صباح الأحمد: سيرة أمير يحبه شعبه والعالم


هوذا أمير يُجمع شعبه والعالم على حبه ولم يعرف العرب حكاماً كثيرين بحكمته. أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح شيخ الاتزان، كان يزين أمور “ديرته” والأمارة بميزان ذهب دقيق، فحفظها من أخطار جمّة تحيق بها على الدوام، من خارج ومن داخل، وعرف أن ينجيها من خلافات ونزاعات خارجية بدبلوماسية استحق لقب عميدها، وزيراً لخارجية الكويت أربعين عاماً، قبل انتقاله الى رئاسة مجلس الوزراء، فمسند الإمارة مدى عشرين عاماً. أي ستون عاماً في خدمة بلاده وقضايا العرب والعالم.

إقرأ أيضاً: صُباح الأحمد الصُباح.. صَباح أمير لا ينزوي

كان أمير الكويت و”أمير الإنسانية” أيضاً، حمل اللقب الأخير  الذي قدّمته إليه الأمم المتحدة في الأشهر الأخيرة من حياته عن جدارة، ومثّل فيه خطاً للكويت في المبادرة لنجدة أيّ شعب ودولة تصاب بمأساة، هو الذي زار دول العالم كلها ليرى سرعة عطب الشعوب عند النكبات، فكان الأسرع في المبادرة غلى مدّ يد العون بروح الأخوة النبيلة.

في الداخل كما الخارج أرسى الشيخ صباح نهج أبوّة في التعامل مع أبناء شعبه أياً تكن انتماءاتهم ومشاربهم ونزعاتهم

في لبنان تابع الأمير الراحل إرثاً من العلاقات الطيبة بين الدولتين المتشابهتين بمجاورتهما لدول شقيقة أو غير شقيقة لا تنظر إلى وجودهما بعين الاعتراف بل بشهوة الابتلاع والضمّ والاحتلال. ثمة جاذب بين الكويت ولبنان، هو الذي حمل الأمير الأسبق الراحل عبدالله السالم الصباح إلى تقديم إهراءات القمح الحديثة في مرفأ بيروت هدية إلى الدولة اللبنانية لتدشينها آخر عهد الرئيس شارل حلو. الإهراءات التي حمت أجزاء واسعة من العاصمة من الدمار الهائل في 4 آب الماضي. والإنسانية الكويتية هي التي أقامت في بلدة تنورين مستشفى حكومياً كامل المواصفات والخدمات، ومستشفى آخر شبيهاً له في النبطية. لم يقع اللبنانيون مرة في مصيبة، أكانت بفعل البشر أو الاقتصاد أو الطبيعة إلا كانت الكويت قربهم. ولكم جاهد الشيخ صباح خلال رئاسته اللجنة العربية السداسية المنبثقة من قمة تونس  عام 1988، ثم في اللجنة الثلاثية لإنقاذ لبنان من انقسام قاد لاحقاً إلى جهنم حرب طاحنة كانت كلفتها غالية جداً!

وفي الداخل كما الخارج أرسى الشيخ صباح نهج أبوّة في التعامل مع أبناء شعبه أياً تكن انتماءاتهم ومشاربهم ونزعاتهم. عندما فجّر متطرّف نفسه في مسجد الإمام الصادق الذي يرتاده الشيعة، موقعاً 26 قتيلاً و200 جريح بين المصلين، في 26 حزيران 2015  حضر فوراً الشيخ صباح رغم اعتلال صحته ومعاناته الربو، وعاين المشهد الحزين داخل المسجد العابق بروائح الدم والأشلاء والمتفجرات، وهو يبكي ويردّد “هذول عيالي هذول عيالي”. إنهم أولادي إنهم أولادي.   

رجل كانت بلاده في عهده تحت حماية أميرها. وكان حضوره نعمة عليها، كالنفط وأكثر

بهذا الروح حكم الشيخ صباح الأحمد. وبهذا الاندفاع دافع ليس فقط عن وحدة الكويتيين بل عن قضيتها الكيانية عندما اجتاحها جيش صدام حسين وفي كلّ الأحيان، والتزم الدستور الذي شارك في وضعه ممثلّاً الحكومة عام 1963، فلم يعلّق العمل به، بل طبّق القوانين، ومن خلالها أعاد كلّ من يشرد في التقدير والسلوك إلى الصواب، وعافياً عمن طلب العفو وعاد بعد مخالفة وهرب من تطبيق القانون. مارس صلاحياته كما يجب أن يمارسها رجل الدولة، وكان أباً فعلياً لشعبه وليس بالكلام.

رجل المصالحة مع الداخل كما مع الخارج زار العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وأرسى مع العراقيين علاقات صداقة وجوار على قاعدة تجاوز الماضي والتطلّع الى المستقبل. ودوماً كميزان الذهب كان يأبى انحيازاً بين أخوة إلى غير الحق. رجل عاصر خلال عقود شتى الحروب والانقلابات العربية، وبقي متماسكاً لا يتأثر إلا باقتناعاته وفي طليعتها قضية فلسطين، وعلى الرغم من مرارة الكويتيين من مواقف فريق من الفلسطينيين خلال محنة الاحتلال عام 1990 لم يتراجع الأمير لحظة عن المناداة بالقضية الفلسطينية.

رجل كانت بلاده في عهده تحت حماية أميرها. وكان حضوره نعمة عليها، كالنفط وأكثر.

 

إقرأ أيضاً

من يجرؤ على مواجهة الحزب.. قبل تدمير لبنان؟

تكمن المشكلة المزمنة التي يعاني منها لبنان في غياب المحاسبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقضايا كبرى في مستوى دخول حرب مع إسرائيل بفتح جبهة جنوب…

لماذا لا يرى أتباع إيران الحقيقة؟

لو صدّقت إيران كذبتها فذلك من حقّها. غير أنّ حكاية الآخرين مع تلك الكذبة تستحقّ أن يتأمّلها المرء من غير أن يسبق تأمّلاته بأحكام جاهزة….

حسابات أنقرة في غزة بعد 200 يوم

بعد مرور 200 يوم على انفجار الوضع في قطاع غزة ما زالت سيناريوهات التهدئة والتصعيد في سباق مع الوقت. لو كان بمقدور لاعب إقليمي لوحده…

مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

لا يُلام مقتدى الصدر على استعراضاته المتكرّرة بل يقع اللوم على مَن يصدّق تلك الاستعراضات ويشارك فيها. وقد انخفض عدد مناصري الصدر بسبب ما أُصيبوا…