حزب الله يفاوض “إقليمياً”… محل لبنان؟


إيران تريد أن تجعل من حزب الله “مرجعية مقرِّرة” في العالم العربي، في سياق إعادة تشكيل المنطقة وفق منظومة المصالح الجديدة. لهذا طلبت من فرنسا التفاوض مع قيادة حزب الله، باعتباره الطرف المفاوض حول الشؤون العربية التي تُنشب طهران أظفارها فيها. وهو طلب يحمل في طيّاته مخاطر كبيرة على لبنان، لأنّه يحمّله وزر مشاريع إيران أكثر مما يترك له مساحة الخصوصية اللبنانية. ولأنّه يسمح لحزب الله باحتلال مقعد “لبنان”، دولةً وشعباً.

إقرأ أيضاً: زلزال بيروت: حزب الله يُراجع حساباته

تلعب طهران لعبة توزيع ساذج للأدوار. تسايرها واشنطن وباريس بالطريقة ذاتها. يرسل الإيرانيون وزير خارجيتهم محمد جواد ظريف إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، لينقل إلى قيادة الحزب العرض التفاوضيّ وكأنهما طرفان منفصلان، وكأنّ ظريف “وسيط”، فيتلو بنود الاتفاق المطروحة وينتظر الجواب لينقله إلى الجانب الفرنسي الذي بدوره سيوصله إلى الأميركيين.

هذا السلوك يطرح إشكاليات عدّة، تكمن في أنّ حزب الله يفاوض على مصير البلد محلّ الدولة اللبنانية، ويغتصب حقّها الدستوري في أن تقرّر مصالحها الحقيقية، لا مصالح طهران. وهذا يدلّ على أنّ الدول الكبرى لا تعنيها فكرة السيادة، ولا الحزبُ تعنيه مواجهة ما يسميه الاستكبارَ الغربي.

تلعب طهران لعبة توزيع ساذج للأدوار تسايرها واشنطن وباريس بالطريقة ذاتها

الإشكالية الأخرى التي لا تقلّ خطراً، هي أنّ “حزب الله” يقوم بالتفاوض حول شؤونٍ تمسُّ دولاً عربية أخرى، مثل سوريا واليمن والسعودية، حيث له قواتٌ عسكرية وأجهزةٌ أمنيّة ومنشآتٌ حيويةٌ وأسلحةٌ استراتيجيةٌ تستهدف أمن هذه الدول، وتجعل الحزبَ شريكاً في الصراعات الدائرة فيها أو ضدّها.

كيف يمكن هنا التعامل مع رمي إيران لكلّ هذه الملفات على عاتق “حزب الله”؟

هذا السؤال هو الأهمّ في قراءة الأحداث الجارية، فالحزب لن يقبل الانسحاب من سوريا بعد ما يعتبره “تضحيات” لا تسمح بترك الأرض السورية، وهذا هو الجواب الذي سمعه ظريف على ما يبدو، كما أنه تلقّى تساؤلات مثل: لماذا سيسحب حزب الله قواته من سوريا وهو يرى نفسه منتصراً؟ وهو قام بتوطين الموالين له في المناطق الحدودية، وأنشأ منظومة سياسية واقتصادية ممتدّة من إيران، فالعراق، ثم سوريا، وليس انتهاءً بلبنان.

هل ستقبل إيران بإغلاق الممرّ الذي يمتدّ من عاصمتها إلى شاطئ البحر المتوسط؟ وعلى كاهل من ستلقي أعباء الرفض أو المناورة والالتفاف؟ ومن سيتحمّل النتائج؟

بعد حرب تموز عام 2006، تنكّر “حزب الله” لكلّ الجهود التي بذلتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة رغم وصف الرئيس نبيه بري لها بأنّها حكومة المقاومة السياسية

بحسب مصادر متابعة، فإنّ الملفات الخارجية لم تكن قابلة للتفاوض بالنسبة لقيادة “حزب الله”. إذ ليس وارداً بالنسبة إليها الانسحاب من سوريا، ولا تفكيك القواعد والمنشآت في اليمن، ولا إحلال السلام مع السعودية مقابل اتفاقٍ يحصر وجودَ “حزب الله” داخل الحدود اللبنانية، ويناقش وضع أسلحته الاستراتيجية بما فيها صواريخه الدقيقة. ولو كان المقابلُ مغرياتٍ كبيرة من قبيل تغيير النظام اللبناني ليصبح للحزب فيه المكانة الأولى. فهذا “المكسب” لا يوازي شيئاً بالقياس لما حقّقته إيران على مستوى المنطقة.

