شبح الحريري يزور الطريق الجديدة

2020-10-12

شبح الحريري يزور الطريق الجديدة

مدة القراءة 4 د.


ليس تفصيلاً عابراً أن يزور الرئيس سعد الحريري منطقة الطريق الجديدة ويخرج منها خلسة. تلك المنطقة التي طالماً كانت خزاناً شعبياً لـ”تيار المستقبل” وحصناً منيعاً للحريرية السياسية.

يعرف سعد الحريري الطريق الجديدة جيداً. يذكرها بتفاصيلها وبشوارعها وبناسها. عاينها في الماضي، وخَبِرها أيام الجولات الانتخابية والمهرجانات التي لم يغب هو نفسه عن كثير منها في أزقة المنطقة في ساحة الملعب البلدي وساحة السبيل وساحة أبو شاكر. أظنه يذكر جيداً كيف كانت الناس تكاد تحمل موكب والده رفيق الحريري بمن فيه، لحبّها له ولتمسّكها بمشروعه السياسي وطروحاته الوطنية الثابتة.

إقرأ أيضاً: قولوا لعين الشمس ما تحماشِ… لاحسن حريري ده لي صابح ماشي

لا بدّ أنّ شريط الذكريات وصور خلت، مرّت في مخيّلة سعد الحريري يوم الأحد الفائت، حين قرر هو أو مسؤول فريقه الأمني، دخول الطريق الجديدة والناس نيّام وبعد تردد وتضارب في المعلومات سبقت الزيارة بيومين.

صباح يوم الأحد عند الساعة التاسعة في بيروت (موعد الزيارة) يكاد يكون كساعات الفجر في الأيام العادية: المحلات مقفلة والطرقات فارغة وحركة الناس معدومة. حتى المتضررين الذين يُفترض بأنه ذهب ليزورهم، لم تتسنَ لهم الفرصة مقابلته على أغلب الظن. فالناس استفاقت على خبر الزيارة بعد ساعات، حيث انتشر الخبر الأول للزيارة على مواقع التواصل الاجتماعي قرابة ظهر الأحد، لا قبل ذلك.

زيارة رافقها التردد منذ مساء الجمعة. أُعلِن عنها، ثم سُرّب خبر إلغائها “لضرورات أمنية”، بدا الأمر سريالياً، فهل يُعقل أن يرتبك سعد الحريري من زيارة الطريق الجديدة لسبب أمني؟

الزيارة غابت عنها عدسات الكاميرات ولم تُبلّغ أي وسيلة إعلامية بها، وقد واقتصر الأمر على بعض الصورة المأخوذة بعدسات الهواتف التي التقطها مرافقوه في الجولة أو بعض من صودف مروره في حينه. وهي بالمناسبة لا تتعدى الـ3 صور فقط، وُزّعت و”اجتُرت” نفسها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. حتى محطات التلفزة تناولت الخبر من خلال هذه الصور فقط، ما خلا مقطع فيديو يتيم، نشره أحدهم على “تويتر” يُظهر الحريري عند باب السيارة قبيل المغادرة، نصفه في السيارة ومحاولاً مقاطعة مواطن يحادثه من أجل دخول السيارة على عجل.

زيارة رافقها التردد منذ مساء الجمعة. أُعلِن عنها، ثم سُرّب خبر إلغائها “لضرورات أمنية”، بدا الأمر سريالياً، فهل يُعقل أن يرتبك سعد الحريري من زيارة الطريق الجديدة لسبب أمني؟

دخلها مثل الشبح، وبعيداً عن مرأى الناس معتمراً قبعة رياضية ومُكمِّماً وجهه بسبب كورونا (يُفترض) في وقت كل من كانوا حوله اقتصروا على المرافقين وبعض المستشارين الذين حضروا معه أصلاً ضمن الموكب. بدا الحريري خائفاً من الزيارة أو متجنباً مواجهة الناس. لم يُعلم إن كانت الانقسامات في الشارع البيروتي، وفي الطريق الجديدة تحديداً بين أنصاره وأنصار أخيه بهاء، هي السبب خصوصاً بعد المشكلة الأمنية التي وقعت قبل نحو شهر في شارع أبو سهل وخلّفت قتيل من الطرف الآخر.

