تأجيل الاستشارات: خلاف باسيل وكنعان وآلان عون؟


مرة جديدة أثبت الرئيس ميشال عون أنّه قادر على اجتراح المفاجآت الصادمة، وأنّه يمتلك القدرة على تقديم أكثر التبريرات سطحيّة لأكثر القضايا سخونة وإلحاحاً، تماماً كما فعل في مسألة تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة عندما اتصل بالرئيس الفرنسي ?إيمانويل ماكرون، مبرّراً التأجيل بأنه سعي للحصول على تأييد ?مسيحي? أوسع لـ “المرشح الطبيعي” الرئيس ?سعد الحريري، ثمّ القذف بكلمات تشبه تفسير الماء بالماء، مثل القول إنّ قرار التأجيل لم يكن للتبرير بل كان لتحديد موعد، من دون أن تنسى المصادر الرئاسية الزعم أنّه لا يتحكّم بموقف الرئيس أيّ سبب شخصي، ولكن هناك مواضيع يجب أن تُدرس قبل التكليف لكي لا نكون أمام تكليف بلا تأليف وتأليف بلا ثقة.

إقرأ أيضاً: الحريري يحاول استدراك خطأ أديب

ضجيج كثير رافق هذا الإعلان، وكانت الذريعة الأبرز للخرق الدستوري الجديد أنّه تلقى اتصالاً من بعض رؤساء الكتل النيابية يطلبون التأجيل، ولم يعلن هذا الموقف إلاّ كتلة الأرمن، أو هذا ما أراد الرئيس عون وفريقه تظهيره على خلفية قرار التأجيل. لكنّ عاملين يشملان على الأرجح سبب اتخاذ هذه الخطوة، أحدهما يتعلّق باكتشاف رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل أنّ الحريري اتفق “من تحت الطاولة” مع الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط على تلقّي أسماء الوزراء الشيعة والدروز منهما، وإعلانها على أنّها اختياره الخاص، بينما يصرّ على التعامل مع التيار الوطني الحرّ على أساس اختيار وزراء اختصاصيين خارج الأحزاب، وهذا ما أشار إليه باسيل في كلمته في ذكرى 13 تشرين الأول.

عندما أعلن “الصهر” رفض تسمية الحريري، اعترض كنعان محذّراً من تبديد الفرصة، ومن الظهور بمظهر المعطّل للمبادرة الفرنسية

العامل الآخر الذي لا يقلّ أهمية في قرار التأجيل هو حصول تصدّع كبير في صفوف كتلة “لبنان القوي” بسبب الانقسام حول الموقف من التصويت للرئيس الحريري، بعد قرار النائب باسيل الامتناع عن تسميته في الاستشارات النيابية الملزمة، الأمر الذي رفضه أمين سرّ التكتل إبراهيم كنعان وأمين سر هيئة مكتب مجلس النواب النائب آلان عون. وكان من المتوقع أن يصوّتا لصالح الحريري يوم الخميس الماضي لأن رئيس الجمهورية لم يستطع ضبط وحصر الخلاف بينهما وبين باسيل.

عندما أعلن “الصهر” رفض تسمية الحريري، اعترض كنعان محذّراً من تبديد الفرصة، ومن الظهور بمظهر المعطّل للمبادرة الفرنسية. وفي إشارة لا تخلو من الدلالات، أرسل باسيل من قبله النائب سيزار أبي خليل لحضور الاجتماع الذي عقده كنعان وعون مع وفد كتلة المستقبل برئاسة النائب بهية الحريري، لأنه أراد إضفاء جوّ أكثر تشنـُّجاً من جهة، ولعدم ترك المجال لهما بالانفراد في الحوار ومجرياته، وفي التعبير عن موقف التيار الوطني الحرّ، من جهة ثانية.

الخلاف بين إبراهيم كنعان وآلان عون من جهة، وبين باسيل من جهة أخرى، ليس جديداً، خصوصاً أنّ كنعان ضحى في مسيرة التيار أكثر من باسيل، وأنّه انتخابياً يتقدّم عليه أيضاً، لأنّ الصهر رسب مرتين، ولم ينجح إلاّ بموجب القانون الانتخابي الأخير الذي جرى تفصيل جزء منه على قياسه الشخصي.

يضاف إلى ما تقدّم العلاقة المتينة التي تربط الرئيس بري بالنائب إبراهيم كنعان وكذلك النائب آلان عون، خصوصاً بعد تسلّمه موقع أمين سر هيئة مكتب مجلس النواب، ما يجعل المسألة تأخذ زوايا ومفاعيل أبعد من الخلافات الداخلية

كان السكوت عن الخلافات داخل التيار مرتبطاً بوجود الرئيس عون على رأس الكتلة، ثمّ في سدة الرئاسة، لكنّه تفاقم مؤخراً مع ازدياد الضغوط التي يتعرّض لها التيار، ومنها سيف العقوبات الأميركية، حتى بات اليوم أمراً واقعاً، بسبب تراجع قدرة الرئيس على ضبط إيقاع الخلافات، وبسبب ارتفاع منسوب الاستفراد بالقرار وشخصنة التيار وارتباطه بخيارات باسيل دون غيرها.

يضاف إلى ما تقدّم العلاقة المتينة التي تربط الرئيس بري بالنائب إبراهيم كنعان وكذلك النائب آلان عون، خصوصاً بعد تسلّمه موقع أمين سر هيئة مكتب مجلس النواب، ما يجعل المسألة تأخذ زوايا ومفاعيل أبعد من الخلافات الداخلية حول القيادة والتوجّهات السياسية، المحلية والخارجية.

لن يطول الوقت حتى يظهر للرأي العام مزيد من التصدعات والخلافات داخل الجسم العوني، الذي يبدو أنّه يعاني السكرات نفسها التي يعانيها العهد الموشك على السقوط، مع اقتراب السفينة اللبنانية من الغرق، أو من أبواب الجحيم بقيادة فخامة الجنرال.

 

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…