لا يمكن هنا تناسي أو تجاهل العداء الأيديولوجي الذي يحمله النظام الإيراني للمملكة العربية السعودية، وطموحاته المعلنة في تدويل الحرمين الشريفين، وسعيه ليكون مسيطراً بصيغة أو بأخرى في الأراضي المقدّسة: فهل ستتخلّى طهران عما كسبته في اليمن وما أصبحت تشكّله من تهديد للسعودية؟

ماذا إن فشلت المفاوضات وعادت الضغوط الأميركية لتستهدف إيران و”حزب الله” الذي يقاتل ويفاوض على امتداد العالم العربي، وقد أصبح مرغوباً أن يكون هو الجهة القائمة بالتفاوض؟ وما هو نصيب لبنان من كلّ هذه الأعاصير الهائلة التي ستلي انكشاف النتائج، سواء لتنفيذ الاتفاقات أو إذا ذهبت الأمور إلى المواجهة، أو إذا فشلت وراحت الأمور صوب المواجهة؟

من المتوقع أن يأتي جواب “حزب الله” مركِّزاً على ملفّ الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة لإدخال هذا الملف في مسار التفاصيل التي تحتاج وقتاً لكي تصل إلى نتيجة، تكون إيران قد عبرت خلالها عاصفة إدارة دونالد ترامب، وتمكّنت من خلق وقائع مختلفة تتيح لها استئناف مشروعها في المنطقة، إذا ما فشل ترامب في التجديد لإدارته خلال الانتخابات الرئاسية بعد شهرين.

اليوم أصبح “حزب الله” هو “الدولة”، وبات الشعبُ والجيش والمؤسسات رهينة السياسات الإيرانية المباشرة

بعد حرب تموز عام 2006، تنكّر “حزب الله” لكلّ الجهود التي بذلتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة رغم وصف الرئيس نبيه بري لها بأنّها “حكومة المقاومة السياسية”. وأطلق الحزب حملة تخوين هائلة انتهت بانقلاب السابع من أيار 2008، متناسياً أنّه لولا وجود حكومة تحظى بالاعتبار من المجتمع الدولي لم يكن ممكناً الوصول إلى القرار 1701.

اليوم أصبح “حزب الله” هو “الدولة”، وبات الشعبُ والجيش والمؤسسات رهينة السياسات الإيرانية المباشرة. لهذا، تزداد المخاوف من الاتجاه الأميركي لتصعيد العقوبات على الحزب وحلفائه، ليعود لبنان إلى دائرة العنف والتفجير و”إنبات” المجموعات المتطرّفة. كلّ هذا بهدف حرف البوصلة والعودة إلى نغمة “مكافحة الإرهاب” حيث يجد حزب الله تقاطعاً بينه وبين واشنطن، كي يحاول إقناعه باعتماده من جديد شرطيّ المنطقة “في أوقات فراغه” في وجه “التكفيريين”.

ألحقت “لعنة الجغرافيا” بلبنان الكثير من اللعنات المتناسلة منها على مدى تاريخه، قبل نشوء الكيان بصيغته السياسية الراهنة وبعد إنشاء دولة لبنان الكبير، نتيجة وقوعه على فالق الزلازل السياسية الدائمة النشاط من الحدود المباشرة إلى التداخلات الاستراتيجية في المنطقة والعالم. وكلّ هذا أوقع لبنان مراراً وتكراراً تحت وطأة احتلالات وانتداب ووصاية وهيمنة، فكانت محطاتُ تاريخِهِ مخضّبةً بالدماء، ومجبولة بالبحث الدائم عن الحرية والاستقرار وسبل إرساء الشراكة في بقعة يتعايش فيها أهل الإسلام والمسيحية، بما يحمله كلّ هذا التاريخ من تحدّيات.

اليوم نحن على مفترق طرق سيحدّد مستقبل لبنان لعقود، بين معركة على أرضنا تضرب جماهير لبنان، وبين ازدهار نسبيّ، إذا تراجع الإيرانيون نتيجة العقوبات وبالطبع بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وسمحوا للدولة اللبنانية أن تنهض من جديد.

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…