وسام عيد.. الحاضر الأكبر في لاهاي


بعثة تقصّي الحقائق برئاسة الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد، ولجنة التحقيق الدولية برؤسائها الثلاث الألماني ديتليف ميليس والبلجيكي سيرج براميرتس والكندي دانيال بلمار، ما بين عامي 2005 و2007، لم تكن لتنتج أيّ خرق حقيقي في كشف ملابسات جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لولا جهود المحقّقين في شعبة المعلومات بقوى الأمن الداخلي، وخاصة ما أنجزه الرائد وسام عيد (31 عاماً)، مهندس الكومبيوتر، ورئيس اللجنة الفنية في الشعبة.

إقرأ أيضاً: أهالي الضحايا لـ”أساس”: المحكمة قتلتنا مرّتين

عيد الذي اغتيل عام 2008 بعبوة ناسفة، في منطقة الحازمية، هو الذي اكتشف الخيط الأساسي الذي ستعكف المحكمة الدولية طوال 11 عاماً على  البناء عليه، وتوسيعه، ورفده بشهود العيان وخبرة الخبراء في مجال الاتصالات. وهذا الجزء التقني المعقّد الذي لم يسبق أن اعتمدته المحاكم الدولية الجنائية من قبل، هو الذي استغرق معظم الوقت والجهد، وأصبح سابقة تاريخية للمحاكمات اللاحقة، وسيكون معلماً بارزاً في التحقيقات الجنائية.

أنجز وسام عيد مهمّته في كشف شبكة الاتصالات، ونقلت شعبة المعلومات هذا الاكتشاف الثمين إلى المحقّق براميرتس ثم إلى بلمار، والأخير هو الذي تعامل بإيجابية مع هذا الكنز المعلوماتي

بكلمة واحدة، ما اكتشفه الشهيد وسام عيد، هو الدليل الصلب والأساسي، لإدانة المتهمين المباشرين، وتبرئة الآخرين، ممن لم يقعوا ضمن شبكة الهواتف المشبوهة بدوائرها التي مُيّزت بألوان مختلفة بقدر اقترابها من مسرح الجريمة أو ابتعادها عنها، ما عنى مقدار تورّطها بتنفيذ الجريمة، أو اضطلاعها بمهمّات لوجيستية مثل المراقبة اللصيقة أو سوى ذلك.    

أنجز وسام عيد مهمّته في كشف شبكة الاتصالات، ونقلت شعبة المعلومات هذا الاكتشاف الثمين إلى المحقّق براميرتس ثم إلى بلمار، والأخير هو الذي تعامل بإيجابية مع هذا الكنز المعلوماتي. وانتقلت المهمّة إلى المحكمة الدولية التي بدأت عملها عام 2009، وراحت تصدر تقاريرها السنوية ونصف السنوية.

وفي تقريرها الأول عن أعمال (2009-2010)، ذكرت المحكمة صعوبات التحقيق في القضايا الإرهابية، وتوصّلت إلى أنّ خبرة المحقّقين الوطنيين في تعقّب المجموعات الإرهابية تكمن غالباً في أنهم يعتمدون على :

–       سجلات الاتصالات ومراقبة خطوط الهواتف والهواتف الخلوية.

–       مراقبة المحادثات في الأماكن العامة والسيارات والمنازل والسجون، إلخ…

–       مراقبة الأنشطة الإلكترونية للتحقّق من حركة الإنترنت وإمكانية تحميل الرسائل أو الفيديو أو غيرها من المواد.

–       مراقبة الرسائل وغيرها من المستندات الخاصة بالإرهابيين المحتجزين.

–       ودراسة مفصّلة للخبراء لموقع الجريمة.

بدأت المحكمة مساراً طويلاً وشائكاً، أولاً في اعتماد هذا النوع من الأدلة وعلى أنه لا يخالف معايير حقوق الإنسان.

في 6 أيار 2015، أرجأت غرفة الدرجة الأولى النظر في مقبولية ما يسمى “جداول تسلسل الاتصالات” والتي تتضمّن وفق تسلسل زمني لآلاف الاتصالات الهاتفية ذات العلاقة بقضية الادّعاء، وأعلنت أنّ إحالة بيانات الاتصالات من الشركات المزوّدة لخدمات الاتصال في لبنان إلى لجنة التحقيق الدولية المستقلة ومكتب المدعي العام، كانت وفق المعايير الدولية المشار إليها (التقرير السنوي عن أعمال 2015-2016).

شبح وسام عيد ظلّ مخيّماً على مسار التحقيقات المنهكة عبر السنوات، حتى لحظة النطق بالحكم الابتدائي يوم الثلاثاء

وما بين 26 تشرين الأول و1 تشرين الثاني 2016، أصدرت غرفة الدرجة الأولى أربعة قرارات قبلت فيها 210 جداول تسلسل اتصالات في عداد الأدلّة. وكانت هذه الجداول متعلّقة بالمتهمين وبمصطفى بدر الدين، وبمجموعات وشبكات الهواتف الخلوية الخمس المرموز إليها بألوان، والتي خدمت في تحضير الاعتداء ورصد تنقّلات الحريري وأنشطته. (التقرير السنوي عن أعمال 2016-2017).

أما التقرير السنوي عن أعمال (2017-2018)، فيسرد محاولات نسبة الأرقام المشبوهة التي حامت حول مسرح الجريمة في الوقت نفسه، إلى أشخاص المتهمين، وتحديد أماكنهم من خلال الاتصالات التي أجروها بالأرقام المخصّصة لتنفيذ عملية الاغتيال. وانشغل الادّعاء بالردّ على دفوع محامي الدفاع، والتي تضمّنت بيانات اتصالات مختلفة للمتهمين لنفي صلتهم بالبيانات المتوافرة لدى جهة الادّعاء. أي إنّ المحاكمة في مرحلتها الأخيرة كانت مهتمّة أكثر فأكثر بتعزيز قضية الادّعاء وتنزيهها من عوامل الشكّ ودحض الأدلة والقرائن المضادة.

شبح وسام عيد ظلّ مخيّماً على مسار التحقيقات المنهكة عبر السنوات، حتى لحظة النطق بالحكم الابتدائي يوم الثلاثاء. فهو الذي اكتشف القتلة، ولم يكن على المحكمة سوى إثبات ذلك بالأدلة القانونية المقبولة وفق معايير العدالة الدولية.

 

إقرأ أيضاً

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين،…