دعاوى نيويورك… تنظّم “آخرة” النظام المصرفي!


حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “محنّك” كفاية ليدرك أنّ قراراته الأخيرة مدروسة جدّاً. وأبرزها التي تناولت طلبه إعادة رسملة المصارف ومحاولته استعادة أجزاء من الأموال التي حوّلتها إلى الخارج منذ تموز 2017.

فسلامة يدرك جيداً أنّ الولايات المتحدة الأميركية تملك تفاصيل أكثر من دقيقة حيال أعمال وتحاويل مصرف لبنان ومعه البنوك التجارية. أي إنّ أميركا لا تنتظرعمليّاً نتائج التدقيق الجنائي. ففي جعبتها “كلّ” ما تحتاجه من معلومات وداتا من خلال قانون “ماغنيتسكي” (Global Magnitsky Act) كما ومن خلال الدعوى ضدّ حزب الله و12 مصرفاً لبنانياً بتهمة تبييض أموال وتسهيل أعمال لحزب الله المصنف دولياً في خانة المنظمات الإرهابية.

إقرأ أيضاً: إلى المودعين: هكذا خسرتم أموالكم

الدعوى التي تقودها القاضية الاتحادية في نيويورك كارول باغلي أمون، التابعة لمحكمة الولايات المتحدة العليا (أعلى هيئة قضائية)، تُفصّل في صفحاتها الـ822 المقدّمة بتاريخ 8 شباط 2019،  اتهامها لكيفية انتهاك مصارف لبنانية القوانين الدولية، من خلال تبييض وغسل مئات ملايين الدولارات العائدة إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية والشركات التابعة لحزب الله، والمحصّلة بغالبيّتها من التجارة بالممنوعات وتهريب الماس وتجارة الأسلحة بالإضافة إلى سلّة من الأنشطة غير المشروعة.

تعاميم سلامه الأربعة الأخيرة تصبّ ضمن احتمالين لا ثالث لهما: فإما أنّ سلامة متخوّف مما ستحمله هذه القضية على النظام المصرفي ككلّ في حال تمّ الحجز على أصول المصارف في الخارج. وإما أنّ زلزالاً وشيكاً سيصيب لبنان وسببه تشدّد الإدارة الأميركية

تتزامن التعاميم الأربعة مع جلسة الاستماع لدفوع المصارف الـ12. وفي هذا السياق، استمعت القاضية في (31-8-2020) إلى دفوع المصارف المتورّطة، وهي قد أعطت الإذن لمحامٍ واحد للحديث نيايةً عن كلّ مصرف متّهم، وذلك عبر اتصال “conference call”.

من يطّلع على تاريخ وسجلّ القاضية الاتحادية، يدرك أنّ المصارف الـ12 في ورطة محدقة، وهي:

(Societe Generale De Banque Au Liban, Fransabank SAL, MEAB BANK SAL, BLOM BANK SAL, BYBLOS BANK SAL, BANK AUDI SAL, BANK OF BEIRUT SAL, LEBANON AND GULF BANK SAL, BANQUE LIBANO FRANCAISE SAL, BANK OF BEIRUT AND THE ARAB COUNTRIES SAL, JAMAL TRUST BANK SAL, FENICIA BANK)

اللافت أن الدعوى موضوعة في الكفّة عينها مع حزب الله، مع ما يعنيه هذا الأمر من مسؤولية مباشرة وغير مباشرة عن تمويل أعمال وهجمات غالبيتها في العراق ذهب ضحيتها مئات الأميركيين. أما التعويضات التي تطالب بها المحكمة لعائلات الضحايا، فقد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، وهو ما تعجز المصارف – رغم استمرارها بنهج النكران – عن تسديده، ما يعرّض أصولها وأصول مساهميها، حتّى تلك “المُبعدة” إلى الخارج، لخطر الحجز.

كلّ ذلك يعني باختصار انّ تعاميم سلامه الأربعة الأخيرة (رغم اتّخاذها شكل إعادة الهيكلة والرسملة) تصبّ ضمن احتمالين لا ثالث لهما: فإما أنّ سلامة متخوّف مما ستحمله هذه القضية على النظام المصرفي ككلّ في حال تمّ الحجز على أصول المصارف في الخارج، بعدما باتت في عداد المفلسة (حتّى ولو لم يُعلن عن ذلك حتّى اللحظة). وهذا يبرّر روحيّة التعاميم وتوقيتها من منطلق أنّ الحاكم قد حاول ارتجال خطوة استباقية، وهو يدرك عدم قابليّتها للتطبيق، ففضّل وضع اليد بنفسه على أكبر بنوك “ألفا”. وإما أنّ زلزالاً وشيكاً سيصيب لبنان وسببه تشدّد الإدارة الأميركية في تطبيق قانونَي “قيصر” و”ماغنيتسكي”، وقد علم سلامة بذلك خلال زيارته للولايات المتحدة الأسبوع المنصرم، فأراد من خلال تعاميمه الجديدة حماية نفسه وإعلان إعادة جزء من الأموال المحوّلة ومكافحة غسل الأموال، وإن بطريقة غير مجدية.

