ماكرون ما “عندي ثقة فيك”!


 الكثير من الاستعراض يلفّ الحركة الفرنسية تجاه لبنان. منذ وطِئ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان في أعقاب “زلزال المرفأ”، بدا الاستعراض هو السِّمة الابرز للزيارة. حشر وريث الانتداب الفرنسي (المجيد) في خطابه عشرات العبارات الكبيرة عن لبنان اللبنانيين وعن انتظاراته منهم. وقال إنها ما يريده الشباب اللبناني الذي تعمّد لقاءه، ومصافحته، وعناقه متخفّفاً من الكثير من الإجراءات الحمائية ضدّ كورونا.

إقرأ أيضاً:
رئيس مكلّف “بأكثرية اللحظة الأخيرة” في استقبال ماكرون؟

بدا يومها العثور على عبارة واحدة تختصر الزيارة صعباً للغاية. أفكار كثيرة كبيرة كانت تتدفّق من تصريحاته، التي سرعان ما صُحّح جزء منها لا سيما ما تورّط به في الحديث عن حكومة وحدة وطنية.

يستمرّ الكلام الفرنسي الكبير، والأداء الاستعراضي الأكبر، عشية عودة ماكرون إلى لبنان في ذكرى مئوية ولادة الكيان اللبناني المعاصر على يد فرنسا بعد هزيمة السلطنة العثمانية في ختام الحرب العالمية الأولى..

وزير خارجية ماكرون حذّرنا من إختفاء لبنان، كأنّ لبنان المتخيّل (الليبرالي التقدّمي الثقافي.. إلخ.) لم يختفِ بعد. وماكرون نبّهنا إلى احتمال وقوعنا في الحرب الأهلية، في وقت بات عداد القتلى فيه، في لبنان يسابق عداد يافطات الفتنة المذهبية المتنقّلة بإدارة سرطان الأمة: حزب الله!

أما في باب الاستعراض الاستشراقي، اختار الرئيس الفرنسي أن يستهلّ زيارته من أكثر المداخل-الكليشيه إلى ما يمكن تسميته بالهوية الكلاسيكية اللبنانية، بكلّ أخلاقويتها الطهرانية، وميثولوجيتها وررمانسيتها الريفية، ومتخيّلها القيمي والجغرافي والعلاقاتي…

حشر وريث الانتداب الفرنسي (المجيد) في خطابه عشرات العبارات الكبيرة عن لبنان اللبنانيين وعن انتظاراته منهم

في مكان ما، فيروز هي الصلة الأكيدة بلبنان المختفي الذي يحذّرنا وزير خارجية ماكرون من اختفائه.. لبنان المختفي أصلاً، حتى في عزّ حضور التجربة اللبنانية ونجاحها.. فالفيروزية هي “الدين المدني” لكلّ اللبنانيين، وهي ككل “الاديان” مناورة بشرية سلوكية تجاه الواقع، ومغامرة في العقل والوجدان للاتصال بالغيب والمتخيّل…

فيروز ليست مبتدأ بل خبراً. خبر عن لبنان الذي لم يعد، أو ربما لبنان الذي لم يكن…

سيدي الرئيس ماكرون، اللبنانيون في مكان آخر بعد زلزال 4 آب 2020.

الكلام الفرنسي الكبير عن الصيغة، والدستور، ومصير الوطن والأمة اللبنانية، يبقى كلاماً طيبًا في ضوء عدم تحديد المشكلة بوضوح. ويصير كلاماً متآمراً إذا ما اقترن برصد سياسات الاندفاع الفرنسي تجاه إيران..

لا حلّ في لبنان لا يبدأ من تجاوز الصفة التمثيلية لجميع أركان العصابة الحاكمة عبر حضورها في المجلس النيابي، والمتهمة، إما بالفساد، وإما بالفشل، وإما بالاثنين معاً

إذا ما أراد الرئيس الفرنسي أن يحقّق لبلاده نجاحاً في لبنان، فعليه أولاً أن يقلع عن الكليشيهات التي كان يمكن لها أن تجد جمهوراً لبنانياً في التسعينات.. وإذا ما أصر عليها، فليكن “جرن الكبة” بعد فيروز بلا تردّد.. وعليه ثانياً أن يبدأ من حيث تبدأ السياسة، بوضع كامل حزب الله، السياسي والعسكري على لوائح الإرهاب الفرنسية، وقطع العلاقة بأيّ جسم ينتسب إلى الحزب في العام والخاص، لا أن يأتي إلى لبنان، وعينه على تقديم أوراق اعتماد لايران، من خلال إبداء الليونة تجاه الحزب!

وعليه ثالثاً، أن يمهّد الطريق الدولي نحو محاصرة رئيس الجمهورية وصهره وإخراجهما من أيّ قرار مصيري حول مستقبل اللبنانيين، وأن يتصدّر جهود فرض حكومة أممية في لبنان لا تأخذ بعين الاعتبار الصفات التمثيلية لأيّ من أركان “نظام حزب الله” الذي يتكوّن من حلفاء وخصوم حزب الله، وأولهم أصدقاء فرنسا المسلمين والمسيحيين.

لا حلّ في لبنان لا يبدأ من تجاوز الصفة التمثيلية لجميع أركان العصابة الحاكمة عبر حضورها في المجلس النيابي، والمتهمة، إما بالفساد، وإما بالفشل، وإما بالاثنين معاً.. 

عزيزي ماكرون، وبكلّ صراحة، منذ الزيارة الأولى المليئة بالكلام الكبير، ثم الزيارة الثانية التي قرّرت افتتاحها بزيارة كليشيه الى فيروز وزراعة أرزة أكثر كليشيهاتية، ما “عندي ثقة فيك”.. فإذا مش “جايبلي سلام” .. “خليك بالبيت”..

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…