي يعتبرها…