وبعيداً من النقاط القانونية البحتة التي تشوب تعاميم “الحاكميّة”، فإنّ ما يزيد من نقاط الاستفهام تحديداً حيال التعميم 154 هو تهليل جمعية المصارف غير الرسمي رغم أنّها تعتبرها غير قانونية. وفيه يطلب سلامة من المصارف “بهدف تعزيز سيولتها، حثّ عملائها الذين قام أيٌّ منهم بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار إلى الخارج خلال الفترة المبتدئة من تموز 2017، أن يودعوا في حساب خاص مجمّد لـ5 سنوات، ما يوازي 15% من القيمة المحوّلة. ويُطبّق هذا البند على رؤساء وأعضاء مجالس إدارة وكبار مساهمي المصارف وعلى الإدارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء المصارف من الاشخاص المعرّضين سياسياً بنسبة 30%. أما المتقاعسون عن تنفيذ هذا القرار، فإن معاقبتهم تتمّ وفقاً للحالة، بالارتكاز إلى قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب”.

غضّ المصرف المركزي النظر عن التقصير في التدقيق لتتبّع مصادر الكثير من الأموال، خصوصاً أنّ القطاع المالي خاضع ومنذ فترة لرقابة مشدّدة من قبل الولايات المتحدة، ما يجعله “شريكاً” للمصارف في أيّ جرم قد يثبت

يتبع سلامة سياسة الترغيب عبر الفوائد غير المحدّدة بسقوف تارة، وبالترهيب والتخويف بالاتهام بجرم تبييض الأموال طوراً. لكن يبدو أنّ الأخير قد تجاهل التحويلات اليوميّة بملايين الدولارات والتي كانت تتمّ باستخدام الـ”جهاز” المصرفي اللبناني كمركز مقاصة لـ”بعض” الأموال المشبوهة، وهو ما كشفته التحقيقات المتعلّقة بقضية “البنك اللبناني الكندي”، التي فضحها نص الدعوى مفصّلاً “ميكانيكية “النظام” المالي.

إلى ذلك، غضّ المصرف المركزي النظر عن التقصير في التدقيق لتتبّع مصادر الكثير من الأموال، خصوصاً أنّ القطاع المالي خاضع ومنذ فترة لرقابة مشدّدة من قبل الولايات المتحدة، ما يجعله “شريكاً” للمصارف في أيّ جرم قد يثبت، خصوصاً أنّه يملك لوائح كلّ الأموال المحوّلة من لبنان وإليه.

وإذا كان ظاهر القرار رقم 154 خطة إنقاذية للمصرفيين وفق الصلاحيات الاستثنائية الخارقة للحاكمية ومجلسها كما يسوّق البعض، إلا أنّ الباطن بالنسبة للمصارف بمثابة “lose-lose situation”، بعدما فقدت السيولة والملاءة داخلياً وخارجياً وباتت في مستوى انحداري في ما خصّ كفاية رأس مالها. وهو ما يبرّر تفضيلها الانصياع لقرارات سلامة رغم اعتبارها غير قانونية، هرباً من التورّط بالمزيد من القضايا المشبوهة، تحديداً في ملف الأموال المهرّبة أو تلك المحوّلة، بذلك تكون فضّلت الانخراط في تدبير من شأنه في حال تطبيقه شَرعَنة جزء من الأموال المجهولة المصدر.

 

 

إقرأ أيضاً

لماذا يرتفع سعر الذهب عالميّاً… وهل هو بديل مصارف لبنان؟

على الرغم من الانخفاض الذي شهدته أسعار الذهب في اليومين الماضيين، إلّا أنّ المؤشّرات المدعومة بتوقّعات الخبراء تفيد بأنّ هذا الانخفاض هو مجرّد “تصحيح مؤقّت”….

الانتظار والمماطلة: نعمة الطبقة الحاكمة ونقمة المواطنّ!

محطّات عدّة مرّت على لبنان، ولطالما عاكست الظروف التي واكبت هذه المحطّات مصلحة المواطن، وساهمت في إبقاء الأداء المشين لـ”الطبقة الحاكمة” على ما هو عليه….

السلطة V/S المصارف: الأزمة بحاجة لـ”عقل محايد” يحسم خلافاً

يستعر الخلاف بين المصارف من جهة وبين مصرف لبنان والسلطة السياسية من جهة أخرى، حول الأزمة الاقتصادية، وذلك منذ ما يزيد على 4 سنوات، ولا…

مفاوضات صندوق النقد: لبنان في حالة موت سريريّ

كثرت في هذه الأيام الرسائل الموجّهة إلى صندوق النقد الدولي من قبل جهات عديدة من المجتمع اللبناني في محاولة لإرشاده إلى كيفية مقاربة حلّ “للمصيبة…