نعيم عون في بعبدا بعد 4 سنوات من الغياب


يتردّد نعيم عون، القيادي السابق في التيار الوطني، وابن شقيق الرئيس ميشال عون، قبل اتّخاذه قراراً بإعطائنا حديثاً عن تجربته الحزبية. فـ”وضع البلد”، هو الأهم بالنسبة إليه. هو الذي ينظر بتوجّس وقلق إلى المرحلة المقبلة، على اعتبار أنّ المبادرة الفرنسية هي الفرصة الأخيرة للبنان، التي إن لم يتم تلقفها، سنذهب إلى ما لا تحمد عقباه، بحسب قراءته السياسية.

وفق عون، فإنّ المرحلة الدقيقة التي يمرّ فيها لبنان تتقدّم على أيّ حسابات أخرى: “ع طول بحكي. وبظرف تاني كنت أكيد رح إحكي أكتر وأكتر. بس هلّق نحن بوضع أهم وأكتر أولوية”.

إقرأ أيضاً: إلسي مفرّج: ميشال عون ترك “التيار” وليس نحن

المناضل “العوني” الذي سجّلت له مؤخراً زيارات عدّة إلى قصر بعبدا، التقى خلالها الرئيس ميشال عون بعد تمرّد دام سنوات، يرفض وضع هذه الزيارات في إطار “الاستفادة الشخصية”. فهو لا يبحث عن أيّ مركز أو منصب، معلّقاً ببساطة: “أحدهم حضّر اللقاء مع الجنرال. فزرته، وتحدّثنا بمواضيع الساعة. هو يعلم بما يحدث وواعٍ لما يعانيه الناس وللمخاطر، وأخبرته أنّ الناس لا تريد كلاماً وإنّما تريد أفعالاً”.

عون يعد بسرد تفاصيل هذه اللقاءات في إطلالة تلفزيونية قريبة، ويسخر مما يتردّد حول تعيينه مستشاراً للرئيس، ويصف الوضع السياسي الحالي بأنّه “معقّد”. وبرأيه أنّ الرئيس عون مسؤول “لكن لا يتحمّل وحده المسؤولية”.

هذا الواقع لا يمنع نعيم من التعويل على تغيير قد يؤدّي إلى الخلاص مع إشارته إلى أنّ اللعبة في لبنان لم تعد محلية وإنّما خارجية بالدرجة الأولى. أما في حال لم يكن هناك أيّ أفق للخلاص وبقيت العرقلة، فلا يتردّد المناضل العوني في دعوة عمّه إلى عدم المتابعة وإلى الاستقالة.

حينما وجدت هناك عجزاً عن التغيير من الداخل، قرّرت أن أخرج. وعلى الرغم من العتب الذي لمسته من عمي آنذاك إلا أنّني كنت مقتنعاً بخياراتي، ففي النهاية هو لديه رأيه وأنا لدي رأيي

عون الذي نشط باكراً في الكشافة والعمل الاجتماعي والجمعيات الخيرية، والذي كان متطوعاً في المؤسسة العسكرية، انتسب إلى التيار الوطني الحرّ انطلاقاً من خيارات وقناعات مبدئية. فالاعتبارات العائلية، على أهميتها، لم تكن الدافع الأساسي إلى استكمال هذا النضال الذي بدأه في الثمانينات.

المناضل الذي سجن مرات عدّة، يتجنّب الخوض في تفاصيل هذه المرحلة: “هناك ناس دفعت فواتير أكثر مني. هي مرحلة عشناها لمدة 15 عاماً وتعلّمنا منها”.

لا ينكر ابن شقيق رئيس الجمهورية حجم الطموحات التي كانت لدى جيله يوم عودة العماد ميشال عون من المنفى. غير أنّ هذه الطموحات اصطدمت بواقع مخالف، مشيراً إلى أنّ اعتراضه على التيار هو اعتراض على النهج الذي جاء مخالفاً للمبادئ والقيم التي قام عليها، وأوضح أنّ “الانحراف في التيار بدأ منذ العام 2005، حين بدأت تتراكم الأخطاء. الكلّ يتحمّل المسؤولية من رأس الهرم إلى أسفله”.

“في العام 2015 أخذت اللعبة منحى متطرّفاً”، بهذه العبارة يلخّص عون العام الذي اتخذ فيه قرار مغادرة التيار: “حينما وجدت هناك عجزاً عن التغيير من الداخل، قرّرت أن أخرج. وعلى الرغم من العتب الذي لمسته من عمي آنذاك إلا أنّني كنت مقتنعاً بخياراتي، ففي النهاية هو لديه رأيه وأنا لدي رأيي”.

لا ينكر نعيم عون أنّ أسلوبه في التعبير قد تغيّر وزادت حدّته، وذلك بسبب الوضع المتردّي والخطر الذي وصل إليه لبنان.

