الحزب والبطريرك والدعوة للحياد: الحوار الوطني هو الحلّ


رغم أنّ العديد من القوى والشخصيات والهيئات المؤيدة أو الحليفة لحزب الله قد شنّت حملة قاسية على مواقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وعلى دعوته إلى الحياد، إلا أنّ قيادات حزب الله ومسؤوليه التزموا الصمت (حتّى تاريخ كتابة هذا المقال)، ولم يصدر أيّ تعليق مباشر أو غير مباشر عن قيادة الحزب ولا عن مصادره، أو عن المقرّبين منه.

إقرأ أيضاً: الحوار الوطني وفق “ثلاثية الراعي”… ينتظر “جواباً” شيعياً رسمياً

في الاجتماع الأخير لـ”كتلة الوفاء للمقاومة” يوم الخميس الماضي، لم تُشِر الكتلة نهائياً إلى موضوع الحياد. لكنها قالت شيئاً حول ذكرى حرب تموز 2006: “تموز عام 2020 يجدّد الشهادة بأنّ توازن الردع الذي أحدثته معادلة الجيش والشعب والمقاومة مع العدو الإسرائيلي المدجّج بترسانة عسكرية ضخمة والمدعوم من قوى الطغيان في العالم، وعلى رأسها الإدارة الأميركية، هو السبيل الوطني الأجدى للدفاع عن لبنان وحماية سيادته وصون كرامة شعبه”. وأشار البيان إلى أنّ “الضغوط والحصار والعقوبات التي تفرضها الإدارة الأميركية على لبنان وشعبه في هذه الأيام، هي من أجل تقويض هذه القناعة الوطنية”.

وقال البيان: “إنّ التصدّي للأزمة الخانقة التي طاولت جميع اللبنانيين في مصالحهم ومستوى عيشهم ومستقبل أبنائهم يتطلّب موقفاً وطنياً متناسقاً، ولو في الحدّ الأدنى. واللحظة الراهنة لا يحتمل فيها البلد سياسة المناكفات ولا الكيديات ولا التنافسات الشخصية على حساب برامج التصدّي المنسّق للأزمة واستهدافاتها”.

نظراً للالتباسات الكثيرة التي أثارتها الدعوة، فقد حرص الراعي على إطلاق الكثير من التصريحات لشرح طبيعة الدعوة ومضمونها

هكذا يبدو واضحاً أن قيادة حزب الله لا تريد الدخول في نقاش مباشر مع البطريرك الراعي، وتركت لرئيس الجمهورية وحلفائها ومؤيديها وأنصارها الردّ على دعوة البطريرك بأشكال متعدّدة. بعض هذه الردود كان رصيناً، وناقش الموضوع بعلمية وموضوعية. وبعض الردود وصل إلى مستوى غير مناسب من خلال بثّ التهم وإطلاق العبارات غير المناسبة.

الأمل ألا تشكّل هذه الدعوة مدخلاً لنشر أجواء الفتنة مجدداً، قبل أسبوعين من صدور الحكم النهائي من المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري في السابع من آب في ظلّ الضغوط الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والمالية.

ونظراً للالتباسات الكثيرة التي أثارتها الدعوة، فقد حرص الراعي على إطلاق الكثير من التصريحات لشرح طبيعة الدعوة ومضمونها. وأوضح بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ “الحياد يعني وجود دولة قوية وجيش قوي”، مؤكدًا أن “لا خلاف مع رئيس الجمهورية على هذه المفاهيم”.

وعما إذا كان يقصد “حزب الله” بكلامه عن الحياد، قال الراعي: “أنا أعني الجميع، فالولاء أولًا للبنان. وبكركي أبوابها مفتوحة أمام الجميع، وهي لا ترتبط بأحد فكلمتها دائمًا حرة”.

وفي حديث لجريدة “فاتيكان نيوز” أعتبر أن “لا حلّ إلا بإخراج لبنان من الأحلاف السياسية والعسكرية مع أيّ دولة. ويكون لبنان بذلك دولة حيادية فاعلة ومفيدة من أجل السلام والاستقرار”. ثم أكمل حديثه عن حزب الله وضرورة نزع سيطرته على النظام.

المطلوب بكلّ صراحة ووضوح، سواء من البطريرك الراعي أو المؤيدين لدعوته، أن يدخلوا في حوار مباشر مع الحزب حول كلّ القضايا التي يطلقونها سواء كانت داخلية أو خارجية

وعن الآلية التي يجب اتباعها من أجل هكذا حياد؟ أجاب: “أولاً، نحن نستمرّ في بحث هذا الموضوع مع القيادات اللبنانية والشعب اللبناني ثم مع سفراء الدول، ثم مع الكرسي الرسولي، حتى يصل هذا الأمر الى الأمم المتحدة”. وتابع: “يكفي دولة واحدة أو اثنتين، تقدّمان اقتراحاً الى الأمين العام حول لبنان، ليكون لنا نظام الحياد الإيجابي والفاعل. الأمين العام يطرح المشروع على التصويت. وهذه هي الآلية داخلية وإقليمية ودولية. ونحن نعوّل على دور الكرسي الرسولي الفاعل في هذا الموضوع”.

لكن بعيداً عن النقاش العلمي حول مفهوم الحياد وكيفية تطبيقه وتحقيقه ومدى قدرة لبنان على الالتزام به اليوم، وعلاقة كلّ ذلك باتفاق الطائف وما تضمّنه من نصوص وخصوصاً العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا، فإنه من الواضح أنّ هذه الدعوة تعني حزب الله ودوره داخلياً وخارجياً. ولذا، فأيّ نقاش أو حوار من دون حزب الله لن يؤدي إلى أيّ نتيجة.

إذن المطلوب بكلّ صراحة ووضوح، سواء من البطريرك الراعي أو المؤيدين لدعوته، أن يدخلوا في حوار مباشر مع الحزب حول كلّ القضايا التي يطلقونها سواء كانت داخلية أو خارجية، وأن تكون الدعوة صريحة وواضحة وبدون أية مواربة. وهذا الحوار لا يمكن أن يتمّ إلا برعاية رئيس الجمهورية وحضور كافة الأطراف اللبنانية المعنيّة.

وفي تفسير لمواقف الراعي، وضع النائب نهاد المشنوق ثلاثة قواعد يمكن الانطلاق منها للحوار حول هذا المشروع: “حياد لبنان ما عدا الالتزام بالقضية الفلسيطينية المحقّة. وهذا عنوان عربي كبير، وتحرير الشرعية من الاحتلال الواقع عليها، وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان ومشاكله الحدودية، سواء المتعلّقة بالداخل والسلاح أو الخارج مع جيرانه”.

أما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فقد أطلق مواقف عديدة تشير إلى صعوبة تطبيق هذا المشروع والذي يحتاج إلى اتفاق وطني، ولأنه لا يمكن الوقوف على الحياد تجاه من يعتدي علينا.

وإذا كانت الدعوات للحوار التي أطلقها رئيس الجمهورية سابقاً للحوار الوطني لم تلقَ التجاوب المطلوب، وخصوصاً من الداعمين اليوم للدعوة للحياد، وفكّ الحصار عن الشرعية اللبنانية، والحكم، فإنّ دعوة البطريرك الراعي تشكّل فرصة جديدة من أجل حوار وطني شامل تحدّد فيه كافة الإشكالات، ويتمّ الاستماع لكلّ وجهات النظر، وتحديد الأليات المطلوبة لإنقاذ لبنان من الأزمات التي يواجهها اليوم.

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…