يعتقد أنّ “أم الصبي” فكرة ستستهويهم دوماً وعلى طول الخط… لا، هُم يبحثون عن زعامة حصيفة تعرف متى تقول “لا” وتثبت عليها، ولا تتراجع عنها

باح الحريري في سلوك يوم الأحد، من حيث لا يدري ولا يقول، بأنّ طروحاته السياسية ما عادت تلبي تطلعات أقرب الناس إليه. التخبّط السياسي أحرج جمهوره الذي صار أعجز من أن يدافع عن أي فكرة يُطلقها أو طرح سياسي يتبنّاه، تارة قطيعة مع العهد وطوراً إجتماع معه، تارة مع المداورة في الوزارات وطوراً “المالية للشيعة لمرة واحدة فقط”. هذا الخطاب معطوف عليه الأزمة المالية والانكسارات والاحباط ما عاد يستهوي الناس وأقرب المقربين منه.

من أقرب إلى الحريري من أهل الطريق الجديدة؟ تلك المنطقة التي كانت تتجمهر بداية كل شهر أمام شاشات الصراف الآلي الخاص بـ”بنك البحر المتوسط” في ساحة الملعب البلدي تشهد كم كان عدد الموظفين في مؤسسات الحريري، فيما هو اليوم مديون لسوادهم الأعظم!

اليوم، يفوت الحريري أنّ الناس تأقلمت مع الأزمة، وتعايشت مع الجوع لكنها ترفض الخنوع. يظن أنّ الناس مع التنازل دوماً “لمصلحة البلد”. يعتقد أنّ “أم الصبي” فكرة ستستهويهم دوماً وعلى طول الخط… لا، هُم يبحثون عن زعامة حصيفة تعرف متى تقول “لا” وتثبت عليها، ولا تتراجع عنها. يفوت الحريري أن أهل الطريق الجديدة الفعليين سئموا من حبّ “أم الصبي”، فكفروا بالصبي وبأمه على السواء، وهم اليوم توّاقون إلى مواجهة والده عديم المسؤولية، الذي “بذّر ورمى” حِمل تنشئة الطفل على الأم منفردة، بعد أن أمسى هذا الطفل عاقاً. 

إقرأ أيضاً

نهائيّ البطولة بين الحزب ودمشق

لم يُخفِ آموس هوكستين نبرته المتهكّمة وهو يتبادل أطراف الحديث مع أحد الذين التقوه قبل فترة. فالرجل بات يعرف لبنان بخرائطه وأرضه أكثر منّا. والأهمّ…

الورقة الفرنسيّة لرفع العتب.. والحزب ينتظر جثّتين

“هي الفرصة الأخيرة بالشكل، لكن في المضمون يدرك الفرنسيون أنّها لن تنجح، لكنّهم يرفعون العتب عنهم، على قاعدة “اللهمّ قد بلغت”. بهذه الكلمات تصف شخصية…

غزّة والأرمن: المعتدون من قبيلة واحدة.. كذلك الضحايا

“رسالة عاجلة من أرض قمعستان: قمعستان… تلك التي تمتدّ من شواطىء القهر إلى شواطىء القتل إلى شواطىء السحل إلى شواطىء الأحزان ملوكها يقرفصون فوق رقبة…

الدولة الوطنية (1/2): كيانات بوجه التطرّف الديني وفلسطين

عند كلّ مفصل تاريخي، تتكشّف هشاشة “الدولة” في البلدان العربية. كلّ أفكار الدولة وتعريفاتها السياسية لم تنجح. الطارىء المستجدّ على فكرة الدولة، خصوصاً على مستوى…