عون القلق على الغد، لا يفقد الأمل: “نحن نصنع غدنا. ولذا، لن أيأس. حتى الأديان السماوية تبشرنا بأنّ نعمل كي نجني حصاد ما نقوم به”، مشدّداً على أهمية “حرية الرأي والتعبير” التي تتعرّض للكثير من الانتهاك مؤخراً، ومؤكداً: “أنا لا أقاضي أحداً يشتمني. بل أنا مع حرية الإنسان بالمطلق”. أما الشباب الذين صرخوا في 17 تشرين، فهم صرخوا من قلقهم على المستقبل، ومارسوا الضغط الإيجابي”.

العلّة لم تكن في مبدأ التفاهمات، إنّما في تحويلها إلى مصالح ضيقة بدل من أن تقوم على المصالح الوطنية

وفيما يعتبر نعيم، أنّ على الرئيس عون أن يسمع شعبه وأن يقوم بأفعال، يدعوه في السياق نفسه إلى إعادة النظر وتقييم الوضع. موضحاً أننا “أمام خيارين في البلد، إما الانقلاب وإما الانتقال الهادئ إلى مرحلة ثانية، ولكل خيار أثمانه”.

يخاطب عون الثوار بأنّ “عليهم أن يتّحدوا ويوحّدوا أهدافهم”. برأيه أنّ هذه الثورة حتى اليوم لم تنتج قيادة ولا رؤية ولا خطة عمل ، لذا لا بد من إعادة النظر، ويسأل: “الثوار يكاد يكمل نضالهم عامها الأوّل، ألم يلاحظوا أنّ لديهم أخطاء؟ هل بحث أحد فيها؟ هل علينا أن ننتظر الأجانب كي ينصحونا؟”.

لا يعارض نعيم عون التفاهمات التي عقدها التيار الوطني الحرّ سواء مع حزب الله أو القوات اللبنانية أو تيار المستقبل، إذ لا بدّ من التعاطي مع كافة مكوّنات لبنان، وأن يكون هناك علاقات جيدة فيما بينها، معتبراً أنّ “العلّة لم تكن في مبدأ التفاهمات، إنّما في تحويلها إلى مصالح ضيقة بدل من أن تقوم على المصالح الوطنية”.

يعود عون إلى هاجسه الحالي المرتبط بالوضع الحكومي: “نحن اليوم أمام وضع خطير جداً في لبنان وخطر وجودي، وعلى المعارضين أن يدركوا أنّه لا يمكنهم أن يرثوا جثة وطن، وعلى السلطة أن تعلم أنّه لا يمكنها أن تتصرّف مع الناس بهذا الأسلوب السيء. على الجميع أن يعي خطورة هذه المرحلة بغضّ النظرعن الموقف السياسي”.

 

هل تفكر في الهجرة أو تهجير أولادك في حال لم يتعاف الوطن؟

حتى الآن، يقول “لا”، بحسم وحزم، مضيفاً: “لا يمكن أن أناضل، ثم أدعو أولادي إلى الهجرة. أنا أناضل لأجلهم، فالمستقبل هو لهم. وعندما أيأس سأرحل أنا وهم”. إلى ذلك لا يندم على مسيرته في التيار: “لم أقم بشيء خاطئ، وأفتخر بتلك المرحلة. أنا آمنت بمبادئ كونية، ومحورها الإنسان، منها الدولة العلمانية التي يعيش فيها الناس تحت إطار المساواة والعدالة. ولم أشارك في الأخطاء التنفيذية”.

خيار العمل السياسي مطروح لدى نعيم عون، فهو وإن كان تفصيلاً في هذه المرحلة، غير أنّه لا ينفي نيته خوض الانتخابات مع الشارع لتغيير الطبقة السياسية بأكملها.

 

هل تخاف من الجوع؟

“الجوع بالمفهوم الضيق لا أخافه”، يقول عون، مضيفاً: “يخيفني الجوع الكبير الذي يدمّر المجتمع ومقوماته، فالطموح اللبناني أكبر من الأكل والشرب على الرغم من أنّ هناك أناس يموتون اليوم من الجوع ولكن هناك تكافل ما زال موجوداً بين أفراد هذا المجتمع”. والتحدّي اليوم هو أن يبقى لدينا إمكانية للبقاء بهذا البلد: “فنحن في عملية صراع بقاء، هناك أزمة وجودية أو نبقى أو لا نبقى، وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية”.

نعيم عون الذي يثور عندما يرى أنّ هناك من يلعب اللعبة السياسية التقليدية مستغلاً مآسي الناس ومحاولاً الرسملة عليها، يشدد على أنّه  ورفاقه لا يمكن أن ينحازوا إلا لمصلحة الشعب. خاتماً: “اليوم هناك حريق يقضي علينا جميعاً ومن واجبنا أن نطفئه.

 

*أجريت هذه المقابلة يوم الجمعة 18 أيلول

إقرأ أيضاً

لبنان أمام خيارين: الحرب.. أو جنوب الليطاني “معزول السلاح”

ستّة عشر شهيداً سقطوا في أقلّ من أربع وعشرين ساعة في جنوب لبنان. هي الحصيلة الأكثر دموية منذ بداية الحرب. ليس هذا الخبر سوى مؤشّر…

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…